تنفيذا لتوجيهات السيسي.. محافظ شمال سيناء: تقسيط إيجار الشقق على 30 سنة لأهالي رفح    الآن.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم الخميس 25 إبريل 2024 بعد آخر انخفاض    تقديم الساعة 60 دقيقة غدًا.. تعرف على مواقيت الصلاة بعد تطبيق التوقيت الصيفي 2024    وزيرة التضامن: المدارس المجتمعية تمثل فرصة ثانية لاستكمال التعليم    ما موعد انتهاء مبادرة سيارات المصريين بالخارج؟.. وزيرة الهجرة تجيب    ارتفاع عدد ضحايا قصف الاحتلال لمنزل عائلة الجمل شرق رفح إلى 5 شهداء    لبنان.. طيران إسرائيل الحربي يشن غارتين على بلدة مارون الرأس    واشنطن تطالب إسرائيل ب"إجابات" بشأن "المقابر الجماعية" في غزة    محافظ شمال سيناء: لا توطين لأي فلسطيني.. وإعادة 3 آلاف إلى غزة قريبا    بطولة الجونة للاسكواش.. تعرف على نتائج مباريات ربع النهائي    عاجل.. تصريحات كلوب بعد الهزيمة من إيفرتون ونهاية حلم البريميرليج    «زي النهارده».. وفاة الفنان سمير وحيد 25 إبريل 1997    محافظ الإسكندرية يهنئ السفيرة لينا بلان لتوليها مهام قنصل عام فرنسا بالمحافظة    «زى النهارده».. عيد تحرير سيناء 25 إبريل 1982    غادة البدوي: تحرير سيناء يمثل نموذجًا حقيقيًا للشجاعة والتضحية والتفاني في سبيل الوطن    مواجهة بين أحد الصيادين ومؤسس حملة "خليها تعفن" تكشف أسباب ارتفاع أسعار الأسماك    «زي النهارده».. بداية الحرب الأمريكية الإسبانية 25 إبريل 1898    مصير مجهول ينتظر "مؤتمر المصالحة الليبية" ..تحشيد عسكري روسي وسيف الإسلام مرشحا للقبائل !    مراقبون: فيديو الأسير "هرش بولين" ينقل الشارع الصهيوني لحالة الغليان    مظاهرات لطلاب الجامعات بأمريكا لوقف الحرب على غزة والشرطة تعتقل العشرات (فيديو)    ارتفاع الذهب اليوم الخميس.. تعرف على الأسعار بعد الزيادة    تأجيل بيع محطتي سيمنز .. البنوك الألمانية" أو أزمة الغاز الطبيعي وراء وقف الصفقة ؟    "سنحولها إلى الجهات الرقابية".. الزمالك يكشف مفاجأة في قضية بوطيب وتحركات لحل الأزمة    وزير الرياضة يتفقد استعدادات مصر لاستضافة بطولة الجودو الأفريقية    جدول ترتيب الدوري الإنجليزي بعد خسارة ليفربول وفوز مانشستر يونايتد    كاراجر: محمد صلاح ظهر ظلا لنفسه هذا الموسم    خبر في الجول – الأهلي يتقدم بشكوى ضد لاعب الاتحاد السكندري لاحتساب دوري 2003 لصالحه    بعد خسارة الأهلي ضد أويلرز الأوغندي.. موقف مجموعة النيل ببطولة ال«BAL»    البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    الأرصاد تُحذر من حالة الطقس المتوقعة اليوم الخميس: درجات الحرارة تصل ل43    إصابة أم وأطفالها الثلاثة في انفجار أسطوانة غاز ب الدقهلية    شراكة مصرية إماراتية لتوطين صناعة السيارات الكهربائية والتقليدية    من أرض الفيروز.. رسالة وزير العمل بمناسبة ذكرى تحرير سيناء    رئيس تحرير «أكتوبر»: الإعلام