تعتبر الهجمات التي استهدفت باريس الأكثر دموية بالنسبة لأوروبا خلال السنوات الأربعين الأخيرة بعد اعتداءات مدريد في 11 مارس 2004. لتدشن بذلك مرحلة فارقة في تاريخ الشرق الأوسط وعلاقته بالغرب، على غرار أحداث 11 سبتمبر 2001 بالولايات المتحدةالأمريكية. لتدرك أوروبا جيدا أنها بالتساهل مع الإرهاب جعلت نفسها رهينة في يد المتطرفين, بعد ان ظنوا انهم بمنأى عن هذه التنظيمات المتطرفة. والأن بدأت الحكومات الغربية الى الانتباه الى مصادر تمويل الجماعات الإرهابية، مشيرة إلى أن جميع المنظمات المتورطة في تلك الأنشطة، تحتاج إلى دعم وتمويل، لتحافظ على هيكلها ونشاطها، وتذهب هذه الموارد في النفقات والأجور والتدريب وإنشاء المواقع الإلكترونية وغيرها من الأمور، التي تستهلك معظم الموارد، مقارنة بكلفة العمليات الإرهابية نفسها. المؤشرات الأولية تشير الي محاولة داعش الانتقام من باريس لمشاركتها في الحرب الدولية ضده في سوريا. فتحت عنوان "فرنسا... تاريخ معقد وطويل من الاستهداف الجهادي"، أشار تقرير نشر في يوليو 2015 الي ان استهداف فرنسا خلال العقدين الأخيرين وتحولها إلى هدف رئيسي للتنظيمات الجهادية العالمية, يأتي بسبب عملية "بارخان"، وقوامها 3 آلاف عنصر من القوات الخاصة مدعومة بالطائرات الحربية وطائرات الاستطلاع والمراقبة، ويكمن هدفها الأساسي في ملاحقة الخلايا الجهادية وتصفية قياداتها، وهو ما نجحت فيه نسبياً في الأشهر الأخيرة. ولكن كل هذا سيعطي مبررات لمزيد من التضييق والخناق على العرب في داخل أوروبا ويعطي ذريعة للتوسع بمخطط تفتيت المنطقة على أسس عرقية ومذهبية ودينية، على غرار ما حدث بعد أحداث 11 سبتمبر والتي أدت لاحتلال أفغانستان والعراق وتفتيت جيوشهما. ويكمن الجديد في هذا المشهد في ظهور إرهاب محلي في أوروبا , فهي تتعرض الآن لإرهاب محلي الصنع والأداء، فالدنمارك مثلا من كبري دول الاتحاد تصديرا للمقاتلين. لتواجة اوروبا اليوم اوروبيين من أصول عربية-إسلامية، أو من معتنقي الإسلام حديثا بالتنظيمات الجهادية في سوريا وخارجها، لاسيما داعش، وما لذلك من تهديد مباشر للأمن الأوربي ومخاطر تنفيذ عائدين من مسارح الجهاد لهجمات اخري كما حدث في بلجيكاوفرنسا.
عموما أقرت دول الاتحاد الأوروبي في منتصف فبراير 2015، خطة أمنية لمحاربة الإرهاب، تضمنت عدة تدابير لم يفصح عنها كلها، لكنها تخص بالأساس العناصر الآتية: تدعيم التعاون الاستخباراتي بين الدول الأوروبية، تبادل المعلومات مع دول الشرق الأوسط حول المقاتلين الأجانب، تدعيم مراقبة الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، تعديل بعض قواعد شنجن، حتي تتسني المراقبة المنهجية لكل المسافرين القادمين أو المغادرين لتراب دول الاتحاد الأوروبي المنخرطة في نظام شنجن ، التفتيش العشوائي في الأراضي الأوروبية، التصدي للمخاطر الناجمة عن عودة المقاتلين الأوروبيين من مسارح "الجهاد" في الخارج، إنشاء سجل أوروبي لبيانات المسافرين جوا لتعقب تنقلات المشتبه بهم ، وتشديد الرقابة علي الإنترنت. [email protected] لمزيد من مقالات رانيا حفنى