تمر اليوم الذكرى الثانية والأربعون لواحدة من أبرز اللحظات الفاصلة فى تاريخ مصر، وهى حرب أكتوبر 1973 أو الحرب العربية الإسرائيلية الرابعة، مما يستلزم استخلاص أحد الدلالات الأساسية التى كشفت عنها هذه الحرب للأجيال الجديدة، التى سمعت ولم تر، قرأت ولم تعش، ويعد من أبرزها صلابة «الروح» المصرية. فاللحظات التى تصهر مشاعر المصريين فى بوتقة واحدة بمثل الكثافة التى برزت فى حرب أكتوبر لم تتكرر كثيرا، سواء بقدرات القيادة وصلابة الإرادة وتحدى الخصم وسلوكيات الجنود، والتى تعد منظومة متكاملة الأركان، فى ظل حالة استدعت قوى العصبية للوطن أو ما يسميه أستاذ الطب النفسى د.يحيى الرخاوى «الجوع إلى وطن». ولا يعتبر ذلك بمثابة حالة مصرية استثنائية خاصة، وإنما هو أقرب إلى حالة مجتمعية عامة، تحدث فى غالبية البلاد التى تدرك معنى ومغزى الوطن، وخاصة الذى يسعى أبناؤه لاسترداد ترابه ويرغبون فى نهضته وتغييره من حال إلى حال آخر، ولا تقتصر على ساحة الحرب بل تمتد إلى أوضاع السلم، أو ما يعرف بالحالة الطبيعية للبلاد. ووفقا لبعض التحليلات التى يطرحها أساتذة الاجتماع المهتمون بالشخصية المصرية، فإن طاقة الإنسان المصرى لا يتم شحذها بشكل كامل وكفاءة عالية إلا فى حالة وصول الأمور إلى حد الأزمة ووصول المخاطر إلى درجة عالية من التهديد. فى هذه الحالة، يصل الإنسان المصري، سواء كان فردا أو جماعة، إلى أعلى مستويات التركيز، وبالتالى تظهر قدرات كبيرة فى التخطيط والإعداد والتنفيذ. وقلما توافرت نفس الشروط السابقة، خلال السنوات الماضية إلا فى الالتفاف حول المنتخب الوطنى لكرة القدم، وتحديدا حتى عام 2010. فالمباريات الفاصلة، تشبه ما يسميه د.عبد المنعم سعيد بقوة الاندفاع العظيمThe Big Great Momentum . وتتكون قوة الاندفاع العظيم من فوز أو سلسلة من الانتصارات المتتالية، وهى أشبه بتلك الدفعة من البنزين التى تأتى من ضغطة زائدة ، لكى تكتسب العربة سرعتها أو تخترق سرعات جديدة، وهى لحظة يتكون فيها إحساس أن العربة لن تتوقف، وأنها سوف تسير فى طريقها نحو الهدف. فقد توافر فى حرب أكتوبر كل العوامل التى تؤدى إلى الفوز مع جودة اللعب، مثل حسن الإعداد وذكاء الخطط وتوقيت القرار وتوافر اللياقة البدنية والحالة النفسية، رغم اختلال الموازين العسكرية لصالح إسرائيل. وبالتالى حملت «قوة الاندفاع» جنود وضباط مصر لكى «يركبوا» – حسب اللغة الرياضية لدى بعض اللاعبين- مباراة المواجهة أمام إسرائيل. وما أحوجنا فى مصر فى تلك المرحلة إلى استعادة روح المراجعة والمناصحة والمقاومة والمواجهة، مع الذات، من جانب مختلف الشرائح العمرية والفئات النوعية والتخصصات المهنية، أجهزة الحكومة، ومؤسسات القطاع الخاص، والمجتمع المدني، عبر بناء القدرات وإصلاح الاختلالات وتعميق التخصص وتعديل معايير الترقى والاهتمام بمراكز التميز والتحلى بعقلية المنافسة، بحيث يمكن للمكانة المصرية أن تغير من ترتيبها الهابط الذى تذكره بعض التقارير الدولية، سواء الخاص بالتنمية البشرية على المستوى العالمى أو التنافسية الاقتصادية العالمية أو مكانة جامعات العالم أو حالة الحرية والمشاركة السياسية، وهو ما يقود فى نهاية المطاف لتحقيق الفوز التنموى والتقدم العام بما يضع مصر فى مكانة لائقة بين دول العالم فى مختلف المجالات. حينها تطأ أقدام المصريين سلالم المنتصرين ويستعيدون روح أكتوبر. لمزيد من مقالات د.محمد عز العرب