خطيئتان فظيعتان ارتكبهما بعض المصريين، فور وقوع هجمات «الجمعة الدامية» فى باريس، أولاهما الشماتة فى مصاب فرنسا الجلل، وتمنى أن تكون بريطانيا الهدف القادم للإرهاب الأسود، لتحصل على عقابها العادل جزاء ما اقترفته بحقنا، وظلمها ايانا، إثر سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء، ومشاركتها فى مخطط أثيم لضرب السياحة المصرية بوقف رحلات الطيران، وإجلاء رعاياها من شرم الشيخ. الخطيئة الأخرى شيوع اعتقاد بأن انشغال العالم بتوابع العمليات الإرهابية فى عاصمة النور سيخفف الضغط الممارس على القاهرة، وسيضع حدًا فاصلا للمحاولات المستميتة لتثبيت فكرة أن الطائرة الروسية سقطت نتيجة عمل إرهابى دبرته جماعة المرتزقة المسماة «داعش»، ولم تتمهل قبل اصدار حكم إدانة قاطع ضدنا على الأقل لحين اعلان نتائج التحقيقات الجارية فى الفاجعة الأليمة. إن ما جرى فى فرنسا عمل لا إنساني، يتنافى ويتعارض تماما مع تعاليم الأديان السماوية، والقيم والأعراف الإنسانية والاخلاقية، ومن يبد شماتة فيه يتجرد من انسانيته وسيكون مصابا بداء الازدواجية، فحينما نتعرض لعملية إرهابية داخل بلادنا نشجبها وندينها بأشد وأعنف العبارات، وندعو العالم الحر لإدانتها، والانصاف يقتضى التزامنا حرفيا بنفس الموقف عند حدوثها خارج أراضينا، فالمبدأ واحد وغير قابل للتجزئة، حتى مع احساسنا بالظلم البين الواقع علينا من الغرب المصر على وضعنا فى قفص الاتهام. ومما لا شك فيه أن فرنسا الآن تمر بمحنة عصيبة ستخلف آثارها الواضحة على الدولة والشعب عقودا تالية، وسيتعين عليها خلال السنوات المقبلة بذل مجهود خارق لتخليص الفرنسيين من تداعياتها النفسية والأمنية، غير أن هذه المحنة يمكن أن تصبح منحة لمصرنا ليس بمنطق الابتزاز والانتهازية، والضغط على الجرح النازف فى لحظة ضعف ووهن، ولكن من ناحية تبنى استراتيجية جديدة لمجابهة الإرهاب والتطرف، وتغيير نظرة الغرب لأوضاعنا وما نقوم به لقطع دابر الإرهاب وجماعاته حماية لوطننا وللعالم من شروره ومكائده الخبيثة، وأنه على الغربيين والأمريكيين إدراك فشل خطتهم الموضوعة بحشد الإرهابيين فى بلدان الشرق الأوسط والمنطقة العربية ليكونوا شوكة نافذة فى ظهر أنظمتها، لكى تصبح أمريكا وأوروبا فى مأمن من شرهم وخبثهم، وأنه لا بديل أمامهم سوى التعاون المخلص مع الجميع. حركة مصر فى هذا الاتجاه يجب أن ترتكز على 4 بنود أساسية، الأول أن تتسم لغة خطابنا مع الغرب والولايات المتحدة بالقوة والوضوح الشديد، ففى حادث الطائرة الروسية كان صوتنا خافتا باهتا بعد حصارنا بموقف الدفاع مع أن الأمر كان يستدعى الهجوم المتواصل دون التقاط الأنفاس، وتأخر رد فعلنا قليلا، ولم نعد عدتنا الكافية لمواجهة السيناريوهات المتوقعة فى ظل الاصرار البادى من عدة أطراف ، بينهم من نحسب أنهم أصدقاء لنا، على تورطنا بأى صورة من الصور، واظهارنا بمظهر الجانى الواجب