من الآن فصاعدا، من الأفضل التعامل بأقصى درجات الجدية والحذر مع التطورات الجارية والمتلاحقة لأزمة سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء، والتى قادت بعض الدول للإسراع بالإعلان عن تعليق رحلاتها السياحية لمدينة شرم الشيخ، واجلاء رعاياها، بما فيها روسيا، وبدت مصر فى نظر الكثيرين وكأنها غير آمنة، وغير قادرة على حماية الأجانب الذين يفدون على مقاصدها السياحية. اشدد على الجدية بعد أن أخُذنا على حين غرة، وسقطنا فى فخ الطائرة الذى نصب لمصرنا باحكام وبراعة وخبث، بغرض إحراجها وإعاقة نهوضها وابقائها فى جب التخلف والتبعية للكبار، وتحجيم دورها الاقليمى العائد بعد طول غياب وانتظار، ولن اصدعكم بكلام معاد مكرر عن المؤامرات المحاكة ضد المحروسة وعدم تقدير دورها وجهدها فى مكافحة الإرهاب، الذى لعب الغرب ومعه أمريكا دورًا كبيرًا فى انتشاره، واستفحاله فى الشرق الأوسط وخارجه عبر رعايتهما وتمويلهما تنظيمات متطرفة تضمر الشر للمسلمين قبل الأمريكيين والغربيين، فى مقدمتها تنظيم القاعدة، واستباق بريطانياوأمريكا وغيرهما الأحداث وعدم انتظار اعلان نتائج التحقيقات فى الحادث المفجع. فالاولوية فى لحظتنا تلك تحتم أن تتجه ناحية الدروس الواجب تعلمها واستخلاصها من وقوعنا فى فخ الطائرة الروسية، وعلى رأسها افتقارنا الشديد لكفاءة ومهارات إدارة الأزمات، فنحن نواجه الأزمات بطريقة القطعة، ونعمل بأسلوب الامتصاص وليس المبادأة، فتركيزنا كله منصب على رد الفعل وليس الفعل، مما يتيح الفرصة أمام الخصم لتسديد الضربة تلو الأخرى. عقب سقوط الطائرة كنت انتظر وضع الجهات المسئولة فى الحكومة والدوائر الأمنية تصورات وسيناريوهات لما يمكن حدوثه، وخطة مواجهتها على وجه السرعة، وأن تعرف وتعى كل جهة دورها للقيام به على اكمل وجه، حتى لا نفاجأ بما ليس فى الحسبان، مثلما فعلت بريطانيا يوم انعقاد القمة بين الرئيس عبد الفتاح السيسى ورئيس الوزراء ديفيد كاميرون. فما فعلته لندن يومئذ بهذا الشكل الفج غير اللائق يبين أن وزارة الخارجية لم تؤد مهمتها كما ينبغى لتوضيح الرؤية المصرية كاملة دون نقصان، وأنها تضع فى حسبانها كل الاحتمالات عند التحقيق فى الحادث. وتعجبت واستغربت من تصريح الوزير سامح شكرى لشبكة "سى.إن.إن" الإخبارية الأمريكية بأنه مندهش من الاجراء البريطاني، الاندهاش كلمة غير معبرة عن موقف قوى حاسم، وفيما بعد ابدى استياء القاهرة خلال مؤتمره الصحفى مع نظيره المجرى، الاستياء أيضا غير كاف وغير مبرر، فالواقعة لابد أن تثير الغضب، وليس الاستياء، فلا موقع للعبارات الدبلوماسية المنمقة الناعمة الهادئة الخالية من المعانى الواضحة. غضبنا يجب إيصاله بصوت عال للعواصم العالمية وعدم كتمانه فى صدورنا، أو الاعراب عنه بواسطة القنوات الدبلوماسية، فالمصرى من حقه الاحساس بقوة وصلابة موقف بلاده، وأنه لا يوجد ما يستدعى اخفاءه والتعتيم عليه، فالشفافية فى أزماتنا وقضايانا واجبة، ولا أجد غضاضة فى الاعتراف بوجود جوانب خلل أو اهمال وتقصير إن وجدت . ومع الفارق الشاسع بين الأمرين، فإن أمريكا تعرضت لهجمات الحادى عشر من سبتمبر الإرهابية، ولندن لتفجيرات مترو الانفاق، وفرنسا لهجوم صحيفة «شارلى ابدو»، وفى الوقائع الثلاث كان هناك خلل أمنى فادح لا ريب فيه تسبب فى مقتل الآلاف ومع ذلك لم نر دولة سارعت إلى تعليق رحلاتها واجلاء رعاياها من البلدان الثلاثة، بل سارع الجميع إلى المؤازرة، والدعم المعنوى، والخروج فى مظاهرات حاشدة منددة بالإرهاب، وفى حالتنا لم يتضح الخيط الأبيض من الأسود من الفجر فى مأساة الطائرة الروسية ولم يُجزم بعد بأنها كانت ضحية عمل إرهابى أثيم، وبدلا من التريث والصبر تعلن القرارات ببدء عمليات النزوح من شرم الشيخ. الهيئة العامة للاستعلامات لم تقم كذلك بواجبها المنتظر، واكتظت الصحافة الأجنبية بتقارير ومقالات تشوه صورة مصر وتلحق الضرر البالغ بالسياحة فيها، بسبب ما تضمنته من معلومات وتقديرات مغلوطة تجافى الحقيقة دون توقف، لا أطالب الهيئة بفرض رقابة مسبقة وتوجيه الصحافة الأجنبية لما تكتبه، لكن عليها تزويدهم بالحقائق والمعلومات، فأين كانت الهيئة والقائمون عليها، وهل جرى التنسيق بينها وبين باقى الوزارات المعنية بعلاج الأزمة؟ من جهتها، فإن بعض صحفنا لم تكن على مستوى المسئولية المتوقعة فى هذا الظرف الدقيق الحساس، ولم تدر الأزمة بمعيار المصلحة الوطنية، ولعبت بورقة التوزيع، فاحدى الصحف الخاصة نشرت مانشيتا عريضا على 8 أعمدة يفيد بأن الطائرة الروسية سقطت نتيجة انفجار، وعند قراءة التفاصيل تكتشف أن العنوان أخذ من آخر سطر فى الموضوع ومن جملة غير واضحة. وسائل إعلامنا من الصحف، والفضائيات، والمواقع الالكترونية، تتغافل أحيانا عن واقع كونها شريكا فى منظومة إدارة الأزمات القومية، شراكتها لا تعنى التجميل، وغض الطرف عن الحقيقة، وتبييض صفحات المسئولين ووجوهم، ولكن وزن الأمور وما يقع تحت يدها من معلومات وبيانات بميزان حساس يراعى المصلحة العامة، فأنا ضد نشر بيانات إرهابيى "بيت المقدس" الخبيثة بمناسبة وبدون مناسبة، فالترشيد فى نشر سموم هذه الفئة الضالة حتمي لأبعد الحدود. إن تحسين واصلاح صورة مصر، وازالة ما لحق بها من سقوط الطائرة الروسية لن يحدث إلا بتعزيز قدراتنا فى التصدى للأزمات، فدولة كبرى كاليابان تجرى سنويا فى شهر سبتمبر تدريبات فى مختلف محافظاتها على مواجهة الزلازل، فهم لا ينتظرون المصيبة ثم يبدأون فى معالجتها، وأن نقوى الداخل اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا ومن خلالها تزيد مناعة الجسد المصرى. لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي