يكتسب البرلمان القادم أهمية كبيرة، خاصة فى ظل المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الراهنة، لسن القوانين والتشريعات، والرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، والتأثير فى الشئون السياسية الإقليمية والدولية. ويتعاظم دوره فى ظل المكتسبات الدستورية الجديدة؛ حيث استحدث دستور 2014 العديد من المواد التى تتيح للمجلس المشاركة مع رئيس الجمهورية فى اختيار رئيس الحكومة، كما يحق لمجلس النواب مساءلة رئيس وأعضاء الحكومة، وسحب الثقة من رئيس الحكومة أو أحد الوزراء أو نوابهم . كما ألزم الدستور مجلس النواب القادم بإصدار قوانين بعينها منها؛ قانون لتنظيم بناء وترميم الكنائس بما يكفل حرية ممارسة المسيحيين لشعائرهم الدينية، وقانون بتنظيم قواعد ندب القضاة وأعضاء الجهات والهيئات القضائية، وكذلك قانون للعدالة الانتقالية وفقا للمعايير الدولية. فضلا عن القوانين الخاصة بتنظيم شئون الإعلام ومكافحة الإرهاب والتظاهر وتنظيم التجمعات العامة، وأمن الفضاء المعلوماتي، وقانون الصحافة والبث الإعلامي، وقانون الأحزاب، والحد الأدنى والأقصى للأجور والمعاشات، ومنع الممارسات الاحتكارية، وتطوير المناطق الحدودية والمهمشة، وقوانين خاصة بالأزهر والنقابات، وقانون للحالات التى يحاكم فيها رئيس الجمهورية والوزراء. كما وضح البعد الاجتماعى فى العديد من مواد دستور 2014 والذى أكد عدة واجبات تلتزم بها الدولة لمحدودى الدخل والفقراء والأشد احتياجا، فى مختلف المجالات، كما ألزم البرلمان والحكومة بوضع قوانين تترجم ذلك إلى تشريعات وإجراءات حقيقية، ولأول مرة فى الدستور المصرى يتم النص على نسب محددة للإنفاق على الخدمات الاجتماعية ومؤشرات التنمية البشرية من الناتج القومى ومنها التعليم، فطبقا لنص المادة (238) من دستور 2014 تخصص للصحة ثلاثة فى المائة، وللتعليم قبل الجامعى أربعة فى المائة، واثنان فى المائة للتعليم الجامعي، وواحد فى المائة للبحث العلمى على أن يتم التحرك نحو هذه الأهداف تدريجيا بحيث تكتمل فى موازنة 16/2017. وحرص المشرع الدستورى على تحسين مستوى التمثيل وتعزيز التمكين السياسى للفئات المهمشة، ضمانا للتعبير عنهم فى سياسات وإستراتيجيات التنمية. وتفعيلا لهذه المواد الدستورية فقد خص قانون تقسيم الدوائر الانتخابية بعض الفئات بحد أدنى من المقاعد لضمان تمثيلهم، كنوع من التمييز الايجابى بعدما عانت من التهميش السياسى لعقودٍ طويلة، وشملت الفئات التى اختصها القانون بذلك تحديد 56 مقعداً للمرأة، و24 مقعداً للأقباط، وستة عشر للعمال والفلاحين، ومثلها للشباب، بينما نص القانون على تمثيل المصريين فى الخارج بثمانية مقاعد، ومثلها لذوى الإعاقة. وقد انعكست تركيبة المجالس النيابية السابقة على فعالية الأداء البرلمانى الذى ساد فيه نائب الخدمات، على حساب الدور التشريعى والرقابى والسياسي، مع ضعف المبادرة التشريعية لأعضاء البرلمان وغلبة القوانين المقدمة من الحكومة، فضلا عن محدودية الاكتراث بالمشاركة فى المناقشات التشريعية. مما يتطلب إعادة الاعتبار للدور الأساسى للنائب القادم فى التشريع والمشاركة فى إصدار القوانين وتنظيم الحياة السياسية والاجتماعية، فضلا عن النظر فى مشروع الموازنة العامة للدولة ومناقشته واقتراح التعديلات على بنوده، و مراجعة الحساب الختامى الذى يرسله الجهاز المركزى للمحاسبات. كما أنه بموجب النصوص الدستورية يخول لعضو البرلمان ممارسة الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية. وبدورها تتطلب هذه التعديلات توعية النواب بمختلف انتماءاتهم السياسية و الإيديولوجية وزيادة الاهتمام بعقد الندوات وورش العمل وتقديم الدعم الفنى والتدريب فى العمل البرلمانى لرفع قدرات النواب فى تصميم السياسات العامة وتحديد أهدافها والرقابة على تنفيذها، فضلا عن رفع كفاءتهم فى الصياغة التشريعية و التحليل الاقتصادى والمالى وتحليل الموازنة والسياسات الاقتصادية، والطرق الفنية فى إعداد الموازنة العامة، و إعداد التقارير البرلمانية