أثبتت علوم المخ والأعصاب وعلم النفس حديثا وجود فوارق جوهرية فى البنية والوظيفة بين مخ كل من الرجل والمرأة، وتنعكس هذه الفوارق على سلوك الجنسين وأنشطتهم العقلية ومشاعرهم وانفعالاتهم.. ويثور السؤال متى يبدأ كل من الذكور والإناث فى التمايز فى هذه الجوانب؟ لقد اثبت المتخصصون فى علم النفس السلوكى أن الفوارق «الجنوسية» فى سلوك الأطفال تظهر بعد ساعات من ولادتهم، فالبنات يكن أكثر هدوءا وأقل صراخا وحركة، واكثر استجابة لمحاولات التهدئة سواء بالغناء أو «بالهدهدة»، كما يكون تعلقهن بأوجه الأشخاص اكثر من الذكور الذين يتعلقون بالأشياء بشكل اكبر، كما ان البنات يكن اكثر قدرة على الاحتفاظ بنظرات الآخرين إلى عيونهن لمدد أطول.. فهل كانت امهاتنا محقات حين كن يدركن أنهن حوامل فى ولد، اذا كان الجنين كثير الحركة؟! وعندما يبلغ اطفالنا من العمر أسابيع وشهورا تصبح الفوارق الجنوسية اكبر فالبنات يصبحن اكثر تجاوبا مع محاولات اللعب معهن،كما يظهر اهتمامهن بالعرائس التى لايعيرها الأولاد اهتماما، ويفضلون عليها اللعب بالعربات والمسدسات، ولاشك ان الامهات والآباء منا لاحظوا ان بناتهن بدأن الكلام واصبحن قادرات على التعبير عما يردن قبل ان يتمكن الأولاد من ذلك. وعند الذهاب إلى الحضانة لأول مرة، يكون صعبا على الطفلة ان تترك أمها لتنصرف، بينما يكون يسيرا على الولد، واذا ألقيت نظرة على صغارك فى فناء الحضانة، فستلاحظ أن الأولاد يلعبون العابا عنيفة ويسقط بعضهم بعضا على الأرض، ويحتاجون إلى مساحات واسعة يجرون فيها مادين أذرعهم كالطائرات،اما البنات، فتجدهن متجمعات فى أحد أركان الفناء ليتحدثن أو يلعبن ألعابا أقل خشونة، ولا تحتاج إلى مساحة كبيرة. وعادة ما يسعى الأولاد لمصادقة من هم أكبر منهم سنا، ويقبلون فى شللهم الوافد الجديد اذا كان مفيدا للمجموعة، كأن يكون ماهرا فى لعب كرة القدم اما البنات فيقبلن صداقة من هن أصغر، وان كان لا ترتجى من صداقتهن منفعة. واذا كان الولد يميل فى الحكايات والمسلسلات لتأييد رد العدوان بالانتقام، فإن البنت تقف مع الضحية المنكسر أو الذى يميل للمسامحة. وعند عودة صبية العاشرة إلى بيوتهم بعد اليوم الدراسي، قد تتجه ابنتك إلى «اللاب توب» لتدون فيه مذكرات يومها، ثم تندمج فى الحوار الأسري، اما ابنك فإنه يفضل ألعاب الكمبيوتر أو الخروج من البيت ليلعب قليلا مع أولاد الجيران. وعندما نصل إلى مرحلة البلوغ، يصبح الأولاد أكثر عدوانية من البنات بشكل اكبر، واذا كان هؤلاء يعتمدون فى تسوية خلافاتهم على عضلات الذراعين والساقين، فإن الأخريات يعتمدن على عضلات اللسان، واذا كانت البنات يصبحن خبيرات فى التكتيكات العدوانية الفنية، مثل النميمة مع عضوات الشلة ليسئن إلى من ضايقتهن، فإن المراهقين يفضلون المواجهة المباشرة، وعادة ما يكونون أقل دراية بأساليب البنات غير المباشرة. وينبغى أن ندرك من هذه المقارنات، ان اولادنا يشعرون بالفخر بفرديتهم وتفكيرهم المستقل، وأنهم اكثر ميلا للسيادة واستعراض القوة وحب الرئاسة، بينما ترى بناتنا أنهن جزء من مجموعة مترابطة، ويشعرن بالتهديد اذا حدث انشقاق فى علاقتهن، فهل نربى بناتنا وأولادنا مراعين هذه الفوارق «الفطرية»، حتى نحقق لهم تنشئة سوية، تكفل لهم حياة سعيدة؟ د. عمرو شريف رئيس أقسام الجراحة الأسبق بطب عين شمس