يعيش شعب مصر أزهى أيامه الآن واحتفالاته بأكبر انتصار فى تاريخ العسكرية المصرية فى السادس من أكتوبر1973 بعد صدور قرار عبور القوات المسلحة قناة السويس وتحطيم خط بارليف الحصين على الضفة الشرقية ورفع العلم المصرى خفاقاً على أرض سيناء الطاهرة وخروج الشعب المصرى فى هذا اليوم عن بكرة أبيه رجالاً ونساءً شيوخاً وشباباً وأطفالا فى الشوارع والميادين والمدن والقرى والنجوع وفى الحدائق العامة وأسطح المنازل يهتفون بالجيش المصرى ورجاله البواسل الذين غسلوا عار هزيمة 1967 واستردوا كرامة الشعب المصرى والعربى بهذا النصر الكبير .. وأذكر هذا اليوم رائد الإعلام المصرى وأبو الإعلاميين المصريين د.محمد عبد القادر حاتم الذى أصدر قراره للإذاعة والتليفزيون بفتح استوديوهاتهما لتسجيل أغانى وأناشيد النصر فى هذا اليوم والذين تجمعوا شعراءً وأدباء وكتابا ومثقفين أمام مبنى ماسبيرو يطلبون دخول المبنى لتسجيل أعمالهم والتعبير عن فرحتهم بهذا النصر وأذكر للدكتور عبد القادر حاتم الذى تولى مسئولية وزارة الإعلام عام 1971 وقبل انتصار أكتوبر بعامين كان الهدف الأساسى أن يبعث برسائل وتسريبات إلى الصهاينة مفادها أن الحرب مؤجلة وأن مصر بعد هزيمة 1967 أصبحت جثة هامدة وغير قادرة على الحرب وأن المظاهرات الصاخبة للشباب وسكوت القيادة السياسية عليها تعنى أن مصر غير قادرة على الحرب وهو الطعم الذى ابتلعته اسرائيل من خلال خطة الخداع الاستراتيجى التى رسمها الدكتور حاتم والتى شهد لها العالم وقامت الحرب فجأة دون أن تدرى إسرائيل بعظمة الجيش المصرى وقدرته على تحقيق أكبر انتصار فى تاريخه الحديث. ....................... وأذكر أن الشعراء والملحنين الذين تجمعوا أمام مبنى ماسبيرو وسمح لهم رئيس الإذاعة محمد محمود شعبان (بابا شارو) بدخول الإذاعة وتسجيل أعمالهم الإبداعية فى ستوديو46 وقد علم بهذا الخبر الموسيقار الكبير على إسماعيل فى السابعة مساء نفس اليوم من خلال زوجته الشاعرة الراحلة نبيلة قنديل عندما سمعت هتافات «الله أكبر» فى الشوارع وسألت عن السبب فقيل لها من جيرانها أننا عبرنا القنال وحققنا النصر فأسرعت إلى غرفة زوجها لتبلغه بهذا الخبر واستمعاً معاً إلى بيان العبور من الإذاعة وقال لها لابد من الإسراع إلى الإذاعة لمعرفة ما يطلب منا من أعمال للمشاركة فى فرحة الشعب بهذا النصر، فذكرته بأن الأغنية التى سجلها لأحد الأفلام السينمائية تعبر تعبيرا صادقاً عن ملحمة العبور التى حققها الجيش المصرى فما كان منه ألا ان يفتح حقيبته وأخرج شريط التسجيل عن هذه الأغنية وذهب هو وزوجته معاً إلى الإذاعة وبمجرد دخوله قيل له إن بليغ حمدى والفنانة وردة والشاعر عبدالرحيم منصور موجودون فى ستوديو46 لتسجيل أغنيتهم عن أكتوبر فسأل عن المسئول عن التسجيل فقيل له أنه صديقه الإعلامى وجدى الحكيم فأسرع إليه وأبلغه أن لديه أغنية جاهزة وتصلح لهذه المناسبة وفضل المشاركة بها فى نصر أكتوبر عن عرضها فى الفيلم فما كان من وجدى الحكيم إلا أن ينزل به إلى الطابق الرابع ومعه الشاعرة التى ألفت الأغنية وطلبوا من مهندس الصوت الاستماع إلى الأغنية التى أشاد بها الحاضرون وأجمعوا على أنها كأنها مكتوبة لانتصار أكتوبر، خاصة مطلعها الذى تغنيه المجموعة ويقول: رايحين رايحين .. شايلين فى إيدنا سلاح .. راجعين راجعين .. رافعين رايات النصر .. سالمين سالمين .. حالفين بعهد الله .. نادرين نادرين .. واهبين حياتنا لمصر» فما كان من الموسيقار على إسماعيل ملحن الأغنية إلى أن يطلب من مهندس الصوت تدوير الجزء الثانى من الأغنية الذى أعجب الحاضرين أيضاً ويقول: «باسمك يا بلدى .. حلفنا يا بلدى .. جيشك وشعبك .. يرد التحدى .. أرضك وزرعك ..