قوات الدفاع الشعبى والعسكرى تنظم عددًا من الأنشطة والفعاليات    د.أيمن عاشور: سنقوم لأول مرة بمتابعة الخريجين لمعرفة مدى حاجة سوق العمل لكل تخصص    حملات مكثفة لاسترداد وتحصيل مستحقات الدولة بالوادي الجديد    تعديلات قانون الإيجار القديم 2024 للشقق السكنية والمحلات    رئيس هيئة الرعاية الصحية يشارك في الجلسة الختامية لملتقى الصحة الإفريقي 2024    محافظ كفرالشيخ يتابع جهود الزراعة للمحاصيل الصيفية وندوات توعوية للمزارعين    3500 طفل معرضون للموت بسبب سوء التغذية في غزة    أخبار الأهلي : الأهلي يكشف حقيقة انتهاء عقد كولر بنهاية الموسم    ليفربول يسعى للتعاقد مع صفقة جديدة    رئيس مصايف الإسكندرية ينفي وجود اشتباكات بالشوم والعصا بين رواد أحد شواطئ شرق    تفاصيل مشاجرة شاطئ جزيرة الدهب في الإسكندرية    مصرع طفل صعقًا بالكهرباء داخل محل في المنيا    مسؤول حماية مدنية فى السويس يقدم نصائح لتجنب حرائق الطقس شديد الحرارة    طلاق الإعلامية دانية الشافعي مقدمة برامج mbc 3    غزة: 15517 شهيدًا من الأطفال منذ بدء الحرب ووضع إنساني كارثي    السياحة: مقترح بإطلاق تطبيق لحجز تأشيرة الدخول إلى مصر والمناطق الأثرية والسياحية    أحكام الأضحية.. ما هي مستحبات الذبح؟    جامعة طنطا تطلق قافلة تنموية شاملة بمحافظة البحيرة بالتعاون مع 4 جامعات    نتيجة الإبتدائية والإعدادية الأزهرية 2024 بالاسم "هنا الرابط HERE URL"    بالأسماء.. إصابة 17 شخصًا في حادث تصادم بالبحيرة    بوتين: أوروبا عاجزة عن حماية نفسها أمام الضربات النووية على عكس روسيا والولايات المتحدة    بايدن يعلن عن مساعدات عسكرية لأوكرانيا بقيمة 225 مليون دولار    المتحدث باسم وزارة الزراعة: تخفيضات تصل ل30% استعدادًا لعيد الأضحى    وزير الصناعة يستعرض مع وزير الزراعة الروسى إنشاء مركز لوجيستى للحبوب فى مصر    تكبيرات عيد الأضحى 2024.. تستمر ل عصر رابع يوم    غدا محاكمة أم وعشيقها في واقعة قتل الطفلة ريتاج بمدينة نصر    تزامنًا مع الموجة الحارة.. وكيل «صحة الشرقية» يتفقد مستشفى الحسينية ويوجه بتطوير الخدمات    زيادة ألف جنيه في دواء شهير لارتفاع ضغط الدم    استطلاع: غالبية الألمان تحولوا إلى رفض العدوان الإسرائيلي على غزة    تعرف على موعد عزاء المخرج محمد لبيب    "الهجرة": نحرص على المتابعة الدقيقة لتفاصيل النسخة الخامسة من مؤتمر المصريين بالخارج    استبعاد كوبارسي مدافع برشلونة من قائمة إسبانيا في يورو 2024    الأمم المتحدة: شن هجمات على أهداف مدنية يجب أن يكون متناسبا    أوقفوا الانتساب الموجه    إيرادات الخميس.. "شقو" الثالث و"تاني تاني" في المركز الأخير    كيف تحمي نفسك من مخاطر الفتة إذا كنت من مرضى الكوليسترول؟    