لا أعرف سببا علي وجه الحقيقة يجعل أعضاء مجلس الشعب يوافقون في سويعات قليلة علي مشروع تطوير الثانوية العامة, الذي يقضي في خطوطه العريضة علي اختصار الشهادة الثانوية من مرحلتيها الحاليتين إلي مرحلة واحدة تمثلها سنة واحدة, ولا خلاف علي أن سرعة الموافقة علي مثل هذا القانون الحيوي جاءت من منظور توفير أكثر من 150 مليون جنيه من أموال الدولة المخصصة للإنفاق علي السنة الواحدة من سنوات المرحلة الثانوية, وأكثر من مليار جنيه قيمة الدروس الخصوصية التي تدفعها الأسر المصرية في العام الواحد نظير تحسين أحوال أبنائهم علميا, وتجهيزهم للمرحلة الجامعية, بعد أن فقدت المدرسة دورها الحيوي والمهم والحقيقي في تعليم أبنائنا كما يجب, وأصبح دورها ثانويا أو ديكوريا, خاصة في سنوات الشهادات كالشهادة الثانوية وما يعادله, فالفصول التعليمية في المدارس الثانوية تشكو غيبة الطلاب, والمعلمون في تلك المراحل عاطلون بالوراثة, والسبب في ذلك يرجع إلي الوزارة التي اكتفت بدور المشاهد بعدما فشلت في تقديم الخدمة التعليمية المطلوبة التي تقنع الطالب بدور المدرسة الجاذب والمؤثر في هذا السياق, كما فشلت في إقناع الطالب بالارتباط بالمدرسة كمركز تعليمي وتربوي رئيسي في حياته يمثل أخطر فترات عمره من كل الجوانب والزوايا الثقافية والرياضية والمهارية والفنية, وفشلت كذلك في فرض عقوبات حقيقية علي الطالب الممتنع عن الذهاب إلي مدرسته لأي سبب من الأسباب. وظني أن قانون الثانوية العامة الجديد, الذي لا يفضي إلي شيء سوي اختصار الشهادة إلي سنة واحدة رأفة بأولياء الأمور, وإنقاذا لميزانية الدولة, كان من الإمكان معالجته بصورة أفضل مما هو عليه, لعدة أسباب.. أهمها: { أن اختصار الثانوية العامة لسنة واحدة إن لم يمثل عبئا علي الأسرة المصرية فهو بلا شك سيمثل عبئا ذهنيا علي أبنائنا الطلاب, الذين سيجدون أنفسهم مطالبين باستيعاب ما يقرب من عشر مواد علمية في السنة الواحدة, وهو عبء غير موصوف وغير متصور, خاصة إذا علمنا أن طالب الثانوية العامة الذي يدرس الآن خمس مواد فقط في السنة الواحدة يقضي أغلب وقته ويومه متنقلا بين مراكز الدروس الخصوصية, فما بالنا حينما يدرس في السنة الواحدة عشر مواد علمية؟؟! { لماذا لم يفكر المشرع لهذا القانون الجديد الذي يريد أن يوفر علي ميزانية الدولة وميزانية الأسرة المصرية ثروات طائلة في إيجاد دور حقيقي وتعليمي للمدرسة من حيث إعداد معلميها إعدادا علميا مناسبا عن طريق الدورات التعليمية المتلاحقة, باعتبار أن الطلاب يبحثون عن المعلم الذي يجمع بين مهارات التأسيس العلمي ومهارات التوصيل والإقناع بدوره الحقيقي, وهو الدور الذي يفتقده الكثيرون من معلمي المرحلة نفسها, والدور الذي تفتقده في الوقت نفسه المدرسة, من حيث تجهيز الفصول العلمية, وتيسير مهمة المعلم, وجذب الطالب إليها. { إذا كان المشرع لهذا القانون قد فطن إلي أن اختصار الثانوية العامة إلي سنة واحدة سيخفف الضغط علي الأسرة المصرية, ويختصر معدل الإنفاق إلي سنة واحدة.. فهو بالتأكيد مخطئ لسبب واحد, هو أن داء الدروس الخصوصية قد امتلك عقلية الأسرة المصرية وافترسها, وأن الأسر المصرية حتي في أقصي الريف والنجوع تنفق علي الدروس الخصوصية أكثر من نصف ميزانيتها من المراحل الأولي في التعليم الابتدائي, لسبب واحد هو غياب الدور الحقيقي الذي تلعبه المدرسة. وتبقي كلمة أخيرة ومهمة ألا وهي إذا كان هذا القانون بهذه الأهمية القصوي, فلماذا لم يعرض علي الرأي العام وعلي الخبراء والمعنيين بقضايا التعليم في بلادنا, حتي تكون هناك فرصة أكبر للنقاش وللاستفادة من وجوه صوابه وخطئه. د. بهاء حسب الله كلية الآداب جامعة حلوان