عن مشروع الموازنة العامة، وتقييم ومراجعة الحسابات الختامية، وتقارير الأجهزة الرقابية والمحاسبية، ومؤشرات المتابعة وقياس الأداء. وكذلك الإلمام بالقضايا الدولية المعاصرة و التحولات الدولية وانعكاساتها على الواقع المصري. فضلا عن التوعية بكيفية استخدام مختلف الآليات الرقابية كالأسئلة والاستجوابات وإعداد الاقتراحات النيابية، خاصة فى ظل تشابه بعض الآليات الرقابية، مثل السؤال مع طلب الإحاطة، ومثل لجان تقصى الحقائق مع لجان الاستطلاع والمواجهة. وتداركا لفشل السياسات التنموية السابقة فى تحقيق العدالة فى توزيع مكاسب النمو وهو ما عكسه التباين الواضح فى معدلات الدخل والبطالة والفقر بين المحافظات بعضها مع بعض من جهة، وبين المحافظات والعاصمة من جهة أخري، فقد التزمت الدولة فى المادة 27 من الدستور بتحقيق التنمية المستدامة وبالنمو الجغرافى المتزن كما نصت المادة 236 على أن تكفل الدولة وضع وتنفيذ خطة للتنمية الاقتصادية والعمرانية الشاملة للمناطق الحدودية والمحرومة، ومنها الصعيد، وسيناء، ومطروح، ومناطق النوبة خلال عشر سنوات من تاريخ العمل بالدستور. مما يتطلب مراجعة التشريعات المعمول بها من تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وإنشاء لجان برلمانية لمتابعة ما يستجد بها من قضايا .كما استحدث الدستور المادة 32 والتى تلزم الدولة بالعمل على الاستغلال الأمثل لمصادر الطاقة المتجددة، وتحفيز الاستثمار فيها وتشجيع البحث العلمى المتعلق بها .مما يتطلب إصدار عدة تشريعات تحدد آليات المشاركة بين القطاع الحكومى والقطاع الخاص، مع وضع تشريعات واضحة حول استغلال الأراضى المخصصة للطاقة المتجددة وتسهيل إجراءات الحصول عليها، بالإضافة إلى تحديد تعريفة شراء الطاقة المنتجة من المشروع. ولذا فإن بعض القوانين القائمة لا تتفق فى نصوصها مع الدستور الجديد وتحتاج الى مراجعة ومن ذلك قانون البنك المركزى والجهاز المصرفى والنقد رقم 88 لسنة 2003 ويضاف الى هذا استحداث الدستور المادة 28 التى تنص على أن تولى الدولة اهتماما خاصا بالمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر فى جميع المجالات، وتعمل على تنظيم القطاع غير الرسمي. مما يتطلب توفير البنية التشريعية الملائمة لذلك استعانة ببعض التجارب الدولية الناجحة مثل الهند التى ركزت على توفير شبكة الأمان الصحى للقطاع غير الرسمى والتجربة الآسيوية التى ركزت على دعم المشاريع الصغيرة لامتصاص العاملين فى القطاع غير الرسمي. بالإضافة الى تعديل بعض القوانين المنظمة لعمل القطاع الخاص الذى تعول عليه خطط التنمية لتعظيم مشاركته فى النشاط الاقتصادي، فقد أسفر التطبيق العملى لبعض هذه القوانين عن العديد من الإشكاليات كالقانون رقم 67 لسنة2010 بشأن تنظيم مشاركة القطاع الخاص فى مشروعات البنية الأساسية والخدمات والمرافق العامة، كذلك تم الإعداد لقانون إعادة ترسيم الحدود بين المحافظات استجابة لتأكيد الدستور ضرورة مراعاة البعد المكانى للتنمية والذى جاء تنفيذا لاستحقاقات دستورية وردت بالمادة 27 من الدستور والتى نصت على أن النظام الاقتصادى يهدف الى تحقيق الرخاء فى البلاد من خلال التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، كما يلتزم بتحقيق النمو المتوازن جغرافيا وقطاعيا وبيئيا. وتطبيق المادة 218 من الدستور بمكافحة الفساد، كماحرص الدستور على توفير حماية خاصة للثروات الطبيعية والمرافق العامة مثل الأرض أو المطارات أو الموانى مما يستلزم إصدار مجموعة متكاملة من التشريعات الضامنة لهذا النص. كما ألزمت المادة 27 من الدستور النظام الاقتصادى بتشجيع الاستثمار، وفى هذا الإطار يجرى حاليا إعداد المسودة النهائية لمشروع القانون المقترح لضمانات وحوافز الاستثمار الجديد، المقدم من وزارة الاستثمار، ويشمل المقترح 77 مادة موزعة على 5 أبواب، تضم تسوية منازعات الاستثمار، وحوافز الاستثمار، وإصدار التراخيص، وتخصيص الأراضي، بالإضافة إلى المناطق الحرة، والمناطق الاستثمارية، وضمانات الاستثمار.