قرية «عفونة» تلك القرية الصغيرة التى شغلت الرأى العام بعد أن تعرضت للغرق من جراء الامطار والسيول التى داهمت محافظة البحيرة منذ ثلاثة اسابيع مما أدى إلى مصرع 14 من أبنائها وغرق الاراضى الزراعية وضياع المحاصيل وجهد وعرق المواطنين البسطاء تحولت الى منطقة كوارث وأوبئة تهدد حياة السكان بسبب انتشار الحيوانات النافقة، حيث تنتشر رائحتها الكريهة ولا يزال الاهمال يسكن جنبات القرية المنكوبة منذ وقوع الكارثة حتى الآن. ورغم تصريحات المسئولين بتقديم مساعدات للمضارين ونقلهم إلى مساكن بديلة .. فإن صرخات سكان القرية المدوية مازالت تحمل التوسلات لانقاذهم وفى جولة ل «الأهرام» بالقرية المنكوبة رصدنا الواقع المؤلم الذى يعيشه السكان. الوصول للقرية يعد ضربا من ضروب المستحيل، مادمت تفتقد الدليل للوصول اليها. كما ان الطريق اليها لاينبيء على الاطلاق بوجود حياة. وتنقسم القرية الى قسمين «فوق» و«تحت»، كما يؤكد الأهالي، فالخراب يسكن ارجاء القرية بالكامل يصاحبه الموت الذى تشتم رائحته فى كل شبر بالارض التى تغمرها المياه حتى الآن. المنازل مهجورة ومعظمها تجتاحه المياه ومهدمة، والطرق الترابية تحولت الى برك من الطين (الروبة) يصعب السير فيها. معظم اهالى القرية يجتمعون عند اول القرية لان النصف الآخر من القرية (تحت) امر غاية فى الصعوبة، وأصبح «الموتوسيكل» هو الوسيلة الوحيدة للتنقل من اول القرية لآخرها نظرا للطرق التى تحولت لبرك وطين او للطرق المقطوعة. وفوق دراجة بخارية كانت جولتنا فى القسم المنخفض جدا بالقرية، فالطريق اليه ملىء بالحيوانات النافقة والاراضى والمنازل تغمرها المياه التى تختفى تحتها الزراعات بل والاشجار وعدد كبير من الحيوانات النافقة والرائحة الكريهة تنتشر بمعظم ارجاء القرية مما يهدد بتحويلها الى منطقة موبوءة نتيجة التلوث والامراض التى ستنتشر بسبب الحيوانات النافقة فى كل مكان ويسكن الخوف النفوس من مواجهة نفس المصير خلال الايام المقبلة، فما اكثر النوات الشتوية. حقائق غائبة: «نحن لسنا مغتصبين للارض أو مهجرين، كما ادعى البعض فى وسائل الاعلام».. بهذه الكلمات بدأ محمد السيد سعد من اهالى قرية عفونة صرخته ويقول: يسكن بالقرية التى تبلغ مساحتها نحو (15) الف فدان نحو (300) أسرة منذ عام 1979 كلهم من المزارعين ويقومون بزراعة اكثرمن 80% من مساحة الأرض بالخضراوات والفاكهة والاشجار. ونحو 30% من الاراضى بقرية عفونة مملوكة للمواطنين من قبل المحافظة أو وضع يد وقد قمت بشراء (26) فدانا من احد الاشخاص الذى قام بشرائها من محافظة البحيرة ولدى عقد تمليك الارض موثق ورسمى ويتساءل كيف يطلق علينا مغتصبون؟ تقنين أوضاع: أما الحاج حسن عبد المنعم فيقول: أعيش بالقرية منذ (14) عاما انا واسرتى وقد قمت انا واشقائى بشراء (46) فدانا من «العرب» واضعى اليد على الارض بواقع(5) الاف جنيه لكل فدان وحصلت على عقد بيع منهم والجهات الحكومية تعترف بهذا العقد ولذلك تقدمت بطلب لمحافظة البحيرة لتخصيص الارض وتقنين وضع اليد حيث الزمتنى بسداد (110) جنيهات عن كل فدان بموجب ايصال سداد بحوزتى وبموجب هذا الايصال احصل على حصة الكيماوى للارض من الجمعية الزراعية ثم توجهت الى الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية للسير فى اجراءات تملك الارض وطلب منى المسئولون رفعا مساحيا للارض على نفقتى الخاصة وبلغت تكلفته آلاف الجنيهات. ويلتقط اطراف الحديث رجب عبد الحسيب الذى يقول: منذ عام 2006 توقفت اجراءات تمليك الاراضى من المحافظة وعندما تقدمنا بطلباتنا لتمليك الارض كانت المفاجأة بمطالبتنا بسداد مبلغ (700) جنيه عن كل فدان سنويا بأثر رجعى من عام 2006 حتى عام 2014 وذلك حتى يتسنى لنا الحصول على عقد حق انتفاع وليس تمليك لمدة (99) فقط..