احتجاجات عيد الفصح في بروكلين ترفع شعار "أوقفوا تسليح إسرائيل" (صور)    أمريكا تضغط على إسرائيل على خلفية مزاعم بشأن قبور جماعية في مستشفيين بقطاع غزة    إيران وروسيا توقعان مذكرة تفاهم أمنية    الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني يعلن الترشح لفترة رئاسية ثانية    بعثة الزمالك تسافر إلى غانا اليوم على متن طائرة خاصة استعدادًا لمباراة دريمز    فرج عامر يكشف كواليس «قرصة ودن» لاعبي سموحة قبل مباراة البلدية    عاجل.. أسطورة ليفربول ينتقد صلاح ويفجر مفاجأة حول مستقبله    بعد إعلان الرئيس السيسي عنها.. ماذا تعرف عن البطولة العربية العسكرية للفروسية؟    «أتربة عالقة ورياح».. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم وتكشف أماكن سقوط الأمطار    حريق هائل يلتهم مخزن أجهزة كهربائية في المنيا (صور)    صندوق التنمية الحضرية يعلن بيع 27 محلا تجاريا في مزاد علني    تخصيص 100 فدان في جنوب سيناء لإنشاء فرع جديد لجامعة السويس.. تفاصيل    أحمد موسى: مطار العريش أصبح قبلة للعالم وجاهز لاستقبال جميع الوفود    تحظى ب«احترام غير مبرر».. اتهام مباشر لواشنطن بالتغاضي عن انتهاكات إسرائيل    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير.. أسعار الذهب اليوم الخميس 25 إبريل 2024 بالصاغة    الليلة.. أدهم سليمان يُحيي حفل جديد بساقية الصاوي    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    حصول 5 وحدات طب أسرة جديدة على اعتماد «GAHAR» (تفاصيل)    رئيس قسم الطب النفسي بجامعة الأزهر: تخصصنا يحافظ على الشخص في وضعه الطبيعي    رئيس «الطب النفسي» بجامعة الإسكندرية: المريض يضع شروطا قبل بدء العلاج    بعد نوى البلح.. توجهات أمريكية لإنتاج القهوة من بذور الجوافة    "منافسات أوروبية".. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    كرة السلة، ترتيب مجموعة الأهلي في تصفيات ال bal 4    محافظ شمال سيناء: منظومة الطرق في الشيخ زويد تشهد طفرة حقيقية    الاحتلال يعتقل فلسطينيًا من بيت فوريك ويقتحم بيت دجن    تيك توك تتعهد بالطعن في قانون أمريكي يُهدد بحظرها    بعد اختناق أطفال بحمام السباحة.. التحفظ على 4 مسؤولين بنادي الترسانة    "مربوط بحبل في جنش المروحة".. عامل ينهي حياته في منطقة أوسيم    الهلال الأحمر: تم الحفاظ على الميزانية الخاصة للطائرات التى تقل المساعدات لغزة    ريهام عبد الغفور عن والدها الراحل: وعدته أكون موجودة في تكريمه ونفذت    30 صورة وفيديو من حفل زفاف سلمى ابنة بدرية طلبة بحضور نجوم الفن    مش بيصرف عليه ورفض يعالجه.. محامي طليقة مطرب مهرجانات شهير يكشف مفاجأة    توجيهات الرئيس.. محافظ شمال سيناء: أولوية الإقامة في رفح الجديدة لأهالي المدينة    كيف أعرف من يحسدني؟.. الحاسد له 3 علامات وعليه 5 عقوبات دنيوية    دعاء في جوف الليل: اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور واهدنا سواء السبيل    محافظ شمال سيناء: الانتهاء من صرف التعويضات لأهالي الشيخ زويد بنسبة 85%    التطبيق خلال ساعات.. طريقة تغيير الساعة على نظام التوقيت الصيفي (بعد إلغاء الشتوي)    منسق مبادرة مقاطعة الأسماك في بورسعيد: الحملة امتدت لمحافظات أخرى بعد نجاحها..