أحد الأسلحة الهامة في الحروب    حظك اليوم برج الميزان الخميس 25-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    أخبار الفن|طلاق الفنان أحمد جمال من زوجته سارة قمر.. وشريف منير يروّج ل«السرب».. وهذه الصور الأولى من زفاف ابنة بدرية طلبة    فريد زهران: نسعى لوضع الكتاب المصري في مكانة أفضل بكثير |فيديو    في حفل تأبين أشرف عبدالغفور .. أشرف زكي: فقدنا فنانا رسم تاريخه بالذهب    اختيارات النقاد.. بعد سيطرة الكوميديا ما هى الأفلام الأنسب لموسم العيد؟    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    الصحة تفحص مليون و413 ألف طالب ضمن المبادرة الرئاسية للكشف المبكر عن فيروس سى    مدير تعليم القاهرة: مراعاة مواعيد الامتحانات طبقا للتوقيت الصيفي    صور.. الطرق الصوفية تحتفل برجبية السيد البدوي بطنطا    خال الفتاة ضحية انقلاب سيارة زفاف صديقتها: راحت تفرح رجعت على القبر    أحمد موسى: مصر قدمت تضحيات كبيرة من أجل إعادة أرض سيناء إلى الوطن    إجازات شهر مايو .. مفاجأة للطلاب والموظفين و11 يومًا مدفوعة الأجر    في الموجة الحارة.. هل تناول مشروب ساخن يبرد جسمك؟    طريقة عمل الكبسة السعودي باللحم..لذيذة وستبهر ضيوفك    حكم تصوير المنتج وإعلانه عبر مواقع التواصل قبل تملكه    أمين الفتوى: التاجر الصدوق مع الشهداء.. ومحتكر السلع خبيث    تجديد اعتماد كلية الدراسات الإسلامية والعربية ب«أزهر الاسكندرية»    بالفيديو.. أمين الفتوى: موجات الحر من تنفيس نار جهنم على الدنيا    خالد الجندي: الاستعاذة بالله تكون من شياطين الإنس والجن (فيديو)    متحدث «الصحة» : هؤلاء ممنوعون من الخروج من المنزل أثناء الموجة الحارة (فيديو)    10 توصيات لأول مؤتمر عن الذكاء الاصطناعي وانتهاك الملكية الفكرية لوزارة العدل    تضامن الغربية: الكشف على 146 مريضا من غير القادرين بقرية بمركز بسيون    تأجيل محاكمة 4 متهمين بقتل طبيب التجمع الخامس لسرقته    القبض على 5 عصابات سرقة في القاهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بورترية
المقعد الشاغره

في حياة كل منا شخصية أو شخصيات جديرة بالثناء, وتأمل تأثيرها المهني, والفكري, والإنساني في مساراتها واتجاهاتها, وقلة من هذه الشخصيات تجمع ما بين الحسنيين, أي التأثير المهني والإنساني, ومنهم الراحل القدير الأستاذ محمد عيسي الشرقاوي,
احد العلامات البارزة صاحبة البصمة في قطاع الشئون الخارجية بصحيفة الأهرام لثلاث عقود, الذي رحل عن دنيانا قبل عامين تاركا خلفه فراغا كبيرا علي مستويات عدة.
بالتأكيد ليس هينا علي المرء الكتابة عن انسان اقترب منه لسنوات متعاقبة, وبمرور الوقت نشأت بينهما علاقة وثيقة تعدت في تفاصيلها ومجرياتها اليومية الحيز المهني المحدود في زمنه ونطاقه, والصيغة المألوفة بين أستاذ وتلميذ, وتطورت وتعمقت لتصبح بين صديقين يجمعهما التلاقي الفكري والروحي.
