تأوهات مكتومة وشكوي مبحوحة تخرج من أفواه ساكني بيوت المسنين عندما يدخل الرجل أو المرأة المسنة عتبة هذا الملجأ طوعا أومكرها. لأنه ببساطة محتاج إلي من يقدم له الخدمة, التي للأسف قد لا يجدها من الأبناء. ربما لأنهم مشغولون بأعمالهم أو بأولادهم. أو لضيق الابنة أو الابن, الزوجة أو الزوج لوجود الوالد المسن في البيت أو الوالدة المسنة.والأدهي والأمر هو أنه قد تكون رغبة الأبناء لاحتلال شقة الوالد, أو الوالدة.. أو كما يقول المثل( إيه من رماك علي المر.. قال الأمر منه) داخل أحد بيوت المسنين, والذي يضم60 رجلا وامرأة مسنة, بلا عائل, والبعض الآخر جاء مكرها, أو طواعية. البعض منهم سعيد بالإقامة في بيت المسنين, والآخر غير سعيد, وآخرون نادمون علي أنهم أنجبوا أولادا وبنات حملهم التفوق علي نسيان رحلةالشقاء التي قامت بها الأم أو الأب. ............................................................................ (س.ل) سيدة عمرها65 عاما أنجبت ولدا وبنتا, مات زوجها وتولت تربيتهما, حتي أنهيا التعليم العالي في الطب والصيدلة, البنت هاجرت مع زوجها والابن تزوج وأنجب في بيت أمه, ضاقت به الشقة مع الأم والزوجة والأبناء, زوجة الابن تفتق ذهنها عن أسلوب جديد وهو مضايقة الحماة حتي يضيق بها المكان وتخرج من هذا الجحيم, فاتحت الأم ابنها في الخروج من الشقة إلي بيت مسنين ورحب الابن بلا تردد.. سحب معاش أبيه لملم ملابس أمه في شنطه وأودع الأم وشنطتها البيت الخاص بالمسنين ودفع مبلغ3000 جنيه رسوم الإقامة لمدة شهر.. وودع أمه وعاد سعيدا إلي زوجته لإبلاغها بالخبر السعيد.. ودخلت الأم حجرتها في البيت الجديد ووجدت في الحجرة شريكة, علي السرير المقابل لها, وفي صمت ودموع تبلل ملابسها.. فتحت الشنطة وأفرغت ما فيها في نصف الدولاب.. وبقي كيس الأدوية لتلتقط منه حبة من دواء الضغط, وتلقي بجسدها المجهد علي السرير في محاولة لنسيان ماحدث.وفي زاوية بعيدة تحت شجرة في حديقة بيت المسنين جلس( ف.ك) سارحا.. صامتا لا يتحدث ويجلس إلي جواره رفيق في نفس العمر, يحكي عندما كان مديرا ناجحا في إحدي المؤسسات الحكومية.. ولكن الزمن عصف به ماتت زوجته وهاجر أولاده, ولكن العمر والمرض والوحدة حاصرته, ولم يجد قريبا أو نسيبا أو صديقا لكي يشغل فراغه, ولم يجد بدا من دخول بيت المسنين.. رغما عنه. م.أ عمرها70 عاما.. تبكي ليل نهار.. أودعها الأبناء بيت المسنين منذ5 سنوات ولم ترهم.. فهم يأتون أول كل شهر لدفع رسوم الإقامة ليلا حتي لا يراهم أحد. وتقول لقد( رموني) في هذا البيت.. وتتساءل: هل هذا جزاء الأم التي سهرت وربت وعالجت وعلمت وألحقتهم بالعمل وزوجتهم. ما الذي حدث للأبناء؟هذا هو السؤال؟فعندما يعبر الإنسان بوابة الستينيات من العمر, يحدث تغيير مثير في حياته.. يغادر عمله محالا إلي التقاعد, يهجر الصداقات التي نشأت بحكم عمله, ويفقد كل المزايا التي جعلته مرموقا, يقف في طابور صرف المعاشات, وإذا عاد إلي عمله الماضي لمجرد الزيارة فإنه لا يقابل بقدر ما كان يقابل وهو في الخدمة, لأن بطاقته حملت كلمة بالمعاش. البعض منهم يخرج من منزله في نفس موعد خروجه إلي العمل, ويعود في نفس الموعد علي الغداء والبعض منهم يذهب إلي النادي الاجتماعي أو المقهي حيث, ينضم إلي فريق المعاشات. والبعض الآخر يتولي شراء شئون المنزل والبحث عن محال الجملة لشراء الحاجيات بحثا عن توفير عدة جنيهات. وهناك من يهتم بالذهاب إلي المسجد للصلاة في مواعيدها.أما من بقي وحيدا بعد وفاة شريكة الحياة.. وعدم وجود أبناء.. أو هجرتهم فإنه يفضل الذهاب إلي بيت مسنين.ولأن التقدم الطبي ووسائل التشخيص حققت نجاحا كبيرا.. ولأن التوعية الصحية بحياة صحية وجيدة أصبحت عالية مما أدي إلي ارتفاع متوسط الأعمار.ففي القرن الماضي كانت متوسطات الأعمار كما يقول د.صبحي مشرقي استشاري الأمراض الباطنية كانت حول الستين من العمر أي أن متوسط أعمار الرجال كان64 عاما, والمرأة68 عاما, ومع بدايات هذا القرن قفز متوسط الأعمار للرجال والسيدات إلي السبعين وهي طفرة عظيمة ويحاول الطب الآن اللحاق بتخصص علم الشيخوخة وأمراضها وأعراضها والزهايمر الذي دهم الأعمار كلما تقدمت في السن. ولهذه الأسباب نجد أن دور المسنين, ورغم انتشارها فإن قوائم الانتظار طويلة فلا يتمكن البعض من الالتحاق بها.ومن أهم شروط دور المسنين هو أن يكون قادرا علي خدمة نفسه, لأن مهمة الدار هي الإقامة والوجبات ومواعيد تعاطي الأدوية واستدعاء الطبيب إذا لزم الأمر وعلي نفقة النزيل.وكما هي العادة عندما يدخل النزيل المسن أو المسنة.. أول يوم وأول أسبوع يصاب بكآبة شديدة وسرعان ما يندمج مع الآخرين.