فيديو    اسكواش - ثلاثي مصري جديد إلى نصف نهائي الجونة الدولية    ما موعد انتهاء مبادرة سيارات المصريين بالخارج؟.. وزيرة الهجرة تجيب    وزيرة التضامن: المدارس المجتمعية تمثل فرصة ثانية لاستكمال التعليم    رئيس تحرير «أكتوبر»: الإعلام أحد الأسلحة الهامة في الحروب    فريد زهران: نسعى لوضع الكتاب المصري في مكانة أفضل بكثير |فيديو    حظك اليوم برج الميزان الخميس 25-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    اختيارات النقاد.. بعد سيطرة الكوميديا ما هى الأفلام الأنسب لموسم العيد؟    ارتفاع الذهب اليوم الخميس.. تعرف على الأسعار بعد الزيادة    تأجيل بيع محطتي سيمنز .. البنوك الألمانية" أو أزمة الغاز الطبيعي وراء وقف الصفقة ؟    إصابة أم وأطفالها الثلاثة في انفجار أسطوانة غاز ب الدقهلية    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    ميدو: لاعبو الزمالك تسببوا في أزمة لمجلس الإدارة.. والجماهير لن ترحمهم    غادة البدوي: تحرير سيناء يمثل نموذجًا حقيقيًا للشجاعة والتضحية والتفاني في سبيل الوطن    من أرض الفيروز.. رسالة وزير العمل بمناسبة ذكرى تحرير سيناء    «زى النهارده».. عيد تحرير سيناء 25 إبريل 1982    الصحة تفحص مليون و413 ألف طالب ضمن المبادرة الرئاسية للكشف المبكر عن فيروس سى    مدير تعليم القاهرة: مراعاة مواعيد الامتحانات طبقا للتوقيت الصيفي    صور.. الطرق الصوفية تحتفل برجبية السيد البدوي بطنطا    بالفيديو.. أمين الفتوى: موجات الحر من تنفيس نار جهنم على الدنيا    10 توصيات لأول مؤتمر عن الذكاء الاصطناعي وانتهاك الملكية الفكرية لوزارة العدل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تراتيل عاشق لا يعرف النسيان
نشر في الأهرام اليومي يوم 09 - 10 - 2015

بين جنوني وعقلي توجد أرض خيالي التي لا يدخلها احد سواي ، ولها حارسة وحيدة ذات ضوء غير مرئي ؛ وهو الذي يهبني قدرة على التوهج ، وكلما خفت توهجي أعيد النظر في عينيها فتتجدد حيويتي ، لأرى ابتسامتها التي تؤكد لي أني الحارس لمصدر توهجها . وهكذا لم يحتج أي منا إلى الاعتراف بأن كلينا يستمد وجوده من طاقة عشق الآخر.
وحين أصمت ، تخرج موسيقى من ترنيم صوتها بالنداء الموجود في سورة يوسف « هيت لك» ، وهذا النداء قالته امرأة العزيز للحبيب يوسف حين دعته إلى الخطيئة فأنجاه الحق منها. أما نداء حبيبتي فشديد الاختلاف ، فالحبيبة لم تشعر من قبل وجودي بأن هناك في الدنيا رجل آخر سواي ، تماما كما أني فور رؤيتها آمنت أنه لم توجد أنوثة بمثل براءتها. ولذلك كانت أيامنا منذ ميلاد أي منا هي رحلة بحث عن الثاني . وكنت _ على سبيل المثال _ أرى بعيون المستقبل ظلي يعانق ظلها ، وهي من همست لي بعد أول لمسة بين يدينا «شعرت بلمستك هذه لحظة عانق ظلك ظلي». وبدت لمسة اليدين كأنها قارب يتحرك بنداء أي منا للآخر «هيت لك»، وليتجسد أمامنا صورة البيت الذي لم يتم بناؤه على سطح القمر .
..............