خلال مراحل تطور تلك العلاقة كنت محظوظا باكتشافي مناطق ومآثر في شخصيته كانت خفية علي الكثيرين ممن تعاملوا مع الأستاذ الجليل, الذي كان يحبذ قلة الكلام, وتوجيه كامل تركيزه وجهده للعمل الذي بقي مخلصا ومحبا له حتي آخر عمره, هذا الإخلاص الذي دفعه للابتعاد عن جلسات النميمة المعهودة في الوسط الصحفي والإعلامي, ومعارك تكسير العظام لتولي منصب والتقرب لمسئول يغدق عليه العطايا والمزايا, فظل يؤمن ايمانا لا يتزعزع أن العملة الجيدة تفرض نفسها, ما دام الصحفي يعمل علي تحديث أدواته وثقافته ويزداد انفتاحا علي كل ما هو عصري في عالمنا, وهو ما نفتقده في كثيرين من صحفيي هذه الأيام.
اعترف بأن الفضول شكل عنصرا محوريا في علاقتنا, منذ لقائنا الأول عام1989, لدي التحاقي بالعمل في القسم الخارجي, حيث تابعت عن قرب أسلوبه الهادئ الرزين في ادارة القسم الخارجي والذي كان يحتل مكانة رفيعة متميزة, لا سيما أنه كان زاخرا وعامرا بزملاء كبار أصبحوا نجوما لامعة في سماء الصحافة, من بينهم ومع حفظ الألقاب حازم عبد الرحمن, وعبد العظيم حماد رئيس تحرير الأهرام بعد ثورة25 يناير, وسامية الجندي رحمها الله, وسجيني دولرماني, وليلي حافظ, ومحمد صابرين, وعاصم القرش رئيس تحرير الأهرام ويكلي السابق , وعاصم عبد الخالق, وزينب الأمام, وعماد عريان, وسمير الشحات وغيرهم, حيث لاحظت أن قيادته اتصفت دائما بالحزم, والحسم مع حرصه الشديد علي أن يكون الاحترام والتوقير هو السائد في التعامل بين آل الخارجي.
الأستاذ عيسي لم يكن يقبل بأقل من الجودة والاتقان في الصياغة والترجمة, فلا تسامح مع عدم الدقة والاستسهال حتي عند كتابة الأخبار القصيرة المكونة من أربعة اسطر, ومصيبتنا الآن في إعلامنا المقروء والمرئي غياب الدقة وعدم التيقن من المعلومات, ونقل المسطرة من مواقع الانترنت دون اشارة للمصدر.
الراحل بقي وفيا حتي الرمق الأخير لمبدأ نقل الخبرات بين الأجيال داخل الأهرام باعتباره القوة الدافعة والمنشطة للنجاح واستمراريته. فقد كان هناك أساتذة أفاضل يتولون تدريب الوافدين الجدد في الصحيفة العريقة, وارشادهم إلي الاتجاهات الصحيحة التي تقوي وتدعم ساعدهم المهني, وتصقل مواهبهم, وتعطيهم فرصتهم الكاملة لإظهار ملكاتهم وابداعاتهم, هؤلاء الأساتذة أدوا واجبهم علي اكمل وخير وجه, وكنا نجلهم ونوقرهم ونأخذ بنصائحهم وإرشاداتهم, وبفضلها تربت الأجيال المتعاقبة في الأهرام.
خلية النحل العاملة بالقسم الخارجي ما إن تنهي أشغالها الشاقة تلتف كأسرة مترابطة حول مائدة واحدة بكافتيريا الدور الرابع ذائعة الصيت في عالم الصحافة المكتوبة, لنيل قسط من الراحة, وتبادل وجهات النظر بشأن القضايا الخارجية والداخلية, وما اطلعوا عليه من كتب صادرة حديثا في مصر وخارجها, وتدريجيا تنقلب الجلسة الي ما يشبه المنتدي الثقافي الذي استفاد منه جميع الملتحقين آنذاك بالقسم الخارجي.
