كل الشواهد والمواقف الحياتية تدل على أننا أمامنا عقود كثيرة حتى يصل المجتمع لمرحلة «النضج» فى طريقة التعامل مع الأشخاص ذوى الإعاقة، فالبعض يتعامل معهم باعتبارهم عبئا زائدا، أو كما مضافا.. فمع بداية كل عام دراسى تكثر الشكاوى والمتاعب التى يمر بها «المعاقون» بالرغم من الحديث الذى لا يتوقف عن «الدمج» هذا المصطلح الذى أصبح مجرد كلمة تكتب فقط ولا تطبق على أرض الواقع.. فى السطور التالية نرصد بعضا من المعاناة التعليمية لذوى الإعاقة. يحكى محمد أبو طالب – كفيف ومدرب كمبيوتر – موقفين عايشهما مع بداية العام الدراسى، حيث يقول: المفروض أن وزارة التربية والتعليم خصصت عددا من المدارس لدمج بعض الإعاقات فيها بكل محافظة ولكن هذا غير موجود على أرض الواقع. وجع الطفلة الكفيفة ويقول أبوطالب: الموقف الأول: عندما كنت أسير فى الشارع منذ يومين، كانت تسير خلفى أم ومعها أبنتها طفلة كفيفة، البنت تبكى وأمها تحاول تهدئتها، شدنى كلام الأم، فوقفت لأتحدث معها، فاذهلنى كلام الطفلة - أولى ابتدائى – عندما قالت لأمها « المدرسة رجعتنى آخر تختة ورا وقالت لى أنت مش بتشوفى خلى اللى بيشوفوا يقعدوا قدام وأنت اسمعى بس .. وزملائى فى الفصل بيضربونى وبيشدونى من شعرى وبيقولولى لو جدعة تعرفى مين اللى ضربك .. وأنا مقدرتش انزل الفسحة وحتى مقدرتش ادخل الحمام لأنى معرفش حاجة فى المدرسة. ويضيف أبو طالب: بناء على كلام الطفلة، استأذنت أمها ومسكتها، وجلست أحكى معها وهى منهارة من كثرة البكاء، ولا تريد الذهاب إلى المدرسة، حاولت تهدئتها، وجعلتها تحكى لى كل ما حصل معها، فقالت: الأستاذ قال لى « أنت عمياء إيه اللى جابك هنا مودوكيش ليه مدرسة العميان»، فقلت لها: على فكرة أنا كمان أعمى مثلك، متخافيش، فضحكت البنت، وبكت أمها، المهم تحدثنا كثيرا وأنا حاملها على ذراعى، حتى نسيت ما حدث لها، وحكيت معها حول كيفية الرد على «سخافة « وسخرية المدرسين والأولاد، واعتذرت لها ولعبنا بعض الوقت بالعصا البيضا، وعلمتها على قدر المستطاع كيف تستخدمها، وقالت لى أمها هى عندها عصا مثلها، ولكن لم نجد أحدا يدربها عليها، وفى النهاية قبلت الطفلة فى رأسها، ولم استطع حبس دموعى، وتركتهما ومشيت. «هشوفك تانى بكرة» ويكمل أبوطالب: الموقف التانى، أم أيضا كانت تقوم بتوصيل ابنها المصاب بإعاقة ذهنية لمدرسة التربية الفكرية، وبحكم أن طريقى الذى أسير فيه يوميا هو نفسه طريق المدرسة، المهم حظ الأم التعس أنها تسير هى وابنها وفى الطريق عدد كبير من التلاميذ الذاهبين للمدرسة صباحا، ولأنهم أطفال لا يدركون شيئا، بدأ التلاميذ فى «التريقة» ورمى الكلام على الطفل المصاب، مثل كلمات « العبيط أهو» , ودا رايح مدرسة العبط» إلى آخرة، حاولت الأم السيطرة على نفسها، ولكنها انهارت فى النهاية ووقفت تبكى فى عرض الطريق، فتقدمت إليهما، وحملت الطفل منها، وسرت معهم إلى باب المدرسة، وأنا أضحك معها، قال لى قبل ما يدخل إلى المدرسة «هشوفك تانى بكرة» فوعدته أننى سأنتظره فى الصباح. ويضيف أبوطالب: إن ما وجعنى فى الموقفين «وقاحة» الأطفال، وقلة ذوق المدرسين، بالرغم من أن من بينهم أخصائيين نفسيين، ولكن الشئ الذى وجعنى أكثر هو أن مدرسة البنت الكفيفة مديرتها قالت لأمها « لو العيال معرفوش يتقبلوها وخافوا منها لآخر الأسبوع هنضطر لنقلها لمدرسة النور.. وأى شكاوى هتيجى من أسر زمايلها من وجودها هيكون النقل هو الحل» .. هذا الموضوع حاولت أن احتفظ به لنفسى، ولا احكى عنه لأحد، لكن بجد تعبت، وكل ما أفتكر بكاء البنت أو أم الطفل، عيونى تدمع تلقائياً. السؤال هنا للمسئولين عن التعليم: أنتم قررتم الدمج، ولكن هل تم تأهيل المصابين وزملائهم الأصحاء وطاقم التدريس للتعامل مع هذا الدمج؟!!