أفيق من الذي ليس هو صحو أو نوم لأجد نفسي أمام واقعي. أعيد طرق أبواب خيالي ، مناديا « هاأنا ذا ابني لك بيتاً يا كل خيالي واكتمالي وانكساري ، وها أنا ذا أسمع صوتك : هيت لك . هيت لك . هيت لك . وما إن أقربك حتى تفرين بعيداً خلف ما لا أدري من المسافات والبلاد . أسعى إليك ، ولكنك تختبئين في أعماقي . أناديك باسم السر الذي في أعماق كل سر . تظهرين خيالاً ، ويطل في بشرتك عطر ندي كموج البحر ، أمرق في الموج لأختطفك ، تذوبين في القاع . أقول لك : إني نزلت من صلب أبي إلى رحم أمي ، ومن رحم أمي إلى أيام عمري في عنت وعناء ، فأسمع همسك «هيت لك» . أصحبك إلى كهف الإنسان الأول . أعرض عليك عظام الأسود والثعالب التي قتلتها من أجلك ، تضحكين فأرى في قاع صوتك قصر امرأة العزيز وأسمع صوتك «هيت لك»؛ فأقول لك «لست أنا يوسف . صحيح أنهم ألقوني في الجب لكن من ألقوني ليسوا إخوتي . والتقطني عشقك من الجب لأكون هذا الذي أمامك . وليس لي إلا كلمة أكتبها وقلب يغني لك ، فتردين على دموعي وابتساماتي «هيت لك» . منذ فراقي عنك وفي قلبي صرخة واحدة هي «آآه» والصرخة لا تتحدد بزمن ، بل تستمر استمرار الزمن ، ولا يلحظها أحد سواي ولا يسمعها إلا أنا ، أسمعك تقولين ما قالته امرأة العزيز «هيت لك . هيت لك « ؛ فلا أفهم هل هذا يعني أن أحضانك مفتوحة لي ، أم أن صوتك فوهة نهايتي . لا أعرف هل سأذيبك في أحضاني أم أنك ستذيبيني في أحضانك . كل الذي أعرفه أن دمائي فور أن تتذكر لحظة الحب تدور في انتظام مختلف لركودها التقليدي ؛ فأحس بدبيب إعادة الميلاد والانسحاب من الواقع إلى واقع آخر . أودع أسنان النهار التي تنهش في لحمي ، لأخوض بحراً من الشوك لعلي أصل إلى ربيعك القديم والجديد ، أجدك في قاع الكهف القديم للإنسان الأول وأراك في البيت الصغير الذي لم يتم بناؤه على سطح القمر . وألقي ظلال نفسي فوق ظلال نفسك ، وتتداخل الظلال لتصير ظلاً واحداً . أبحر في لون العسل الصافي ؛ عينيك . أراني في الثانية عشر من عمري ، وأهتف بسقوط الملك فاروق ودون اعتراف مني تقرأين صفحات لمحة من أحلامي التي أعترف فيها أنني بيني وبين نفسي تمنيت أن تتراكم النساء حولي، وأن أرى رجالا يقسمون أني الأكثر جاذبية وقدرة. وتسحبني عيونك بعيداً عن وهج نجمة السينما التي أحببتها وهي صوفيا لورين فيأتيني صوتك : لن تكون فاسداً كفاروق فأنت الذي نطق صدق الإيمان بأنوثتي كدليل على دقة ما منحته لك السماء من جمال إمرأة تخصك وحدك وتخصها وحدها .