وكان الراحل العزيز يشارك بهذه الجلسات, أو ينزوي بمكتبه لإنهاء بعض الشئون الإدارية أو مهام طلبها منه رئيس التحرير الأستاذ إبراهيم نافع الذي ابدي دوما تقديرا بالغا له لعلمه باخلاصه وكفاءته وصدقه, وحينما كان نافع يرسل مذكرات إليه لتدريب صحفيين جدد بالقسم تمهيدا لتعيينهم كان يستجيب لما يقرره الأستاذ عيسي بلا اعتراض أغلب الأحيان, فإن كان الزميل غير مؤهل للعمل به يحوله لقسم آخر يناسب إمكاناته ومؤهلاته, ونادرا ما فرض نافع عليه شخصا رفضه لأسباب موضوعية ومهنية محضة.
حتي ذلك الحين انحصرت علاقتي بالأستاذ عيسي في الجانب المهني, واجتياز الاختبارات المتوالية التي وضعني فيها, إلي أن ترك موقعه كرئيس للقسم متجها لألمانيا مديرا لمكتب الأهرام هناك, واقتصرت لقاءاتنا علي المرات القليلة التي يعود فيها زائرا للوطن, وعقب عودته أصبح مسئولا عن الطبعة العربية. حينئذ بدأت اكتشف أمورا غابت عني في شخصيته من خلال جلساتنا الودية المطولة في مكتبه, ووجدت فيضا من المشاعر الدافئة والصفات الانسانية الرائعة, فلم يبخل بنصيحة علي الصعيدين المهني والإنساني, وكنت استمع إليه باهتمام من علي المقعد المجاور لمكتبه, ورأيت الجهد الذي يبذله في كتابة زاويته حكاية سياسية وتجويده فيها لتخرج في أحسن وأبهي صورة ممكنة صباح كل سبت, والاطلاع علي مصادر عديدة طوال الأسبوع لانتقاء ما يصلح منها من معلومات تتوافق مع فكرته, وكان يشعر بخجل عندما يسمع كلمة إطراء وإشادة من الزملاء والقراء وكتاب لهم وزنهم كالراحل أنيس منصور.
الحظ وقف بجانبي بانتقالي لمكتب مجاور له وكنا علي موعد كل صباح لنتحدث في نواح شتي خاصة يوم الخميس وهو الموعد المحدد لتسليم مقاله الأسبوعي فيه, وربما أبوح بسر أنه عندما أحيل للتقاعد خلال عام حكم الإخوان الرديء كانت أمامه فرصة سانحة للمد, شريطة أن يلتقي بمسئول من الجماعة, لكنه رفض رفضا تاما, وقال إنه اكرم له المكوث في بيته علي استجداء الاستمرار في موقع أفني فيه عمره وصحته بشكل رأه مهينا. موقفه هذا زاده مكانة, وحينما كان يغيب لظروف تخصه كنا نعوض جلساتنا بالمحادثات التليفونية التي تستمر مدة, وخلالها ظل بشوشا ودودا ولم تفارقه الابتسامة وروح المرح, حتي وقت مرضه, وخلت نفسه من الأحقاد والضغائن.
اللافت أنه لم يكن يحب أن يسبب ازعاجا من أي نوع, وعندما مرض لفترة وجيزة قبل وفاته لم يعرف بمرضه سوي عدد قليل من المحيطين به, إلي أن فوجئنا بموته, وتذكرت محادثة هاتفية بيننا قبل نقله للمستشفي وكان صوته ضعيفا والوهن باديا عليه, وما أن سألته, رد بأنه بخير, وأنه يستمتع بوقته, ويحاول تعويض ما فاته بسبب انهماكه وانغماسه حتي النخاغ في العمل, وكلما تكلمنا ابدي ملاحظات كثيرة عن تغير نمط سلوك المصريين بعد الثورة للأسوأ, وأنه عليهم الانتباه والتراجع خطوات للوراء قبل فوات الأوان. واليوم كلما مررت علي مكتبه القديم وكرسيه الشاغر استعيد ذكريات سنوات خصبة من الصحبة الجميلة, وابتسامته التي لم تفارق يوما جسده النحيل, وعزائي في أن من زرع خيرا سيحصد ثماره اليانعة الطيبة, وأن سيرته العطرة لا تزال حاضرة في ردهات وغرف أهرامنا العتيق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.