بين ماض من الزمان وآت.. فهل في أزمتي خيال الندامي والنواسي عانق الخيام ؟ مع الاعتذار لكوكب الشرق أم كلثوم والشاعر جورج جرداق, هذه الأبيات حاصرتني بعد كم الخبطات التي تساقطت علي رءوسنا تباعا إثر ثورة عظيمة ستتعلمها الأجيال اللاحقة, فقد قهرنا.. فثرنا.. فانقشع الظلام وما بين ثورة وثورة توالت الأزمات, حادثية تارة وكارثية تارة أخري, وخطبنا يتلخص في جهلنا بإدارة الإزمات, فالثورة ليست معارك وخراطيش وضحايا وقتلي وفقط, إنما الثورة فعل حب مفاده البناء والتغيير ك فاعل والقضاء علي الأوبئة القهرية والأنظمة المتهالكة ك مفعول به. فوفقا للتحليلات المعاصرة توقفنا عند الفعل وانقطعت الجملة الثورية عن الاتصال واعتبر البناء مرفوع مؤقتا من الفعل, وربما كانت هذه الآليات هي السبب في النمو البطيء للجنين الثوري, فباتت الكارثة الحقيقية في تلك الأمية العصرية لمواجهة الأزمات البشرية أو الطبيعية. ولن نندهش من هذه النتيجة الجوهرية طالما تأكدنا أننا ثمار لشجرة عمرها ثلاثة عقود لم يتم حرثها بفأس العلم وهواء التحديث ومياه التطوير, لكن آن الأون أن نغير من تلك الظروف تغييرا راديكاليا, فقد أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن كل الأزمات قهقرتنا للخلف مع أي شوية مطر زيادة أو انقطاع مؤقت في التيار الكهربائي أو حوادث الطرق.. الخ. ولم تعد لدينا رفاهية انتظار المفاجأة أو الأزمة وعلينا أن نكثف جهودنا ليس فقط لمواجهتها, بل علينا أن نتنبأ بها قبل الحدوث وفقا للنظريات الحديثة في إدارة الأزمات, فالأزمة تولد ثم تنمو ثم تنضج ثم تحاصر ثم تنتهي, في خمس مراحل نلتزم معها دائما بالمرحلة الثالثة ثم نقع صرعي للعواقب المترتبة ؟ ولسنا بصدد أن نبكي علي اللبن المسكوب مرددين لو, فنحن الآن أمام ردهات المستقبل الذي سيحفها النور المخلوط بالأمل في غد أفضل بأيدينا لا بيد عمرو, أم أن تتحول الي أنفاق سرمدية حالكة. علي كل وزارة تشكيل لجنة دائمة لإدارة الطوارئ والأزمات, ولا تتوقف عند اختيار أعضائها عن طريق الكوسة والمحسوبية ومنح المكافآت فتتحول الي عبء جديد, وبطالة مقنعة كهذه التي وقعنا تحت براثنها عقودا طويلة ومازلنا نتجرع سمومها. فنحن الآن أمام إشكالية حقيقية عالمية حين حولنا الدواعش الي إرهابيين في تشويه بين للإسلام الذي هو دين السلام في الاساس, فعلينا أن نبذل جهودا متضافرة للتصدي لتلك الصورة المشوهة من خلال السينما مثلا كلغة عالمية مشتركة, وكفانا أن تقديم أفلاما لا تقدم من الدين سوي خيام الصحراء واللحي والجلباب, بل إنني استشعر الحرج حين أشاهد الفيلم الهندي اسمي خان الذي يقدم للعالم أجمع حلاوة الإسلام من خلال السلوك والافعال والتربية والمواقف وليس فقط الخيل والبيداء, وقد كان مهرجان القاهرة السينمائي الأخير خير دليل علي التردي الذي آلت إليه السينما المصرية التي سبقت مثيلتها العربية بأكثر من نصف قرن, بل وكانت في وقت ما قديما منافسة للهوليودية. ولماذا لا نقيم برنامجا للمواهب الغنائية في مصر علي غرار تلك البرامج الشهيرة التي تقام في بيروت أو دبي, سواء اتفقنا او اختلفنا مع هذه النوعية من البرامج إلا أننا لن نستطع تجاهل رواجها عربيا ونسب مشاهدتها, كما لن نغفل الدخل الذي سوف يعود علينا من خلال توافد المواهب وذويهم من كل الجنسيات, ولن نحتاج الكثير فنحن نمتلك مدينة للانتاج الإعلامي لا نستفيد منها سوي الردح الفضائي فضلا عن قاعات الأوبرا, فأين رجال الأعمال والمنتجون وأصحاب الفضائيات من هذه الفكرة ؟. ومن ثم أين دور وزارة الثقافة في إنعاش السياحة من خلال ثروات مصر الحصرية, لما لا تقام أحداث ضخمة في المناطق الأثرية لاستقطاب العالم الينا بالصوت والصورة وليس بالهتافات أو السفريات الفئوية إلي شرم الشيخ ؟. وأخيرا لن ألقي باللوم علي السادة المسئولين بل علي القادة الذين لا ينتهجون مبدأ الثواب والعقاب مع من لا تتناسب أدواته ومتطلبات العصر لإعادة بناء مصر. ولن نعفي وزارة التربية والتعليم من هذه المهمة, فلابد من تأهيل الطلاب للمشاركة في إدارة الأزمات منذ الصغر وكفانا حفظا وتلقينا ودروسا خصوصية وتخمة كتابية, ولنتجه جميعا لإعمال البنية الفوقية للجسد المصري التي يتوجها العقل صاحب الحق الأصيل في إفراز الإبداع والابتكار.. وللحديث بقية. [email protected]