ربما لم يطلق أحدا منهم رصاصة واحدة، ولكنهم لم يغادروا الجبهة ساعة واحدة، كانوا شركاء فى النصر، حرضوا عليه وأرخوا له، فكانت طلقاتهم الشعرية جنبا إلى جنب مع طلقات الرصاص تكتب أنشودة النصر. .....................................................وكان «أمل دنقل» من المحرضين شعريا على الثأر من العدو حين قال فى رائعته الشعرية «البكاء بين يدى زرقاء اليمامة» التى أعقبت النكسة: « أيتها العرافة المقدَّسةْ .. جئتُ إليك .. مثخناً بالطعنات والدماءْ أزحف فى معاطف القتلي، وفوق الجثث المكدّسة منكسر السيف، مغبَّر الجبين والأعضاءْ. أسأل يا زرقاءْ .. عن فمكِ الياقوتِ عن، نبوءة العذراء عن ساعدى المقطوع.. وهو ما يزال ممسكاً بالراية المنكَّسة عن صور الأطفال فى الخوذات.. ملقاةً على الصحراء عن جاريَ الذى يَهُمُّ بارتشاف الماء.. فيثقب الرصاصُ رأسَه .. فى لحظة الملامسة» فإننا نستطيع القول بأن صلاح عبد الصبور هو من رفع علم النصر شعرا فى تلك الحرب حين كتب مخاطبا أول جندى يرفع العلم المصرى فى سيناء قائلا: «تملّيناك، حين أهلَّ فوق الشاشة البيضاء، وجهك يلثم العلما وترفعه يداك، لكى يحلق فى مدار الشمس، حر الوجه مقتحما ولكن كان هذا الوجه يظهر، ثم يستخفي ولم ألمح سوى بسمتك الزهراء والعينين ولم تعلن لنا الشاشة نعتا لك أو إسما ولكن، كيف كان اسم هنالك يحتويك ؟ وأنت فى لحظتك العظمي تحولت إلى معني كمعنى الحب، معنى الخير، معنى النور، معنى القدرة الأسمي تراك، وأنت فى ساحة الخلود، وبين ظل الله والأملاك تراك، وأنت تصنع آية، وتخط تاريخا تراك، وأنت أقرب ما تكون إلى مدار الشمس والأفلاك» أما الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة فقد وصف بطلقته الشعرية «خفقة علم» فرحة النصر التى عمت ربوع مصر وارتسمت على ملامح السماء والأرض والشجر قبل أن تغمر ملامح البشر، حين قال: أفديك يا سيناء.. وزغردت من قلبها السماء.. وانهمر الجنود.. يسابقون الريح والأحلام.. وترسم الدماء.. خرائط النهار والمساء.. على صحائف التاريخ والجبال.. فى الماء كانت النجوم تعبر القناة.. وفى الرمال قالت المارعات لا وفى ذؤابات الشجر.. ابتسم الحمام ثم فك قيده وطار للسحاب.. وفوق صخرة عالية الإباء.. رفرفت أيها العلم.. يا قلبنا المليء بالأشواق والغضب.. كل خفقة تقول مصر.. نسيجها الضياء والظفر. وقد كان نصر أكتوبر وحده هو القادر على انتشال «صلاح جاهين» من غياهب بحر أحزان النكسة التى جففت ينبوع الفرحة فى حياته، ليبدأ فى الخروج من قوقعته التى غلف نفسه بها ويكتب قصيدة رائعة بعنوان «أكتوبر»: «و حياة عيون مصر اللى نهواها و اكتوبر اللى كما النشور جاها بلاش نعيد فى ذنوب عملناها وحياة ليالى سود صبرناها و اتبددت بالشمس وضحاها نكبح جماح الغرور ، مع أنه من حقنا ، ونحمى النفوس منه و لو ( العبور ) سألونا يوم عنه تقول : مجرد خطوة خدناها ! وحين نتحدث عن طلقات أكتوبر الشعرية لا نستطيع أن نغفل وجهها الساخط واللاذع فى تلك الفترة عمنا «أحمد فؤاد نجم» والذى كتب بعد النصر عدداً من القصائد.. مثل «ضليلة فوق رأس الشهيد»، و «منشور علنى رقم واحد» وعطشان يا صبايا.. حيث يقول الفاجومى فى «ضليلة فوق رأس الشهيد»: «خبر بالنكتة لوجيا و الحداقة والتكنولوجيا و التاريخ هجم الزناتى ع الخواجه و لبسه العمه بصاروخ «جود» عليوة «باد» مائير كل عام فانتوم بخير « ولعل أكثر من أرخ لتلك الفترة بطلقاته الشعرية ورسم المنحى التأريخى لها منذ بداية النكسة و»موال النهار» وحتى الانتصار الذى طالب به الإبن أباه فى «إبنك يقولك يا بطل» هو «خال» شعراء العامية عبدالرحمن الأبنودى والذى تحولت معظم أشعاره إلى أغان شدا بها عبدالحليم حافظ مثل «أحلف بسماها وبترابها» و « خلى السلاح صاحي». ولم يغب «الفلاحون» عن تلك الحرب المجيدة فقد كانوا عنوان القصيدة التى تغنى بها الشيخ إمام والتى كتبها شاعر العامية المبدع زين العابدين فؤاد أثناء خدمته على الجبهة فى حرب أكتوبر المجيدة، حيث لم يكتف زين العابدين بأن تكون رصاصات بندقيته هى فقط الموجهة إلى صدور العدو الصهيونى ولكن أطلق العنان لطلقاته الشعرية لتقتنص ما تبقى منهم وتجرعهم كأس الذل على يد الفلاحين بقوله: «الفلاحين ضموا غيطان القمح رفعوا الرايات بالفجر متندية رفعوا السنابل بنادق عبوا البنادق بارود الرملة قادت حرايق و النار فى دم الجنود و الحرب زى جناين الحرية مهرة ومالهاش حدود والحرب لسه فى أول السكة».