دق جرس طابور الصباح.. حضر جميع التلاميذ إلا هو.. بدأت الحصة الأولى والثانية والثالثة، وحضر جميع التلاميذ إلا هو..غاب أحمد بالصف الخامس الابتدائى عن الحضور، ليس لسبب سوى أنه سقط ضحية الإهمال..سقط من الطابق الثانى ليلقى بجسده النحيل على الطابق الأرضى ويدخل فى غيبوبة.. تفاصيل الحكاية مريرة وقاسية ومؤلمة، تعكس حجم الإهمال والفوضى التى تسكن مدارس التربية والتعليم، لاسيما أن محاولات إنقاذ الطفل كانت عبثية وفوضوية لدرجة لا يستوعبها عقل. الحكاية بدأت عندما خرج أحمد من فصله بمدرسة «شهداء ثورة يناير» بكوم حمادة»بالبحيرة ، للعب مع زملائه أمام فصله فى طرقات المدرسة التى انهار سورها منذ فترة طويلة. سقط أحمد من الطابق الثانى ، فهرع إليه بعض المدرسين وحملوه إلى فصله ،غارقا فى دمائه، وأجبروه على المكوث فى الفصل وهو على هذه الحالة!! مضى الوقت وهو يتألم بشدة ويصرخ دون أن يسعفه أحد من المدرسين الذين تصوروا أن إصابته قد تكون طفيفة ، وأن هذه الدماء ناتجة فقط عن ارتطامه بالأرض، ولم يتصور أحد للحظة أنها نتيجة قطع غائر بالرأس ونزيف داخلى بالمخ، فضلا عن كسر بيده وقدمه اليمنى .. ظل أحمد فى فصله يتأوه متأثرا بإصابته البالغة حتى غاب عن الوعي. حينها فقط شعر المدرسون بخطورة الموقف، واخذ كل منهم يطلب من الآخر توصيل أحمد إلى منزله إلا أنهم جميعا تنصلوا خوفا من المسئولية، حتى تقدم أحد المدرسين الذى علم بالصدفة ما حدث، فقام على الفور بإيقاف «توك توك» وحمل احمد إلى منزل أبيه، وهنا كانت الصدمة ، إذ اعتاد «عم شكرى» فى هذا التوقيت كل يوم باستقبال ابنه ،الذى يعقد عليه كل آماله وطموحاته... فهو مجرد» أرزقي» لا يحتكم سوى على عربته الخشبية، التى تحمل أنواعا من الخضار، لعل بعض الجنيهات القليلة التى تدخل جيبه، تحميه من مذلة السؤال .. أصبحت حياته مرهونة بتعليم أبنائه وتوفير لقمة العيش لهم.. لم يتحمل «عم شكري» هذا المشهد وأخذ يصرخ بأعلى صوته متصورا أن ولده سيفقد حياته من هول الإصابات الموجودة به، والدماء التى تكسو وجهه ورأسه وجسده بالكامل، لدرجة أنها غطت ملامحه. حمل «عم شكرى « ابنه إلى اقرب مستشفي، ليفاجئه الأطباء بأن الحالة فى منتهى الخطورة، وعندما سأل إدارة المدرسة عن حقيقة الواقعة، تم تضليله، إذ اخبروه انه سقط فى «الحمام»، مما نتج عنه تلك الإصابات. والصدفة وحدها هى التى جعلت أحد المدرسين يسرع إلى عم شكرى ويبلغه بحقيقة الواقعة. القذافى الأشقر ، احد جيران عم شكرى فى المنطقة ويعرف أسرته جيدا، رافقه فور وقوع الكارثة، وعلم من بعض المدرسين أن المدرسة مرتع للإهمال واللامبالاة والاستهتار بأرواح التلاميذ ،حيث أكد احدهم عدم وجود مشرفين للأدوار، أو مشرفة صحية بالمدرسة، فضلا عن انهيار أجزاء كبيرة من الأسوار التى تحيط بالطوابق، وخلو بعض الفصول خاصة فى الطابق الخامس من النوافذ تماما ،مما يعرض الأطفال لخطر السقوط من أعلي، فضلا عن لامبالاة المدرسين الذين لا يشغلهم سوى اللهث وراء الدروس الخصوصية. وجاءت كلمات محمد سلامة-رئيس مجلس الإباء بالمدرسة- كدليل إدانة ، حيث كان قد تقدم بشكوى فى يوم 25 أكتوبر الماضى إلى الإدارة التعليمية بكوم حمادة ،يوضح فيها كل مظاهر الإهمال فى المدرسة محل الواقعة، من حيث انهيار أسوار المدرسة، و تجاهل المديرة لما تفتقد إليه المدرسة من عوامل الأمن والسلامة ، ولم تلتفت ولو لمرة واحدة إلى تلك المخالفات الجسيمة الموجودة منذ فترة طويلة، والتى قد تودى بحياة أى طفل فى أى لحظة، ولم يتم اتخاذ أى إجراء ردا على شكواه ،حتى وقعت الحادثة الاخيرة. حكاية أحمد الذى يرقد حاليا فى المستشفى بعد إجراء عملية فى المخ، ليست الأولى بالطبع، ولن تكون الأخيرة، مادامت المحاسبة غائبة.. وها هو «عم شكري» ينتظر من الحكومة محاسبة كل المسئولين عما أصاب ولده بداية من وزير التربية والتعليم حتى أصغر مدرس بالمدرسة.