الناقد السينمائي خالد محمود يدير ندوة وداعا جوليا بمهرجان جمعية الفيلم غدا    مفتى السعودية يحذر من الحج دون تصريح    الأوقاف: افتتاح أول إدارة للدعوة بالعاصمة الإدارية الجديدة قبل نهاية الشهر الجاري    "البحوث الفنية" بالقوات المسلحة توقع بروتوكول مع أكاديمية تكنولوجيا المعلومات لذوي الإعاقة    «التعليم العالي»: تحالف جامعات إقليم الدلتا يُطلق قافلة تنموية شاملة لمحافظة البحيرة    وزير الزراعة يعلن فتح اسواق فنزويلا أمام البرتقال المصري    ميسي يعترف: ذهبت إلى طبيب نفسي.. ولا أحب رؤيتي    الانتخابات الأوروبية.. هولندا تشهد صراع على السلطة بين اليمين المتطرف ويسار الوسط    الموسيقات العسكرية تشارك في المهرجان الدولي للطبول والفنون التراثية    "الإفتاء": صيام هذه الأيام في شهر ذي الحجة حرام شرعا    الأنبا باخوم يترأس قداس اليوم الثالث من تساعية القديس أنطونيوس البدواني بالظاهر    الزمالك يقترح إلغاء الدوري    محمد صلاح يفوز بجائزة أفضل لاعب في ليفربول بموسم 2023-2024    التعليم العالى: إدراج 15 جامعة مصرية فى تصنيف QS العالمى لعام 2025    ضياء السيد: حسام حسن غير طريقة لعب منتخب مصر لرغبته في إشراك كل النجوم    المتحدة للخدمات الإعلامية تعلن تضامنها الكامل مع الإعلامية قصواء الخلالي    محافظ أسوان: طرح كميات من الخراف والعجول البلدية بأسعار مناسبة بمقر الإرشاد الزراعي    مداهمات واقتحامات ليلية من الاحتلال الإسرائيلي لمختلف مناطق الضفة الغربية    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 7 يونيو 2024.. ترقيه جديدة ل«الحمل» و«السرطان»يستقبل مولودًا جديدًا    مفاجأة.. دولة عربية تعلن إجازة عيد الأضحى يومين فقط    الأوقاف تفتتح 25 مساجد.. اليوم الجمعة    مجلس الزمالك يلبي طلب الطفل الفلسطيني خليل سامح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يرى شخصيات الرواية مثل جزر منفصلة
مكاوى سعيد:«أن تحبك جيهان» محاولة لفهم ما جرى فى مصر قبل ثورة يناير
نشر في الأهرام اليومي يوم 22 - 09 - 2015

بعد «تمهُلٍ» امتد لثمانى سنوات. منذ صدور «تغريدة البجعة»، التى انحاز فيها للمهمشين بوضوح، يعود «مكاوى سعيد» إلى مضماره الأثير مُجدَدَاً برواية «أن تحبك جيهان»، التى تعقَّب فيها «أناساً يبحثون عن «ذواتهم»، محاولا البحث معهم عن إجابة لسؤال مُحير، عن مدى ارتباط الخلاص الفردى بالخلاص العام!.
ثمانى سنوات لم تمض فى صمت. بل تمعن الحياة خلالها بعدَّة كُتب، تأمل فيها وجوها عركها، وطالع خفاياها، وكانت خلفياتها الإنسانية كافية لتجميع وتصنيف «مقتنيات وسط البلد»، وعاين بنفسه كل أحداث الثورة عن كثب واودعها «كراسات التحرير»، وحاول فى مجموعته «البهجة تحزم حقائبها» فهم الأسباب. وهذا كله بمعنى ما، جعله يملأ استراحته بين روايتيه المهمتين، بتأملات عميقة، حفاظا على حيويته الإبداعية، واحتراما لقارئ يترقب لقاءه على ناصية المصادفة، ليُسمعه نقداً عفوياً مهما، ثم يمضى إلى حال سبيله.
وحين عاد. قدم لنا سبعمائة صفحة، بإيقاع لاهث، يكشف الجهد الذى بذله فى محاولته لفهم حال الطبقة الوسطى المصرية، وما آلت إليه من انحسار وتفكك، وربما ذهول عن واقعها، بعد ما بذله «مبارك وعصبته» من جهود سوداء، لضعضعة قواها، حتى تهمش دورها، أو تهشم على أسفلت الواقع، كما شهد الجميع.