شمسك وقمرك .. بدمى أفادى أصد الأعادى .. وافدى بروحى .. عيونك يا مصر» فما كان من الحاضرين إلا أن يصفقوا للشاعرة نبيلة قنديل عن هذا الكلام الجميل الذى يعبر تعبيرا صادقاً عن زحف الجيش المصرى وتحقيق النصر. وأذكر أن الثلاثة بعد سماع هذه الأغنية ذهبوا معاً إلى رئيس الإذاعة فى الطابق الخامس محمد محمود شعبان فقالوا له عندنا مفاجأة نحب أن نستمع إليها فرحب بهم وطلب منهم الجلوس ووضع الشريط على الجهاز واستمع إلى الأغنية وانبهر بها وأشاد بها وطلب من أحد المسئولين عن التنسيق أخذ الشريط من الفنان على إسماعيل وزوجته نبيلة قنديل لطبع نسخة من هذا التسجيل وإذاعتها على الشبكات الإذاعية فى اليوم الثانى للنصر 7أكتوبر والتى حققت نجاحاً كاسحاً ومدوياً خاصة أنها مسجلة بصوت المجاميع التى أدتها باقتدار وبروح حماسية وكأنهم جنود فى قلب المعركة وخرجوا من مكتب رئيس الإذاعة شاكرين له لمنحهم هذه الفرصة للمشاركة بهذا العمل فى هذا النصر ولا ننسى أن الموسيقار على إسماعيل وزوجته قبل أن يغادروا مكتب رئيس الإذاعة طلبا من وجدى الحكيم أن يذهبا إلى ستوديو46 ليستمعا إلى أغنية الفنانة وردة التى سبقتهما إلى التسجيل فرحب بهما الموسيقار بليغ حمدى وحضرا معاً بروفة الفنانة وردة «أنا على الربابة باغنى» ولم يتركا الأستوديو إلا بعد انتهاء بروفة الأغنية وتسجيلها وتهنئتهما بهذا العمل الجميل وقالت لهما الفنانة وردة فى انتظار أن تستمع إلى أغنيتهما «راجعين رافعين رايات النصر» التى ستذاع فى اليوم الثانى وتهنئتهما مسبقاً بهذا العمل الوطنى الجميل، وأذكر أن على إسماعيل ونبيلة قنديل بعد تسجيل الأغنية فى الإذاعة توجها إلى مسئول إلى التليفزيون ليطلبا منه اختيار مخرج لتصوير الأغنية على الطبيعة أثناء عمليات عبور قواتنا المسلحة قناة السويس ورفع العلم على أرض سيناء حيث أبدع المخرج فى أخذ لقطات على الطبيعة لهؤلاء الجنود البواسل وكانت بالفعل موفقة وأشاد بها النقاد وحققت أغنية «راجعين رافعين رايات النصر» نجاحاً باهراً وأصبحت نشيد الصباح الذى يغنيه التلاميذ والطلبة والطالبات فى كثير من المدارس على مستوى الجمهورية. ......................... وأعود للرائد الكبير الدكتور محمد عبد القادر حاتم وزير الإعلام فى ذلك الوقت وصانع الإعلام المصرى الذى كان لقراره إتاحة الفرصة للشعراء والملحنين والمطربين لتسجيل أعمالهم فى هذه المناسبة توافد كل مشاهير المطربين والمطربات وكبار الملحنين الذين ظلوا يتسابقون على مبنى ماسبيرو طوال شهر أكتوبر 1973 لتسجيل أعمالهم التى عبرت عن هذا النصر وأصبحت تذاع فى جميع المناسبات الوطنية واستفاد بها الإذاعة والتليفزيون فى مناسبة ثورتى 25يناير و30يونيو وكانت بالفعل وكأنها كتبت لهذه المناسبات خصيصاً رغم أنها سجلت بمناسبة انتصار أكتوبر1973 وهكذا كان هذا الجيل العظيم من الشعراء والملحنين والمطربين يدقق فى اختيار الكلمة الوطنية واللحن الجيد الذى يغرس جذور الانتماء والوفاء والولاء للوطن فى نفوس المستمعين والمشاهدين خاصة أجيال الشباب الذين أصبح الوطن كل همهم وأمنيتهم فى الحياة، وتتعلمه الأجيال جيلا بعد جيل من أجل أن تبقى مصر عظيمة ورائدة كما كانت فى الماضى وعلمت الإنسانية معنى الحرية والديمقراطية ونقلت عنها كل دول العالم أنها أول دولة صنعت أعظم وحدة وطنية عرفها التاريخ.