يعانى الكثير من الدول الإسلامية بصور شتى من الفساد المالى والإدارى والاجتماعى والأخلاقي، ويوماً بعد يوم يتوحش الفساد بصوره المختلفة، ورغم أن الإسلام الحنيف جاء برؤية شاملة ومنهج متكامل لاقتلاع صور الفساد من جذورها فإن هذه الرؤية غابت عن أمتنا العربية والإسلامية التى راحت تبحث عن سبل لمواجهة الفساد بإجراءات وقوانين. وكان الإسلام – ومازال – سباقًا فى محاربة الرذائل والفساد ،والمحافظة على إنسانية بنى البشر،وسعى دائمًا إلى إحلال السلام فى الأرض دون خنوع أو انكسار،وأتت تعاليمه معلنة القوة فى غير كبر،والرقة فى غير ضعف، وأمن الإسلام على دماء أبنائه وغيره من أتباع الديانات والثقافات. مما يدل على عِظَمِ جُرم الإفساد فى الأرض أن الحق سبحانه جعله بمثابة محاربته ومحاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى: (إنما جزاءُ الذين يحاربون اللهَ ورسولَه ويَسعَونَ فى الأرضِ فسادًا أن يُقتَّلوا أو يُصلَّبوا أو تُقطَّعَ أيديهم وأرجلُهم من خِلافٍ أو يُنفَوا من الأرضِ ذلك لهم خزيٌ فى الدنيا ولهم فى الآخرة عذابٌ عظيم)، وإذا كان الحق سبحانه لا يُحارَب ولا يُغالَب، لما هو عليه من صفات الكمال ولما وجب له من التنزيه عن الأضداد والأنداد، فإن محاربته سبحانه فى الآية التالية مجازٌ عن محاربة عباده، فعبَّر بنفسه سبحانه عن عباده إكبارًا لجُرم الاعتداء عليهم. ويقول الشيخ محمود عاشور، عضو مجمع البحوث الاسلامية، إنه يجب الا يكون للفساد وجود فى المجتمع الإسلامى لكن حين يوجد الفساد لابد ان يقف المجتمع كله بكل أفراده وهيئاته للقضاء على الفساد ومحاربته لأن الفساد ينخر فى العظام ليقضى على المجتمع ويهدمه ويكون سببا فى خراب ودمار المجتمع، لذا وجب على كل مواطن حينما يرى الفساد أن يبلغ الجهات المختصة لذلك حتى نتضافر جميعا للقضاء على الفساد، فهذا العمل المشين ليس من سمات المؤمنين، لان دين الإسلام دين النقاء والطهارة والصدق، ويحث على الحلال فى كل أمر وفى كل شأن وهو دائما يأمرنا بالحلال لقوله صلى الله عليه وسلم ( كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به ) لذا ينبغى أن نحاول دائما ان نعيش بالحلال وان نجبر الآخرين أن يعيشوا فى الحلال والحرب على الفساد مشروعة وان الفساد ضد ما جاء به الرسول صلى الله عليه ويسلم ويناقض كل الشرائع والقوانين لذا وجب على الناس أن يقفوا صفا واحدا ولا يسكتوا عن الحق ابدا كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم (الساكت عن الحق شيطان اخرس )، وعلى الناس أن يتصدوا بهذا الجرم وهذا العمل الإجرامى الخطير حتى نطهر بلدنا ومجتمعنا من هذه الآفة حتى يعيش المجتمع فى امن وأمان وحتى يتعود الناس على الطهر والنقاء وإنما يكون الطهر دائما هو السائد وأن سكوتنا على الفساد حرام ويلحق بنا الدمار ومن يشجع على الفساد أو من لا يبلغ عنه آثم كإثم الفاسد وكأنه يشجع الفاسدين على السير فى الطريق المعوج وهذا ما نهى عنه الدين الحنيف .. ويرى الدكتور مختار مرزوق عبد الرحيم عميد كلية أصول الدين بأسيوط، أن الإسلام سبق الأيديولوجيات الحديثة فى محاربة الفساد منذ ان بدأت الدولة الإسلامية يشتد عودها، ولدينا أمثلة كثيرة لذلك أولها ان الله سبحانه وتعالى حرم على الناس ان يأكلوا اموالهم بينهم بالباطل فقال تعالى (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) كما اخبر الرسول صلى الله على وسلم، أن الله تعالى لعن الراشى والمرتشى والرائش ومعنى اللعن اى الطرد من رحمة الله، وان النبى صلى الله عليه وسلم طبق ذلك عمليا فى عصره الشريف وقام بمصادرة الأموال الحرام تطبيقا عمليا فلا يجوز فى الإسلام ان يهنأ المرتشون او اللصوص أو الذين استولوا على أراضى الدولة وعلى مصانعها فى العهود السابقة ان يهنأوا بما استولوا عليه من مال حرام وعلى الدولة مصادرة تلك الأموال الحرام التى استولوا عليها فى ضوء هذا الهدى النبوي. وفى سياق متصل يؤكد الدكتور محمد نجيب عوضين، أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق جامعة القاهرة، أن الإسلام حرص على أن يكون كسب الإنسان طيبا حتى يبارك الله للعبد فى أولاده وزوجه وماله ونهى وحرم ان يكون الكسب منهيا عنه بأى صورة من الصور التى تم اكتسابه بها بالغش أو التدليس أو الاستيلاء على مال الغير دون وجه حق أو إهدار للمال العام. وناشد القائمين عن التشريعات المعاصرة توسيع دائرة الرقابة على المتعاملين مع الأموال فى المناصب المختلفة وتشديد العقوبة على المخالفين وان يكون المسئولون قدوة لباقى أفراد المجتمع، فإذا أحكمت القبضة والرقابة عن طريق الهيئات الرقابية المختلفة سيكون ذلك هو الطريق الأمثل لتحقيق العدالة بين الناس ولا يمكن أن ننجح فى البناء والتنمية إلا بسد ثغرات الفساد فى خط متواز لأنه مهما نحاول دفع عجلة التنمية مع وجود ثقوب الفساد لن تتحقق النتائج المرجوة على وجه السرعة.