رأيت حفيدى يوم الثلاثاء الماضي، 29 ذى الحجة الموافق 13 أكتوبر، متوترا على غير عادته المبتسمة بعد انتهاء يومه الدراسى. ولما سألته عن السبب، أفادنى أنه من المقرر أن يكون فى الامتحان غدا الأربعاء ولكن لم تستطع مدرسته حسم الموضوع. المدرسة مركز القرار بالنسبة له ولزملائه لا تعرف إذا كان هناك إجازة رسمية أم لا. وكان الصبى حائرا، لا يعرف إذا كان عليه الخروج وقضاء وقت مع أصدقائه أم يبقى سجين غرفته استعدادا للامتحان. للتخفيف عليه قصصت عليه مضمون حديث تليفونى قصير مع زميل سويسرى من جنيف يوم الثلاثاء نفسه، يود الزميل تنظيم مكالمة تليفونية جماعية لإعداد ندوة مستديرة، واقترح اليوم التالى، أى الأربعاء 14 أكتوبر ولما ترددت سألنى عن السبب، فأفهمته أنى لا أعرف إذا كان اليوم التالى يوم عمل أم لا. وللوهلة الأولى اعتقد أنى لا أود إجراء المكالمة لسبب ما، ولما أفهمته أن الموضوع غاية فى الجدية وأنى لا أعرف إذا كنت سأذهب فعلا لمحاضرتى ثم الولوج إلى مكتبى أم لا، لم يفهم أن أكون فى حالة عدم اليقين هذا حتى الساعات الأخيرة، بينما الزملاء يخططون قبلها بأسابيع إن لم يكن شهورا، أفهمته أننا فى هذه الحالة لا نحل ولا نعقد بل نعتمد اعتمادا كاملا على القمر: أجازة يوم الأربعاء أم الخميس، لا أعتقد أنه فهم حديثى جديا وربما شعر بأنى أسخر منه! ولحسم الموضوع بينى وبين نفسى للخروج من حيرة تنظيم يوم الغد، قمت ببعض الأبحاث عن السنة الهجرية وبدايتها الحقيقية. مثل غالبية المسلمين، كنت أعتقد أن بداية السنة الهجرية ترتبط بتاريخ هجرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) من مكة إلى المدينة، ولكنى علمت أن هذه الهجرة هى فى الواقع فى ربيع الأول، أى قبل احتفالنا ببداية السنة الهجرية بحوالى عشرة أشهر هجرية ، وأن قرار تأريخ السنة الهجرية هذا لم يأت من الرسول (صلى الله عليه وسلم) بل من الخليفة عمر بن الخطاب. بل علمت أيضا أن السعودية مهد الإسلام وقبلة المصلين لا تعطى إجازة رسمية لبداية السنة الهجرية فى غرة شهر محرم، أى غداة نهاية الحج إلى بيت الله الحرام. إذا كانت معلوماتى هذه غير دقيقة فليتم على الفور تصحيحها.. أما إذا كانت صحيحة فعلا، فالسؤال المهم إذن، لماذا وضعنا أنفسنا فى هذه الحيرة وعدم اليقين حتى ساعات قليلة جدا من يوم الإجازة الرسمية من عدمه؟ من يقرر هذا الأمر؟ وما هو المنطق فى كل هذا فى وقت نحن فيه جزء لا يتجزأ من عالم معولم ببنوكه وأعماله وشبكاته الالكترونية وسرعة التنسيق والحسم فى آن واحد؟ هل أصبحنا فعلا خارج زقاق التاريخ، ونتوهم أننا نعمل بمفردنا فى حين أننا ليست فقط جزءا من هذا العالم بل نعتمد عليه؟ هذه هى الدلالة الأهم لحيرة حفيدى وكذلك الانطباع الذى استخلصه زميلى السويسرى: عدم القدرة على التنظيم والتخطيط حتى اللحظات الأخيرة، ليس فقط على المستوى الفردى ولكن الجماعى والمجتمعى. الحديث مع الكثير من الأصدقاء وبعض المتخصصين يؤكد أن فوضى قرار اجازة رأس السنة الهجرية ليس بالمرة حالة استثنائية، بل يتكرر على مستويات عدة داخل العديد من الأجهزة الحكومية، والأسباب تعود إلى سوء تقدير وارتجال وفى بعض الأحيان إلى اهمال وعدم مبالاة، والنتيجة هو عدم مصداقية الأجهزة الحكومية، وقد يتطرق الأمر إلى الانتقاص من شرعية الحكم نفسه ومقبوليته، أى أن حالة الحيرة وعدم اليقين أخطر كثيرا مما يتصوره بعض متخذى القرار والذين يتصورون أنه قرار محلى ولا فرق فى هذه الاجازة الرسمية بين يوم الأربعاء ويوم الخميس. إذا لم يكن هناك قدسية محسومة ليوم محدد فى هذه الاجازة الرسمية، فلماذا لا نقرر مقدما أنها ستكون من البداية يوما معروفا، سواء تصادف أن يكون هذا اليوم الأول من شهر محرم كما هو المطلوب أو الثانى من هذا الشهر إذا تعدلت وتغيرت الأحوال الفلكية. هل هذا ممكن؟ وما هى الجهة المنوط بها اتخاذ هذا القرار: الأزهر الشريف أم وزارة التنمية المحلية...؟ المهم هو وضع حد لحالة الحيرة وعدم اليقين حتى اللحظات الأخيرة فى دولة تقول إنها تعيش فى القرن الحادى والعشرين وتستعد لدعم الحكومة الالكترونية. لمزيد من مقالات د.بهجت قرني