من يقرأ الرواية سيجد نفسه يجرى فى كل الاتجاهات خلف شخصياتها المتباينة، بحيواتها المختلفة، بين إحباطات خفية، وطباع متنافرة، وخطوط لا تتقاطع، إلى أن يصلوا جميعا رغم أنفهم إلى ميدان التحرير بفعل الثورة، ويوم «موقعة الجمل»، تُحلِّق روح «أحمد الضوِّي»، لترى كل شئ واضحا وهى تصعد نحو البعيد!.
أبرز ما لاحظته فى روايتك «أن تحبك جيهان» ضعف وتفكك الطبقة المتوسطة، وهذا منطقى فى نهاية عصر مبارك، فرغم أن الشخصيات فى الرواية كلها تنتمى لتلك الطبقة، لم تنتظمهم مشتركات سياسية تقريبا، فهل تظن أن تأثيرها انتهى فى مصر؟ وإن كان هذا صحيحا فمن حشد لثورة يناير بتقديرك، مع أن أغلب شخصيات الرواية ذهبت إلى الميدان وقت الثورة؟
الزمن الذى تتحرك فيه الرواية قصير نسبيا، عام واحد تقريبا من يناير 2010 إلى أول فبراير 2011، لكنه زمن غنى بأحداث مهمة ومؤثرة ستتحكم فى مقادير مصر والدول العربية لقرون. واخترت هذه الفترة كمحاولة لاستشفاف ما كان يدور من حولنا ونحن شبه مغيبين، من خلال ثلاث عيون لهم حيواتهم المختلفة، مع أنهم جميعاً ينتمون للطبقة المتوسطة: «أحمد الضوِّي» الذى صعد إلى هذه الطبقة بشركة المقاولات، و«ريم» التى أوشك والدها أن يحمل لقب وزير لولا تورطه فى فساد، وجيهان وهى من عائلة تنتمى للقضاء، إضافة إلى عماد (ضابط شرطة كبير)، وهم من الطبقة الوسطى التى تآكلت وتهمش دورها. ورغم صداقتهم لا تربطهم مشتركات سياسية واجتماعية، فكل فى وادٍ يهيمون. وحين فاجأتهم الثورة عارضها بعضهم بشدة، ومنهم من هرب، لكن هناك من ساندها بقوة غير آبه بالمصير، وفى الرواية لم يحشد أحد منهم للثورة لكن الأزمات المتوالية، والقمع المتواصل، والاستخفاف بالجماهير، هى التى دفعت الناس فى لحظة للنزول إلى الشارع.
إنحيازاتك فى «أن تحبك جيهان» مختلفة بدرجة لافتة عن روايتك الشهيرة «تغريدة البجعة». ففى السابقة كنت منحازا للمهمشين بوضوح، لكنك الآن تكتب عن شخصيات غارقة فى هموم ذاتية، ومشاغل خاصة، وربما تسعى خلف ملذات ومكاسب، فهل هو مجرد تنويع فى عالمك الإبداعي، أم ثمَّة تغير لا نعرفه طرأ على رؤيتك؟
«تغريدة البجعة» انحازت للمهمشين بفضل بطلها الذى كان يصنع فيلما عن أطفال الشوارع، ثم اكتشف أن صديقته الأمريكية «مارشا» تريد استغلال الفيلم عبر التمويل من أجل مكسب سياسى ومالى يضر بالوطن، أمَّا « أن تحبك جيهان» فهى عن شخصيات مستقرة ماليا، ظنوا أن حياتهم راسية كسفينة تتهادى على سطح الماء، لكنهم فى عرض البحر اكتشفوا أن البحارة يتمردون، لأن لا أحد يستمع إليهم، فالموضوع هنا مختلف. ومن زاوية ثانية فعلا هو تنويع لعالمى الإبداعي.