لكن لا أدري لماذا لم أصدقك . ورأيت الصدق والكذب ظلين موجودين في أعماقي ،وآمنت أن الإنسان باستطاعته استخراج الكذب من الصدق ، أو إستخراج الصدق من الكذب ، وأن يجعل الصدق قاربه الذي يحطم له صخور الواقع أو أن يجعل الكذب قاربه الذي يحرق به موج الساعات والدقائق . هاأنا قد جمعت صدقي كله في كفي، فامتلأ بمهر الشوق إليك فجئت تقولين»هيت لك . هيت لك» ؛ صوتك ابن لموسيقى لا تفرغ أبداً وآهاتي منذ الافتراق عنك لا تفرغ أبداً ، ما بين الآهة والموسيقى يدور العناق . تعرفين أنني مقسوم إلى اثنين ، رجل يدور في ساقية الليل والنهار من أجل إرواء مطالب أيامي ، وأمشي مستوحشا في برية النهار وصحراء الليل استرجع رحلة ميلادك ، هل أنت «أنا مانياني» في مرارة الأرز، أم تحية كاريوكا في شباب امرأة ، أم ريتا هيوارت في سالومي ، أم أفا جاردنر في ليلة السفلية . أم نادية لطفي في «الخطايا» أم سعاد حسني في «أميرة حبي أنا» ، أم أنت «كيداهم» ابنة المسحراتي التي تراءت لي بالغواية وفتحت لي في أحضانها بوابة سحر اكتشاف أنني رجل ؟ من أنت بالضبط ، قولي كلمة أخرى غير «هيت لك» فأنت تعرفين أن يوسف رأى بعد هذه الكلمة برهان الله ، فابتعد . وأنا الخائف من ذهابك ، والمشتاق لاحتضانك .
..............
وتنفضح الموسيقى بيني وبينك ، أرى في العيون أن دموعي صارت غمامة ، وأن السحابة تمطر قطرات من وعي الذين عاشوا معي ولم يعرفوا أني الضعيف الذي أغوته في مراهقته «كيداهم» ابنة المسحراتي الساكنة على سطح المنزل الذي تطل عليه نافذة حجرتي وكانت أنوثتها من طين ونار . عندما احتضنتني قالت لي : اهدأ . كان كل ما في وجودي يعيد ترتيب ذاته لأتعرف على نضجي، وتجمعت كلي بين ذراعيها، وكان لملمسها دفء رغيف النضج. أذكرها كبراءتي وجريمتي . فقد أكلنا لحم براءتي بكامل الدهشة وكل الدموع . لا أنسى قولها : لا تبك فأنا وأنت مكتوب علينا ماحدث. خرجت ثقيلاً من بين يديها ، ورأيت في عيونها حقيقة تقول أنها تختار من تشاء للغواية . وجلست على المقهى أمام بيتها في الحي الشعبي . لم أنم الليل خوفاً . ولم أنم النهار شوقاً ، وما بين الخوف والشوق كانت أوهامي تعيد ترتيبي ، إلى أن صرخت أمها في منزلنا ، طالبة إما الزواج من كيداهم أو الابتعاد ، لأن صاحب الفرن يريدها على سنة الله ورسوله . صرخت أمي في أم كيداهم « هل ستصرفون عليه ؟ إنه طالب بالعباسية الثانوية . فصرخت أم كيداهم : العباسية هي بيت المجانين ولن أزوج ابنتي لمجنون . لم تكن أم كيداهم تعلم أن هناك مدرسة ثانوية بإسم الخديوي عباس . وبعد أن خرجت أم كيداهم تساءلت أمي التركية العجوز : ما مصير أجدادك في قبورهم ؟ كيف تكون من سلالة السبكي وحفيد بني تغلب ، الا تعلم أنك من سلالة نقية تقية ، مليئة بأولياء الله الصالحين؟ فكيف تتصرف كأنك حيوان ؟ لم أرد على أمي لأني كنت أسمعك تقولين يا جميلتي في خيالي : قل لوالدتك أن نصفك ملاك ونصفك حيوان لأنك إنسان . فقلت لك في خيالي : لن أقول لأمي شيئاً لأنها تعرف أنني أعرف أن والدها كاد يفقد عيناً من عيونه في خناقة في ملهى الطاحونة الحمراء في باريس . وهي تعرف أنني سأسافر إلى باريس لأشهد انتصار وانكسار جدي في ميدان اللهو . وسألتقي بسارتر أستاذ الفلسفة وأسأله عن أسرار هذا الجد ، فيحكي لي مغامراتهما معا في ليالي و مقاهي باريس . ضحكت أنت يا حبيبتي وعدت إلى كلمتك الباقية «هيت لك . هيت لك» . فأقول لك « الملك في قلبي لك . الملك في أحضاني لك» . والشوق يعانق الشوك في قلبي .