هل هذا معقول؟! مهزلة أم تعنت: وجه آخر من وجوه الحقائق الغائبة التى تنطق بها الاوراق الرسمية يوضحه عبد العظيم محمود سلومة فيقول: فى عام 2000 قمت بشراء (9) افدنة وضع يد وجاءت لجنة من المحافظة للمعاينة وتم الرفع المساحى على نفقتى الخاصة ولم يتبق سوى ارسال لجنة تقدير قيمة الارض من المحافظة واثناء فترة الانتظار فوجئت بوصول انذار من الوحدة المحلية لمركز وادى النطرون يتضمن التنبيه بسرعة سداد متأخرات تبلغ 66 الفا و830 جنيهاً عن المدة من 2006 حتى 2014 وفى حالة عدم السداد سيتم الحجز الادارى على المنقولات والعقارات وذلك تطبيقا لقانون الحجز الادارى رقم 308 لسنة 1955. يصمت قليلا ويواصل حديثه: هل ما يحدث هو عقاب لرغبتى فى تقنين اوضاعى وسداد حق الدولة؟ هل من يتبع القوانين يكون جزاؤه توقيع حجز ادارى على ممتلكاته؟ حياة غير أدمية: ويؤكد عيسى محمد محمود ان الخدمات التى تساعد على وجود حياة آدمية غير متوافرة على الاطلاق، فالقرية بلا مدرسة أو مستشفى واقرب مستشفى هو جراحات اليوم الواحد بوادى النطرون الذى يبعد عن قريتنا (25) كيلومترا، اما عن الوحدة الصحية فحدث ولا حرج فهى مغلقة بالجنازير والاقفال ولانرى الموظفين الا يوم الاثنين أول كل شهر فقط من اجل التطعيمات. أما المأساة التى نعيشها فهى عدم وجود مياه شرب صالحة ولا كهرباء حتى الان، فنحن مازالنا نستخدم «لمبة الجاز» . جباية: ويضيف عيسى لقد تقدمنا بطلب لشركة كهرباء البحيرة لادخال الكهرباء للقرية وقمنا بدفع مبلغ (45) ألف جنيه قيمة رسوم نظافة للمحافظة تمهيدا لتوصيل التيار الكهربائى للقرية وكانت المفاجاة برد المسئولين إن التيار الكهربائى لايسمح بامتدادات أخرى على الرغم من ان التيار يبعد عن القرية نحو (500) متر فقط . الكوميديا السوداء: اثناء جولة «الاهرام» فى القرية استرعى انتباهنا وجود خيمة فوق تل جبل فى نهاية القرية وبالسؤال والاستفسار عن هذه الخيمة جاءت الاجابة المضحكة والمبكية فى آن واحد على لسان صاحب الخيمة وهو وليد جمال الدين عبد الباقى 35 سنة من سكان عفونة الذى قال ضاحكا: بعد وقوع الكارثة وغرق منزلى وارضى لم اجد مكانا آوى اليه انا واطفالى فارسلت بشكواى الى منظمة حقوق الانسان التى حولتها بدورها إلى مكتب محافظ البحيرة الذى حولها الى رئيس مجلس مدينة وادى النطرون الذى وجه لى سؤالا: بماذا تريد؟ فكانت الاجابة وحدة سكنية من اجل اطفالى او حتى خيمة اعيش فيها وتحقق ما طلبته ان سلمونى خيمة كعهدة على ان اردها بعد شهرين بالتمام والكمال مقابل صورة من البطاقة الشخصية الخاصة بي. ولااعلم بعد مرور الشهرين ماذا افعل بعد ان اسلم الخيمة العهدة ! ويستكمل حديثه فيقول: هل تتوسط لى الجريدة عند محافظ البحيرة بأن تترك لى المحافظة الخيمة إلى ان يقضى الله أمرا كان مفعولا!. أين التعويضات: ويتساءل محمود سلامة أمين عام نقابة الفلاحين الزراعيين: اين التعويضات التى اعلن عنها السادة المسئولون بوسائل الاعلام وهى (2000)جنيه عن كل فدان للمتضررين؟ حتى الآن لم تصرف هذه التعويضات الا لعدد (18) اسرة فقط وذلك بسبب تقاعس المسئولين بالمحافظة عن اتمام عملية حصر المتضررين من اهالى القرية وقد ترتب على ذلك ان الارض اصبحت شبه بور بسبب عدم معالجتها من جراء اجتياح المياه لها، فالمزراع عاجز عن شراء قوت يومه فمن أين له شراء اسمدة للارض؟ ويضيف قائلاً: على الجانب الآخر اعلن المسئولون ان المحافظة قد قامت بتسليم اهالى قر ية عفونة (70) وحدة سكنية وهذا الكلام عار تماما من الصحة، حيث لا يوجد سوى اسرتين فقط تم تسليمهما وحدتين سكنتيين بوادى النطرون وبقية سكان القرية إما عند ذويهم بالمحافظات المختلفة او يتقاسمون العيش بعضهم بعضا ويناشد المسئولين سرعة انقاذ قرية عفونة قبل تفشى الامراض والتلوث بها وتصبح منطقة موبوءة نتيجة وجود اعداد كبيرة من الحيوانات النافقة والتى عجز الاهالى عن التخلص منها.