ليس كل من يشاهد فن الأوبرا يعرف بالضرورة لغة النص الشعرى الختامى التى غالبا ماتكون الايطالية, ولكنه يستمتع بذلك الفن الرفيع عن طريق الانصات للغناء والموسيقى والمتعة البصرية للأداء التمثيلى أو الحركى المصاحب.. ويكتفى مشاهد الأوبرا بمعرفة القليل عن القصة موضوع العرض ثم يترك مشاعره تتحرك متأثرا بما يسمع ويرى .. ولكن بالطبع تزيد المتعة لمن يعرف اللغة الأصلية ويتذوق جماليات الشعر ويتابع الأحداث دون أن يفوته منها تفصيلة صغيرة. لهذا كان الإحتفاء بعرض أيام وليالى شجرة القلب من دار الأوبرا المصرية ليقدم بصفة استثنائية خارج اطار البرنامج المعد باعتباره عملا أوبراليا مكتوبا باللغة العربية وتقدمه اوركسترا النور والأمل الذى يعرف فى الغرب بالهرم المصرى الرابع ويتابعهم الجمهور فى العالم كله بشغف واحترام كبيرين ليس فقط لكونها فرقة موسيقية قاصرة على الفتيات الكفيفات. ولكن لما تقدمه من أداء فنى شديد الرقى والابهار إلى درجة أن مؤلف أوبرا شجرة القلب طارق بن ورقة قد تأثر بهن وجعل أبطال عمله شابا اسمه نور وفتاة اسمها أمل يتحابان ويرتبطان بالطبيعة ولاسيما الأشجار حيث تتشابه رحلة الانسان على الأرض مع حياة الشجر ومراحل نموها وإثمارها وجدبها لتعود تثمر من جديد.. والعمل شديد الابهار فى كل عناصره عدا العنصر الأساسى وهو اللغة العربية فقد بدت الأغانى ركيكة وغير موزونة وتقول الكلمات على سبيل المثال: «مسافرة فى الأثير البعيد.. حرة فى الأبد الأبيد» وبالطبع لم أقرأ من قبل تعبير الأبد الأبيد وأراه لايختلف كثيرا عن «الشخرمون طاخ فى التراللى» رغم اناقة الفصحى ورقى الجرس الصوتى لها.. وكان الأدعى بالمؤلف الفرنسى من أصل جزائرى طارق بن ورقة أن يستعين بشاعر عربى لديه ثقافة موسيقية وما أكثرهم ليصيغ فكرته بما يليق مع قيمة ذلك العمل الضخم ولكن باقى العناصر الفنية كانت أكثر من رائعة لاسيما صوت السوبرانو داليا فاضل وقوة واحساس التينور المميز رجاء الدين، بالاضافة للأداء الرائع من الراوى الذى جسده الدكتور عاصم نجاتى ليؤكد أنه ممثل من طراز رفيع يمتلك القدرة على التلوين فى الأداء وجذب الأنظار رغم صعوبة اللغة وميلها إلى الإلغاز والحس المتصوف فى تعبيرات الراوى ولابد هنا من الإشادة برشا التى قامت بالترجمة دون أن يذكر اسمها فى كتيب الدعاية الخاص بالعرض والذى كتب بالإنجليزية فقط دون العربية!! وبالطبع تميز من راقصى الباليه الحديث خانى مساج التى أدت دور «أمل» برشاقة مبهرة ونافسها اوتكوبال الذى قدم دور نور كراقص ايقاعى وبالطبع لاننكر روعة خيال المخرج جيلربرت ديفو الذى صنع مزيجا من السحر بين صور الجرافيك ورقص الباليه وغناء الأوبرا فضلا عن تمثيل الراوية وبالطبع العزف المتميز لفتيات فرقة النور والأمل واللاتى يجب أن يخصص لهن مسرح مهم من مسارح الدولة ليعرضن فيه على الأقل حفلات أسبوعية للجمهور المصرى لنشارك الأجانب متعتهم بالمواهب المصرية الأصيلة والنادرة.