وينفجر من الشوك والشوق موسيقى تحمل أنوثة سيعرضونها على عريس مقتدر ، ولا داعي أن يقولن أحد أن عصر الجواري قد انتهى ، لأن عصر الجواري قد أعيد تشكيله في مهور مرتفعة وشقق فارهة تقتل إرادة النساء ، وحلي من ماس وذهب مصقولة يلمع في بريقها أحزان الشباب وهو يودع من يحبها لتصير جارية بالمأذون أو بغيره . البيع والشراء لم يتوقف بالنسبة للمرأة ولا بالنسبة للرجل . هناك من يشتري عبداً يؤدي له عمله ، وهناك من يشتري امرأة للتمتع العاجل ، وأنصاف الفقراء لهم صورً متسربة عبر الإنترنت لتجارب تقوم بتخريب الروح . تسألينني يا ابنة عمري : لماذا تسافر هذه الصور عبر الفضاء؟. أقول : لأننا في عصر يخلط بين مهزلة عدم القدرة على إشباع الضروريات بنزيف من الخيالات ليدور ذلك وسط مهزلة الحديث عن حرية للجميع ، يحدث هذا في أمريكا ، روسيا ، فرنسا ، ألمانيا ، الرقيق يملأ أسواق الكون . نزيف من خيالات وجوع للضروريات . ألم تسمعي عن الطفل العربي الذي أعلن عن مكافأة تبلغ خمسين ألف دولار لمن يجد له كلبه اللولو الصغير ؟ بينما كان هناك طفل عربي آخر رفضت أسماك المتوسط أن تأكله بعد تخمتها من أجساد الغرقى الباحثين عن نجاة على أي شاطئ ؟
..............
لا أعرف إن كانت الجرائد تصل إليك أو أنك ترفضين قراءتها . تفعلين مثلي عندما يرهقني النهار ، ويخنقني الملل من الحوار المزدوج ، حواري لا ينتهي معك في أحضان خيالي وحوار مع الواقع المجنون الذي يمر أمامي ، أسمعك تسألينني عن أول قصة حب لامست قلبي قبل أن ألقاك . وقبل أن أجيبك أنت تعلمين أني أقدس مؤسس علم الاجتماع ابن خلدون لأنه ناقش حق الإنسان في أن ينظم حياته وأن يبتعد عن الكذب ، وعرف أن اشتغال أهل الرأي بالتجارة مفسدة ، وعرف أن الحق يجب أن يبتعد عن التزوير ، وصرخ في العرب : أن كونوا أنفسكم فلا تتحولوا إلى لاجئين على أرضكم ، لكنهم سمعوه وضحكوا منه ساخرين .
أما عن التي لامست قلبي قبل أن يتشكل على هيئتك ، فقد حدث أن جاءت أمي لتقول لي أن قريبة لها ستنزل ضيفة في منزلنا ليتم زفافها إلى عريسها . واستأذنتني أمي في غرفتي لتقيم فيها العروس. أخذت مقدمة ابن خلدون إلى المقهى الذي يطل على منزل كيداهم ،فما إن رأت كيداهم الكتاب الضخم في يدي حتى ظنت أنه كتاب سحر وأنني سأحولها إلى فأرة ، فهربت مني . وعدت حزيناً إلى منزلي لأفتح غرفتي لأجد الفتاة التي اقترضوا حجرتي من أجلها ؛ ورأيت نورا يطل منها واضحاً فاشتعلت النار داخلي . حاولت أن أخلع عيوني من المشهد لكن عيوني لم تطعني . عرفت لماذا تحرم السماء النظرة ؛ إن طالت ، لأن النظرة بدلاً من أن تسيطر عليها تسيطر عليك ، عيناها في عيني ، حملنا قارب العشق في نهر مياهه من دموع وأمواجه من ضحك . وتراصت أفكار الفلاسفة حولنا كملائكة تغني للحب المقتول . عرفت أني سأهرب من تمارين الميكانيكا وحساب المثلثات كطالب في الثانوية العامة وسأرحل مع أفكار الفلاسفة أطلب تغيير العالم بدلاً من التخصص في علم الكيمياء كما وعدت أبي قبل أن يموت . قلت لأبي في خيالي : الرياضيات صعبة والشعر أجمل ومعه الموسيقى . قال أبي : لو تعمقت في قلب الشعر ستجد الموسيقى ، ولو تعمقت في قلب الموسيقى ستجد الرياضيات ، ألم تعلم أن فلاسفة العرب هم أول من اكتشفوا ذلك ؟. قلت لأبي : أعلم أن كثيرا من العرب هذه الأيام يبذلون الوقت والجهد ليكتشف واالفارق بين المرسيدس الألمانية وسيارة اليابان الأولى التويوتا ، ويستوردون عمالاً من الفلبين وأندونيسيا من أجل إذابة أيامهم في كأس المتعة ، ويبقى آخر النهار قدرة هائلة من الثرثرة فيما لا يفيد .