عليه الاعتراف بجرمه والتكفير عنه. وهنا أشير إلى لغة خطاب دول كإيران، وكوريا الشمالية، فالغرب يحسب لهما ألف حساب، لأنهما تتحدثان بلهجة ندية وقوة، على الرغم من حصارهما اقتصاديا وسياسيا وتكنولوجيا واعتبارهما خطرين يهددان الأمن والاستقرار العالميين. البند الثاني: الرفض التام للمعايير المزدوجة فى قضايا الإرهاب، فالكل سارع لنجدة فرنسا ومواساتها، وتحاشى الكلام عن الثغرات الأمنية الفادحة التى نفذ منها الإرهابيون، وكانت واضحة وضوح الشمس، أو اتخاذ اجراءات بتعليق رحلات الطيران للمطارات الفرنسية، ودعوة الأجانب لمغادرتها حفاظا على سلامتهم وحياتهم، بينما لم يمهلنا الغرب ثانية واحدة عقب سقوط الطائرة الروسية وجزم دون تحقيق واستعراض للوقائع والحقائق بأن الدواعش اسقطوها وعليه فإن المطارات المصرية بها خلل أمنى كبير سهل للإرهابيين وأعوانهم وضع قنبلة على متنها. المقارنة يجب أن تكون مباشرة بهذا الشكل، وأن نعلن بلا خوف أنه فى حالة احجام الغرب ومعه أمريكا عن إمدادنا بمعلومات تخص الإرهاب على وجه الخصوص فإن المعاملة ستكون بالمثل، فبريطانيا حجبت عنا معلومات مخابراتية بشأن الطائرة الروسية ومررتها إلى واشنطن وموسكو، فالرد من جنس العمل، فلنحتفظ بما لدينا من معلومات ونضن بها على من يمنعها عنا ولا نخشى الجهر بذلك. البند الثالث: أن يصمت دعاة المصالحة الغربيون عن مطالبتهم القاهرة بمد يدها لجماعة الإخوان الإرهابية بدعوى أنه لا فكاك عن خطب ودها حتى تستقر الأحوال فى المحروسة، وأنها فصيل محورى فى معادلة المستقبل الآمن فى بلادنا. غنى عن البيان القول إنه غير جائز وضع يدنا بيد من يعمل ليلا ونهارا لتخريب البلد والاضرار به اقتصاديا وماليا، ويرسل قياداته لإرجاء المعمورة لتشويه صورتنا، واعطاء انطباعات غير متماشية مع الواقع، لكننى سأغير قليلا الصيغة بتقديم اقتراح للسلطات الفرنسية بالتصالح مع داعش اتقاء لاقدامها على تنفيذ عمليات إرهابية أخرى يسقط فيها عشرات الأبرياء، وتنزع الخوف والهلع من نفوس الفرنسيين المرعوبين، فإن قبلت باريس بالاقتراح سنقبل بدورنا المصالحة مع الإخوان الذين يبغون تدميرنا لإعادة مرسيهم لكرسى الرئاسة. البند الرابع: إفهام الغرب أن المسلمين أكثر من اكتووا بنار «داعش» وأنه بالإمكان تحويل الأزهر الشريف ورجاله الثقات لرأس حربة فى مقاومة التنظيم الارهابى ودحر فكره الهدام التخريبي، وأن مكانة الأزهر فى العالم الإسلامى تعطيه فرصة كبيرة لتحقيق هذا الانجاز، وأن تحركه مشروط بوقف الربط التعسفى بين الإرهاب والإسلام، وتحميل الاقليات المسلمة فاتورة العمليات الإرهابية، واثارة دعوات اضطهادهم واعادتهم لأوطانهم الأصلية، كلما تعرضوا لعمل إرهابي، ونسيان أن الغرب أسهم فى ظهور كيانات إرهابية فى سوريا وغيرها، وأنه عليه لوم نفسه بداية قبل لوم الآخرين. لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي