مبدأ إسلامي أصيل: "جهاد النفس أعظم الجهاد".. به تواترت الآيات، وأحاديث الرسول، وتم البناء الإسلامي، وسعدت البشرية. قال تعالى :"وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا . فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا . قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا. وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا". (الشمس: 7،8،9،10).
أرشد تعالى النفس إلى سبل الخير، وبين لها سبل الشر. وتزكيتها بحملها على طاعة الله. وتدسيتها تكون بمعصية الله"، بحسب تفسير "ابن كثير".
وبعد تحصيل الإيمان بالله، وبرسوله، يكون "جهاد النفس" أساس الأجر، والثواب.
فقد رتب سبحانه الجزاء على الكسب، والعمل. قال: "وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى". (النجم: 39). وقال: "جَزَاء بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ". (التوبة:82).
والأمر هكذا، جعل بعض العلماء جهاد النفس في أربعة ميادين: أولها: جهادها على تعلم الهدى، ودين الحق، من كتاب الله، وسنة رسوله.
فالله تعالى لا يقبل أن يُعبد إلا بما شرع في قرآنه، وبَيَّنه رسوله.. قال تعالى: "قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ".(الزمر:9).. وقال: "يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ". (المجادلة:11).
ويلي ذلك: جهاد النفس على العمل، والالتزام بما تعلمت. وهذا منهج الصحابة، الذي تلقوه عن رسول الله.
ذكر ابن تيمية عن أبي عبد الرحمن السُّلَمِيّ: "حدثنا الذين كانوا يُقرِئوننا القرآن، كعثمان بن عفان، وعبدالله بن مسعود، وغيرهما، أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشرَ آياتٍ لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم، والعمل، قالوا (أي الصحابة): "فتعلّمنا القرآنَ، والعلمَ، والعملَ جميعا". (أخرجه الإمام أحمد، وإسناده لا بأس به، كما جاء بإسناد صحيح موقوفا على ابن مسعود).
ومن هنا افتتح "الخطيب البغدادي" كتابه: "اقتضاء العلم العمل"، بالقول: "العلم شجرة، والعمل ثمرة، وليس يُعد عالما من لم يكن بعلمه عاملا". وقيل: "القليل من العلم مع القليل من العمل أنجى في العاقبة".
والعلم يُراد للعمل كما يُراد العمل للنجاة. والعلم خادم العمل، والعمل غاية العلم، فلولا العمل لم يطلب علم، ولولا العلم لم يطلب عمل.
أما ثالث مراتب جهاد النفس فجهادها على الدعوة إلى الله، لا سيما عندما يكثر الخبث بين الناس، وينتشر الفساد.. وأخيرا: جهادها على الصبر على مشاق الدعوة.
فلا شك أن الدعوة إلى الله يتبعها - حتما – أذى، ومضايقات من الناس.. بسبب جهلهم، وحفاظا على مكاسبهم الدنيوية، التي ارتبطت بالانحراف.
وأول مقاومة هذا الانحراف: الاعتراف بالخطأ، والعودة للحق، وهما من أكثر وسائل الدعوة تأثيرا.
وبمقتضاهما يرفع المسلم، كلما صدر منه خلل، شعاره الدائم، قوله تعالى: "قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ". (آل عمران:165).
فالإسلام ليس حكرا علينا، ولم يبدأ بنا، ولن ينتهي عندنا.. والقرآن أقسم بالنفس "اللوامة"..أي: الناقدة المفتشة عن أخطائها، لتراجع، وتصحح، وتعود للصواب من جديد، كما ورد في مواقع: أحد (آل عمران)، وبدر (الأنفال)، وحنين (التوبة).
وقد ورد أن عبادة بن الصامت قال: "اختلفنا في غنائم بدر حتى كادت تسوء أخلاقنا، فنزعها الله منا، وجعل أمر قسمتها لله، والرسول". [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد