تستخدم استطلاعات الرأي العام بشكل مكثف قبل الانتخابات للتنبؤ بالنتائج العامة, كما تستخدم لتوجيه الرأي العام إلي اختيارات محددة تخدم مصالح أشخاص وقوي سياسية معينة, ويزداد هذا الاستخدام سوءا حينما تقترب مواعيد الانتخابات وتعلن نتائج الاستطلاعات خلال فترة الصمت الانتخابي, بما يتضمنه ذلك من تجاوزات مهنية وأخلاقية وقانونية تستوجب المحاسبة. ينبغي الاستفادة من تجربة توظيف استطلاعات الرأي العام خلال الانتخابات البرلمانية الماضية, حيث تم رصد أخطاء علمية في إجراء بعض الاستطلاعات التي حظيت بالنشر الإعلامي, وجاء في مقدمتها ما يتصل بتطبيق الاستطلاع علي عينات لا تمثل بشكل صادق المجتمع المصري, واستخدام الإنترنت أداة لجمع البيانات بما تحمله من تحيز واضح لفئة الشباب علي حساب باقي فئات المجتمع, كما لجأت بعض الجهات إلي استخدام التليفون أداة لجمع البيانات, وهي وسيلة محاطة بكثير من التحفظات في ظل أنماط ثقافية تقليدية لم تتعود إجراء استطلاعات الرأي التليفونية, كما أن جامعي البيانات الميدانية من الأفراد لم يحصلوا علي تدريبات كافية للتعامل الأمثل مع الأفراد في جمع البيانات إضافة إلي تحيز أداة جمع البيانات والمتمثلة في استمارة الاستبيان التي تحتوي علي أسئلة إيحائية تقود الأفراد للإجابة في اتجاه معين ترغبه الجهة المستفيدة من إجراء الاستطلاع. وأعقب الانتهاء من إجراء استطلاعات الرأي العام النشر الإعلامي لنتائجها, لتتحول أهداف الاستطلاع من التعرف علي اتجاهات الرأي العام إلي الرغبة في تشكيل الرأي العام. يحدث ذلك دون أن يعرف المجتمع ما إذا كان هذا الاستطلاع قد تم بإجراءات علمية من عدمه. وتبدأ عملية تشكيل الرأي العام لتحقيق أغراض خاصة لمصلحة أحد المرشحين لتوجيه الرأي العام لانتخابه, وهنا تتحول استطلاعات الرأي العام إلي لعبة غير شريفة بين المرشحين, فبدلا من استخدام الاستطلاعات أداة لمعرفة اتجاهات الرأي العام الحقيقية, يتم استخدامها كأداة غير موضوعية لتشكيل الرأي العام.
وتقع بعض وسائل الإعلام بقصد أو بدون قصد في أخطاء تتصل بنشر استطلاعات رأي عام مجهلة, حيث تنشر في بعض الأحيان استطلاعات رأي عام, لا نعرف الجهة التي قامت بتنفيذها, ولا نعرف الجهة التي قامت بتمويل هذا الاستطلاع, أو ملامح العينة التي طبق عليها الاستطلاع, ولا التوقيت الذي تم فيه الاستطلاع, ولا الإجراءات العلمية التي تم الاستناد إليها في اختيار طريقة جمع البيانات وتدريب الباحثين وتحليل البيانات الإحصائية. ويبدو منطقيا في ضوء شيوع التوظيف غير الأخلاقي لاستطلاعات الرأي العام لتوجيه سلوك الناخبين في الانتخابات البرلمانية الماضية استمرار هذا الاستخدام الخاطيء في الانتخابات الرئاسية لترجيح كفة أحد المرشحين علي آخرين لتوجيه الرأي العام لاختيار محدد بأسلوب غير أخلاقي في إطار جهود الدعاية الانتخابية للمرشحين للانتخابات الرئاسية. في ضوء الفترة القصيرة المتبقية علي انتخابات الرئاسة المقبلة, تبدو أهمية أن تبتعد وسائل الإعلام المصرية المسموعة والمرئية والمقروءة عن الوقوع في أخطاء تتصل بنشر استطلاعات رأي عام مجهلة, حتي لا تصبح شريكة في صنع رأي عام لمصلحة مرشح معين علي أساس غير موضوعي, ومع توقع تنامي دور استطلاعات الرأي العام في المرحلة المقبلة مع التحول الديمقراطي الذي تشهده مصر حاليا, تبدو أهمية النظر بعين الاعتبار مستقبلا إلي ضرورة وجود جهة مستقلة يكون اختصاصها الرئيسي التأكد من دقة الإجراءات العلمية في استطلاعات الرأي العام قبل إجرائها ميدانيا. يأتي هذا الاقتراح ضمانا للتوظيف الموضوعي لاستطلاعات الرأي العام, بعد أن أثبتت التجربة المصرية التي تقوم علي أساس الحصول علي موافقة الجهاز المركزي للتعبئة العامة للإحصاء قبل إجراء الاستطلاع أنها إجراءات غير كافية لضمان دقة الاستطلاعات التي تجري, كما أن العديد من الجهات تجري هذه الاستطلاعات دون علم الجهاز, ولا توافيه بنسخة من النتائج. إن استطلاعات الرأي العام ضرورة حتمية في مجتمع يحبو نحو الديمقراطية, إلا أنها تحتاج لمزيد من التنظيم لضمان تنفيذها بالشكل العلمي المطلوب, وكذلك الارتقاء بأخلاقيات استخدامها لرصد اتجاهات الرأي العام نحو القضايا المختلفة, وليس لتشكيل الرأي العام في اتجاه محدد يخدم مصالح أشخاص أو قوي وأحزاب سياسية معينة.