في خطوة غير مسبوقة في ألمانيا اجتمع ممثلون عن الكنائس الكاثوليكية والبروتستانتية والاتحادات الإسلامية التركية والجالية اليهودية في برلين لتأسيس اتحاد جامع للأديان في مواجهة التهديدات اليمينية المتطرفة للمسلمين واليهود والتي بلغت حدا لم يعد من الممكن تجاهله. الاتحاد الجديد المقرر أن يحمل اسم ملتقي الأديان والمجتمع ويفتتح رسميا في مايو المقبل, جاء كرد عملي وحاسم علي أخر سلسلة من التهديدات تعرضت لها عدة مساجد في برلين أبرزها مسجد سيهيتليك التركي أكبر وأقدم مساجد العاصمة الألمانية إضافة إلي تهديدات مماثلة للجالية اليهودية, حيث وجهت مجموعة نازية جديدة تطلق علي نفسها اسم حركة الرايخ خطابات تهديد بدأتها بعبارة إلي جميع الأتراك والمسلمين والزنوج في المانيا.. وتطالب الحركة الجديدة هؤلاء الأجانب بمغادرة ألمانيا خلال ستة أشهر وإلا سيتم إجبارهم علي ذلك باستخدام العنف أو القتل. التهديدات كان وقعها مخيفا علي اتحاد مسجد سيهيتليك التركي تحديدا إذ تعرض هذا المسجد وحده لأربع محاولات لإحراقه في عام2010 وقد تمكنت الشرطة في النهاية من القبض علي مرتكب هذه الحرائق بدوافع عنصرية وحكم عليه بالسجن قرابة ثلاث سنوات, ولكنه بدلا من ان يسجن أودع مصحة بإعتباره مريضا نفسيا, الأمر الذي أثار إستياء الجالية التركية. وقد صرح إندر سيتين, رئيس الإتحاد التابع له مسجد سيهيتليك أن الأتراك ينظرون بكثير من الريبة عندما يتم إيداع هؤلاء المتطرفين مصحات نفسية ومعاملتهم كمرضي نفسيين مثلما يحدث في النرويج مثلا, حيث وصف السفاح المتطرف بريفيك بأنه مختل عقليا, ويقول سيتين إن معاملة هؤلاء المجرمين هكذا يحول دون تسليط الضوء علي دوافعهم العنصرية وإنتشارظاهرة اليمين المتطرف في المجتمعات الغربية بشكل خطير والتي يتم التهوين منها لاسباب سياسية. لذا حذر سيتين المجتمع الألماني واجهزة الأمن هذه المرة من التهوين من خطورة التهدديات الأخيرة والتي وصفها بأنها كتبت بعناية تكشف عن عقلية إجرامية عنصرية ذكية حيث لم تستطع الشرطة العثور علي اثر واحد يؤدي لهذه الخلية الجديدة. ويبدو أن النقاش الواسع في المانيا علي مدي الأشهر الأخيرة حول ظاهرة التطرف اليميني وإنتشارها ليس فقط في الولاياتالجديدة في شرق المانيا وإنما ايضا في غرب البلاد كجزء من المد اليميني المتطرف في اوروبا, هذا النقاش رفع من درجة حساسية الألمان للظاهرة وخطورتها, خاصة أنه جاء بعد ان كشفت المصادفة وحدها عن خلية نازية متطرفة قامت علي مدي سنوات وبحرية تامة بقتل تسعة اتراك ويوناني وشرطية المانية كما سجلت الخلية ووثقت جرائمها دون ان تتمكن أجهزة الامن الألمانية من الكشف عنها. ربما لذلك سارعت اسقفية برلين البروتستانتية والعديد من الكنائس الأخري بإعلان تضامنها مع الجاليتين المسلمة واليهودية وتوجه أسقف برلين ماركوس دروجه لمسجد سيهيتليك محذرا في عظته الإسبوعية المجتمع الألماني بأن يسمح بتكرار نفس اخطاء التعامل مع جرائم الخلية النازية التي تم التهوين من شأنها بل وتوجيه أصابع الاتهام للضحايا الأتراك باعتبارهم ضحايا منظمات إجرامية تركية يرتبطون بها بعلاقات. وفي أول إجتماع لممثلي الاتحاد الجديد قال كارل شونج أحد مؤسسيه أن الهدف الرئيسي هو أن نجلس سويا لنبحث عما يوحدنا ونحدد القيم المشتركة التي تجمعنا في هذا البلد واعترف شونج بأن العلاقة بين الكنائس والمسلمين واليهود تاريخيا مثقلة بالأعباء وأن الكثير من الحملات المناهضة لبناء مساجد جديدة في برلين قادها قساوسة بروتستانت ولكنه أكد أن الوضع الآن أصبح مختلفا ويتطلب توحد جميع الأديان أمام الخطر الجديد. اما القسيسة اليزابث كروزه والتي جمعت توقيعات تضامن من مئات الأعضاء في كنيستها وسلمتها لإمام مسجد سيهيتليك بعد الإعتداءات التي تعرض لها, فتعلن بوضوح اننا لن نكتفي هذه المرة بالشعور بالخجل بل نتحرك بإيجابية مع مواطنينا المسلمين واليهود. وتؤكد ماي زيهدن من الجالية اليهودية ان الهوية الألمانية تربط ما بين الجميع اولا وبعدها تأتي الخلفيات الثقافية والدينية وهذا هو المنطق الذي يجمعنا في مواجهة التطرف اليميني فكلنا ننتمي لهذا البلد. وحتي رئيسة الشرطة في برلين مارجريته كوبرز تحدثت هذ المرة بلهجة مختلفه, واكدت أمام الحاضرين ان إكتشاف جرائم الخلية النازية السرية غير الكثير من نظرة الشرطة للحوادث العنصرية في المانيا فلن يتم التعامل معها بعد الآن بإعتبارها حوادث فردية وإنما سيتم وضعها تحت المجهر للكشف عن اي تنظيم ايديولوجي يميني وراءها. غير أن المشكلة الحقيقية التي تواجه هذا الإتحاد الجديد وكل جهود مواجهة التطرف اليميني في المانيا تكمن في توجهات بعض السياسيين الألمان والكليشيهات التي تسيطر علي بعض وسائل الإعلام اليمينة ذات التأثير والتي تغذي بإستمرار الصورة السلبية للإسلام والمسلمين وعلاقتهم بالإرهاب. ويكفي للتدليل علي ذلك فقط الإشارة إلي الدراسة التي أعلن عنها وزير الداخلية المحافظ هانز بيتر فريدريش أخيرا والتي حذر فيها من ان ربع الشباب المسلم في المانيا من غير حاملي الجنسية الألمانية يغالون في التدين ويكرهون الغرب و يميلون للعنف ولا يستيجيبون لجهود الإدماج وان هذا توجه لن تقبله ألمانيا أبدا وستتصدي له. وبالطبع حصد فريدريش إنتقادات واسعة من كافة الاحزاب الألمانية بسبب هذه الدراسة الإنتقائية التي أجريت علي عينة تقل عن الف شخص وتم تعميمهاعلي عدة ملايين من المسلمين. ورغم محاولات الوزير التخفيف من حدة تصريحاته إلا أن الدراسة اتت مفعولها وكانت بمثابة دش بارد علي النقاش المجتمعي الساخن في المانيا حول ظاهرة التطرف اليميني, وهو نقاش من المؤكد انه سيشتعل مجددا عند أول إعتداء جديد علي الأجانب والمسلمين واليهود في ألمانيا.