وجدت نفسى مشدودا بمناسبة حلول الذكرى الثانية والأربعين لحرب أكتوبر 1973 المجيدة لمعرفة السبب الجوهرى الذى جعل قادة إسرائيل السياسيين والعسكريين على يقين حتى ظهر الجمعة الموافق 5 أكتوبر 1973 بأن مصر غير مستعدة للحرب وبذلك تكون قد أسقطت من حساباتها الوقوف على نيات مصر لاستخدام قواتها المسلحة فى حرب فعلية يمكن تصور مسارها عندما خلصت أجهزة المعلومات الإسرائيلية بعد تحليلاتها إلى أن الشرط العسكرى الذى وضعته مصر لنفسها قبل شن الحرب هو إحداث تغيير جوهرى فى ميزان القوى الجوى والذى تتفوق فيه إسرائيل. وقد بدأ العد التنازلى لحرب أكتوبر عندما استدعى الرئيس الراحل أنور السادات أوائل عام 1973 الدكتور محمد عبدالقادر حاتم حيث أخبره بأنه يفكر فى اتخاذ قرار الحرب، وهو أمر يتطلب التفرغ لمباشرة مهامه فى الداخل والخارج، ومن ثم أبلغه باختياره رئيسا للوزراء بالنيابة بجانب منصبه كوزير للإعلام، وهى وزارة مهمتها الرئيسية تهيئة الدولة للحرب، وشرع الدكتور حاتم فى وضع الخطوط العريضة للإعداد من خلال العمل بسرية كاملة بعمليات تضليل معلوماتى لإيجاد حالة من الاسترخاء لدى الإسرائيليين طوال فترة الإعداد للحرب بحيث تكتمل الاستعدادات دون أن يعرف العدو شيئا عنها. ومن المعلوم فى العلم العسكرى أنه لكى تحقق مفاجأة عدوك يجب أن تكون لديك خطة خداع ناجحة تنقسم إلى خداع استراتيجى على مستوى الدولة وخداع تعبوى وينظم لتحقيق تأمين العملية العسكرية بكاملها، وخداع تكتيكى بهدف تأمين الوحدات العسكرية فى نطاق عملها فقط، بعدها يقوم الإعلام بالدور الرئيسى فى تحقيق المفاجأة الاستراتيجية. وقد انقسم التخطيط له إلى خطط قبل المعركة واثنائها وبعدها دون تجاهل دراسة العدو الإسرائيلى وتحديد نقاط قوته للحد منها ونقاط ضعفه لاستغلالها وهو أمر اقتضى التعمق الشديد فى نظرية الأمن الإسرائيلى التى خلص الدكتور حاتم منها بأنه لا يمكن للعرب المبادأة بالهجوم إلا باقناع إسرائيل بالإعلام العلمى «بأننا لا نقوى على الهجوم» حتى لا نمنحه الذريعة بالبدء بالهجوم علينا. وقد تم ترسيخ هذا المفهوم عندما زار كورت فالدهايم الشرق الأوسط أوائل عام 1973 وتسريب أنباء بأن مصر أكدت له ضرورة التسوية السلمية، وفتح باب السفر لاداء العمرة للضباط، ومقابلة الدكتور محمد حسن الزيات وزير خارجية مصر لهنرى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية يوم الجمعة 5 أكتوبر 1973 دون أن يعلم أن الحرب ستندلع فى غضون 24 ساعة، والتنسيق مع القوات للتمهيد للمفاجأة بإجراء المناورة السنوية التى كان قد سبقها تسريب تقرير خطير لإسرائيل بأن القوات المسلحة تواجه صعوبات جمة فى تشغيل بعض الأسلحة والمعدات المعقدة بعد إنهاء مهمة الخبراء والمستشارين السوفيت فى مصر فى يوليو 1972. واندلعت حرب السادس من أكتوبر عام 1973 وحققت مصر المفاجأة، واعترف الرئيس الأمريكى نيكسون بأن الولاياتالمتحدة لم تعلم بنشوب الحرب إلا قبل ساعات معدودة من اندلاعها، واضافت مصر بنهاية حرب أكتوبر 1973 درسا مستفادا جديدا مفاده «أنه ليس هناك نصر إلا ووراءه معرفة شاملة بالعدو، وليست هناك هزيمة إلا ومن أسبابها قصور معيب به» لمزيد من مقالات اللواء د. إبراهيم شكيب