..............
الثرثرة فيما لا يفيد قد تعني قليلا من الانتباه ؛ والانتباه قد يعني إغضاب ماما أمريكا ، وماما أمريكا تقوم بتذويب كثير من بلدان الشرق الأوسط في بوتقة الإستنزاف، فبعد أن قامت بصهر بغداد؛ هاهي تحاول صهر دمشق ، ولم تترك طائرتها معمر القذافي إلا بعد أن قطعه شباب من أبناء بلدته قطعا متناثرة . وتبدو بعضا من بلدان منطقتنا تزدحم شماتة فيما يجري لبعضنا ، متناسين أن دورهم قادم إن لم ينتبهوا، ولا مفر أمام بعضهم سوى الهرب من كل ذلك بالثرثرة فيما لا يفيد ، واكتشاف حقيقة واضحة أن رجولة الرجل تحتاج إلى غياب ، وأنوثة المرأة تبدو ناعمة الملمس ، خشنة الروح . الحركة غليظة ، والواقع سميك ، ومجموعي في الثانوية العامة لم يدخلني كلية الهندسة لأرقب حركة البناء والهدم ، أدخلني دراسة الأفكار الأساسية التي تحكم العالم ، رأيت كل فكرة وأصحابها يتصرفون كالثيران ، مهمتهم أن ينطح بعضهم بعضاً . وعندما شكوت لدكتور سبوك خبير تربية الأطفال والمراهقين ، وجدته خائفاً على باب غرفة الولادة حيث كانت زوجته ترقد لتضع طفلها الأول . سألت أكبر خبير معاصر في التربية عن مصيري لأني درست الأفكار المعاصرة ولم أدرس الهندسة ، فقال مسرعاً «الذين ينغمسون في التجارب المكتملة أثناء مراهقتهم لن يستطيعوا الكد والتعب في مجالات الرياضيات الحديثة ، الميكانيكا وحساب المثلثات . وأنت قد خضت التجربة مع كيداهم و لم تبرح أحزانك عندما أتموا زواج القريبة إلى العريس المقتدر. سألت د. سبوك : لماذا تقف متجمداً من الرعب على باب غرفة الولادة وأنت تنتظر طفلك الأول ؟. أجابني بصوت خافت خجول : تعلم أن العلماء بشر ، لهم ضعفهم ، وكنت أشتهي في مراهقتي نساء الجيران ، وقالت لي أمي : أن من يشهي زوجة جاره ينجب أطفالاً مشوهين . قلت لدكتور سبوك : فيما يبدو أن أمك طلبت لك رفعة في الخلق ولو بالكذب فهي لم تسمع كلمة الشاعر صلاح عبد الصبور لي : الكلمة تخرج من فم صاحبها لتعود له بعد ذلك لتحاسبه . حاسبوا على كلماتكم قبل أن تنطقوها .
..............
