من لم يزر القرية المصرية ولم يسمع أو يشاهد مفردات هذه القرية، ويقرأ رواية الفنان التشكيلى حسين نوح «تعاريج» سيقع لا محالة فى أسرها، وقد يأخذه الفضول لأن يسافر مترجلا إليها، فنوح لم يصفها بكلمات، بل رسم مفردات الحياة البسيطة بكل حب كان، وكأنه يمسك بفرشاة الرواية التى تقع فى 304 صفحات من القطع المتوسط، رحلة لا أظن أن نوح وهو يكتبها كان مستمتعا، بل كان حزينا لأنه يرسم صورا معظمها لم يعد موجود، صور القرية التى غربل منها الزمن كل ما هو جميل ولم يبق فيها سوى بقايا أطلال تستجدى لزائرها نوعا من "نوستالجيا" للماضى، لم تعد تلك الحكايات عن الجرن والنورج والفرن البلدى وسطوح البيت وشواشى الذرة وهى تتحرك يمينا وشمالا وهو ما وصفه "بدلع" الكاتب العاشق لشخصياته فى فصل بعنوان "بديعة" التى تزوجها عبد الدايم وهو يكبرها سنا، وهنا يتغزل الكاتب فى محاسنها وكأنه يرى فيها ملكة جمال ومن وصف للكحل والنهود والدلال وغيرها من مفردات الجمال فى بنت الريف، أما الرواية فهى منذ أن تبدأ فى قراءتها قد تتعرف على خطوط الطول والعرض التى يريد الكاتب أن يمرح فيها ويتبختر بفرشاته راسما حكايات عن الأرض المصرية من خلال بطل الحكاية ماهر، وهو العمود الفقرى للحكاية وهو من سنرى من خلاله تحولات المجتمع المصرى منذ هزيمة يونيو 67 وحتى 2011 وكيف أن كل شىء فى حياة الفلاح انقلب رأسا على عقب، مع أن الهدف هو القرية وما حدث لها إلا أن الكاتب أراد أن يكشف من خلال شخصية ماهر عن من لفظتهم هذه القرية ولفظهم الوطن لأنهم لم تحتضنهم الأرض ولم تحبهم . يذكر المؤلف حسين نوح وهو أحد أهم الفنانين التشكيليين فى مصر والمبدعين عاش وتربى فى حياة فنية، فهو شقيق الموسيقار الفنان الراحل محمد نوح وأقام معارض عديدية وله إنتاجات فى مجالات فنية كثيرة. الكتاب : تعاريج المؤلف : حسين نوح الناشر : دار الشروق 2015