نجحنا في إنجاز أعظم ثورة شعبية في التاريخ, وفشلنا في التخلص من مشكلة القمامة في شوارعنا ومحافظاتنا المختلفة.والتي أصبحت كارثة تشوه المظهر العام وتنشر الأمراض والأوبئة, وفشلت شركات النظافة الأجنبية التي كنا نعتقد أنها ستكون الحل السحري لتحقيق النظافة المأمولة. ومع حالة الانفلات التي شهدتها البلاد خلال العام الماضي تضاعفت مشكلة القمامة وأصبحت مستعصية علي الحل. الخطوات التي اتخذها الدكتور كمال الجنزوري رئيس مجلس الوزراء أخيرا برفع القمامة من الشوارع خطوات جيدة للتخفيف من حجم المشكلة, ولكنها لا تمثل حلا لهذه الأزمة التي تحتاج لمنظومة متكاملة للتعامل مع النفايات المنزلية كما يقول العالم المصري د. محمد صلاح عزب أستاذ نظم إدارة وتكنولوجيا البيئة ومستشار أمانة المدينةالمنورة بالسعودية, حيث يري أن المشكلة تعبر عن فساد حكومي بدأ منذ عهد حكومة د. عاطف عبيد حينما تم احلال الشركات الأجنبية كبديل لنظام جامعي القمامة دون مراعاة البعد الاجتماعي ودون متابعة أداء هذه الشركات الذي أدي لانهيار جهود النظافة بالكامل وتراكم القمامة بالحاويات التي أعاقت سير المرور. وعلي الرغم من تقصير الشركات الأجنبية نتيجة للتدليس والظلم اللذين شابا عقودها, فإن ما لم تدركه حكوماتنا هو أن هذه القمامة هي كنز لا يفني, وكان من الممكن أن تكون مصدر رزق للملايين كما يمكن أن تكون مصدرا لإنعاش الاقتصاد القومي لأننا نلقي ملايين الجنيهات في سلة المهملات كل يوم. ويركز الخبير المصري علي أهمية إلغاء نظام حاويات الشوارع التي أصبحت مصدرا للتلوث بالمدن في ظل منظومة الفساد وانعدام الصيانة الدورية والغسيل اليومي والتعقيم لتلك الحاويات وهو ما تم تطبيقه بنجاح في المدينةالمنورة. ويضيف, أن تطبيق منظومة الإدارة المتكاملة للنفايات يتحقق بتطبيق نظام لجمع ونقل النفايات بعد تطوير أداء جامعي القمامة التقليديين, علي أن يتم الجمع من المنازل مباشرة وتطبيق نظام متكامل من المنبع للتخلص منها بطريقة التدوير في المدن الجديدة مع تطبيق برامج للفرز إلي مخلفات عضوية وغير عضوية وانشاء مرافق آمنة للنفايات المتبقية في الظهير الصحراوي. وشدد علي أن المنظومة المتكاملة لإدارة النفايات يجب أن تتم وفقا للمعايير الدولية التي تهدف للوصول بالمخلفات إلي الصفرZero-waste لمشكلة البوتاجاز وبعيدا عن مشكلات أنبوبة البوتاجاز التي يتقاتل من أجلها الأهالي في كل بر مصر فإن القمامة المنزلية يمكن أن توفر الغاز اللازم لكل بيت بواسطة مفاعلات حيوية لانتاج الغاز يمكن توزيعها علي المواطنين في المناطق الشعبية بحيث يتمكن كل بيت من الحصول علي طاقته من قمامته وهي الطريقة التي تطبق بنجاح في دول أخري كثيرة مثل الصين والهند وتركيا. ولا يقتصر الأمر علي ذلك ولكن من الممكن تطبيق المنظومة العلمية المتكاملة لمعالجة النفايات بتكنولوجيات تتناسب مع البعد الاقتصادي الاجتماعي لمصر لتعظيم المكاسب المالية وفي مقدمتها تقنية انتاج السماد العضوي عالي الجودة ويعتمد بشكل أساسي علي النفايات النباتية ونفايات المسالخ وغيرها كما يمكن انتاج أعلاف ومركزات غذائية وغيرها اعتمادا علي النفايات الزراعية ونفايات الصناعات الغذائية كما يمكن أيضا انتاج الطاقة بالحرق الآمن من خلال انتاج الطاقة المباشرة بإنشاء أفران التجفيف الشمسية واستخدام النفايات الجافة غير البلاستيكية أو الخطرة كوقود لمحارق آمنة لإنتاج الطاقة غير المباشرة باستخدام المفاعلات الحيوية المتطورة. وفي مسلسل الملايين الضائعة بسبب حرق القمامة وعدم الاستفادة بها يتحدث المهندس أحمد جلال مدير الاتحاد العربي للصناعات الورقية قائلا اننا نرتكب جريمة كبري نتيجة عدم استثمار النفايات فهناك صناعات ضخمة تعتمد علي اعادة تدوير المخلفات الورقية لانتاج منتجات جديدة مثل ورق الكارتون كما نحتاج إلي جذب المستثمرين ومؤسسات التمويل للتوسع في انتاج الورق من مصاصة القصب إلا أن مفارقات كثيرة تفرض نفسها علي المشهد العام من بينها قيام بعض المصدرين بتصدير المخلفات الصلبة الناتجة عن القمامة في مصر مثل علب المشروبات المعدنية والزجاج والبلاستيك وتصديرها لدول مثل الصين واعادة استيرادها مرة أخري في صورة منتجات صناعية!! ويصف أحمد جلال الاستثمار في القمامة بأنه استثمار في الذهب نظرا لارتفاع قيمتها المضافة عند اعادة تدويرها مشيرا إلي أن الأجهزة المسئولة رفضت عرضا تقدمت به احدي الشركات التركية للدخول في مشروع مشترك مع مصر لإعادة تصنيع كل مخلفات القمامة في مصر وفقا لنوعياتها المختلفة ولكنها للأسف لم تتلق رأيا من الأجهزة المسئولة. ويؤيد أحمد جلال والذي يرأس أيضا الجمعية المصرية للاستثمار والأعمال ما طرحه الدكتور صلاح عزب من ضرورة البدء بإنشاء مركز علمي متقدم لإدارة وتكنولوجيا النفايات لأن هذه المشكلة مثل غيرها من المشكلات الأخري الحيوية لن تحل إلا بترسيخ العلم التطبيقي وتشجيع العلماء وتجميعهم في مراكز بحثية للخروج بحلول عملية واجبة التطبيق. وإذا كان الخبراء يستنكرون عدم وجود منظومة لإعادة تصنيع القمامة أو الاستفادة منها فإن المواطنين يشعرون بالخديعة الكبري التي يتعرضون لها حيث تحصل الحكومة علي رسوم عالية نظير النظافة دون انجاز هذه المهمة بسبب خصخصة أعمال جمع القمامة في عقود مشبوهة وامتنع الكثيرون عن سداد الرسوم في المناطق الشعبية. وقد قام أحد المحامين بتوجيه انذار لرئيس مجلس الوزراء ووزير الكهرباء لوقف تحصيل رسوم النظافة علي فاتورة الكهرباء التي اعتبرها وسيلة ضغط علي المواطنين بسداد رسم لا يقابله تقديم أي خدمة بما يخالف الدستور والاعلان الدستوري!! والمثير للدهشة أن الحكومة تواصل تحصيل الرسوم رغم صدور حكم من المحكمة الادارية العليا بوقف تحصيل هذه الرسوم لانطوائه علي الازدواجية في فرض الرسوم مما يخالف القانون!!