لم أحاسب على كلمتي التي خرجت رغم أنفي عندما رأيتك . قلت لك أحبك ، فقال كل كيانك «هيت لك . هيت لك» . لم أنكر أمامك أنني بك عرفت طعم البراءة والنضج . خفت أن احتضنك دون مأذون حتى لا أسبب لك أو لي ذلك الإحساس بطعم الحزن في نهاية التجربة . كل من درسوا علم اللقاء بين الرجل والمرأة ، يعرفون أن الرجل لا تكتمل رجولته إلا بإعلان زواجه ممن يحبها ، وكل امرأة لا تكتمل أنوثتها إلا بإعلان الزواج ممن تحبه . قد لا يعجب البعض هذا القول ، قد يقول البعض أن هذا لون من تقديس التقليد الديني . قد يرفض من أدمنوا سرقة اللذة ذلك لكنهم يعانون من خيوط الملح الحارق الذي يسري في الجسد بعد اللذة المسروقة ، وهناك شبكة من عسل تلون الدنيا بألوان قوس قزح في اللذة غير المسروقة . لكن قنابل يونية 1967 سقطت على الحب غير المسروق والحب المسروق وخنقت الكبرياء الخاصة لكل من يحيا ، وتساوت المعاني والأشياء ، حتى أن نجيب محفوظ قال لي في حوار يضم عشرة أسئلة في السياسة وسؤالا واحدا في الحب . «ممارسة الحب تحتاج إلى غياب الوعي» .
..............
أن تخلع من قلبك امرأة هي موجز عمرك فذلك أصعب من القتل . وحاولت أن أخلع من أحبها قلبي ، فانخلع قلبي وبقيت كالخواء . والخواء يبحث عن الامتلاء . الملم أشلاء قلبي لأرى ظلك وكأنه حنان أمي . ولم أسمح بالسؤال الصعب عن الحياة بدونك ؛ فأنا الخائف منك على ضعفي وخائف أكثر من الكائن المتوحش في أعماقي . تقول لي : لا أفهم . فأقول : الحب في قمة إكتماله هو أن أقوم برعايتك وتقومين برعايتي . ونحن لم نفعل ذلك ، ولهذا صار ضلالي يطلبني . قالت : أنا لا أفهم . قلت : وما الداعي لأن تفهمي ؟ .
وأدور في ساقية النهار والليل ، تولدين أمامي كخيال ثم تتجسدين كواقع . أسمع صوتك «هيت لك.. هيت لك». توجزين كل النساء ويصير الشوق إليك عواصفً ، ويمر خلال كلماتك نسيم من عطور . تحرسين شعلة الضوء في أعماقي . تتجمع فيك أمومة هاجر على وليدها إسماعيل ، فتنفجر زمزم تحت قدمي الوليد . تخطو أقدامك على عرش قلبي كخطوات بلقيس على أرض عرش سليمان الملك ، فأشاهد نور بشرتك . وتشد زليخة قميص يوسف فأرى النور في صدرها ، وتعود حواء كضلع في صدر آدم ، ويتكرر مشهد الخلق الأول فأشهد بأن الله خلق الدنيا ، وأنك كل الدنيا وكل جزاء الآخرة ، فمعك تكون الجنة أمامي بقطوفها الدانية . فيك اكتمالي وانكساري . وهمسك يذيبني ليولدني «هيت لك .. هيت لك» وبرهان ربي في قلبي هو عشقك ، وآهة تخبئ نفسها تحت كلماتي شوقاً لك فأنت ظلال أعماقي ، كل الظلال من كهف الإنسان الأول إلى البيت الذي لم يتم بناؤه بعد على سطح القمر . أدخل بظلي إلى ظلك ، يتعانق الظلان ليكونا ظلاً واحداً ، فتعزف كلماتك مع آهاتي «هيت لك . هيت لك» . الاكتمال هنا والانكسار هنا . والظل والوجد يجعلان حياتي سيراً مستوحشاً في برية الليل والنهار ما بين «هيت لك» وآهة قلبي عناق وافتراق .
..............
وما تقدم هو محاولة لبلورة ما حدث لعاقل يخفي جنونه عن كل من حوله . فالجنون حق والعقل ليس إلا قناعا للحق .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.