شخصيات «أن تحبك جيهان» لا تشترك بعمل جمعي، ولا تربطها أى قضايا عامة، ولا ينشغلون بشئون البلد، كأنهم من بلد آخر، تستغرقهم أمورهم الشخصية وحسب، فهل قصدت انتقاد انفصالهم هذا عن واقعهم، أم أنهم نوع من البشر يعرض لهم هم الأدب كغيرهم؟
شخصيات الرواية مثل جُزر منفصلة. فالاستقرار المادى يشغل الفرد بطموحه ووسائل راحته. وركَّزت على هذا فى محاولة لتفسير ما كان يجرى بمصر قبيل ثورة يناير، وهذا العالم تطرق إليه كتاب كُثر لكنهم برأيى كتبوه من سطحه، وركزوا على ملذاته، وأغفلوا معاناته ومآسيه، لكننى حاولت إلقاء الضوء على خلفياته، وحقائقه.
حيرتنى شخصية «جيهان». فهى نمط أخلاقى كلاسيكي، تشبه «ناظرة مدرسة البنات فى الأفلام المصرية القديمة»، وهو نموذج إنسانى صارم ومرهِق تماما، بأخلاقياته الظاهرية، فهل يستحق هذا النمط التمجيد، لدرجة إطلاق اسمها على الرواية؟
جيهان من الشخصيات التى تتحرك داخل إطار اصطنعته من أجل حماية نفسها، لا تُقرِّب الناس منها، وتعاملهم بحدود، وسخافة إذا تطلب الأمر، وعندما ينفضون من حولها تعانى الوحدة، وتتخذ قرارات بالتساهل مع الآخرين، وسرعان ما تعود إلى شرنقتها التى أحكمتها حول نفسها. والحقيقة أنها شخصية مغرية بالكتابة، وأدهشنى أن غالبية القراء لم يعجبهم هذا النمط الأخلاقى المتحفظ، لأنهم أحسوا بزيفه.
وبالمقابل هناك «ريم» النزوية، الشتّامة، الأنانية. وإن رآها البعض نابضة بالحياة، ومُحبَّة لها، لم يُخف ظاهرها «السافل» باطنها الرقيق، وتورطها فى حب «أحمد الضوي» خوَّفَها من الضعف الإنسانى فآذته بفعلة قبيحة، لكن لحظة صدق كشفت جوهرها الطيب، ما يعنى أن تناقضات النفس الإنسانية أمر طبيعي، وتثرى العمل الأدبي، وتُعمّقه أكثر، أليس كذلك؟
ريم الشخصية المقابلة لجيهان، استقبلها القراء بحفاوة رغم جرأتها، وأنانيتها، وبذاءتها، لأنها ضحية تفكك أسري، وغير مخادعة، والحُب كشفها أمام « أحمد الضوى »، فهربت خوفا من الحب. ومؤكد أن تناقضات النفس البشرية تُعمِّق الأعمال الأدبية، وأنا استخدمها بحساب، وأهتم بقراءة علم النفس والاجتماع، والقراءة فى العلوم المتصلة بالأدب شيء لا يستغنى عنه الأديب الحقيقي.
و«عماد» ضابط الشرطة ، الشرس ظاهرياً، بدا فى النهاية بعد الثورة ضعيفا وقليل الحيلة، ألهذا ترفقت به؟
القراء أيضا أحبواا «عماد» الباطش القوى المحب المخلص لحبه، الذى يعانى فى علاقته مع كارولين التى لم تحسن فهمه، وطبيعى أن يظهر ضعفه، وقلة حيلتها أثناء الثورة، مهما حاول إخفاءهما ليبدو قويا إلى أن تنتهى الأزمة من وجهة نظره. وهو كان من الرابحين فى النهاية، بعكس أحمد الضوى الذى استشهد برصاصة فى ميدان التحرير.
على ذكر «أحمد الضوي»، بطل الرواية، وهو مهندس كسول، لا يهتم بالسياسة، لكنه حين قامت الثورة انهمك فيها على الفور، وبادر بكتابة شعاراتها بخطه الجميل، وتفقد أحوال الثوار، وساعدهم، ومات برصاصة يوم موقعة الجمل فى الميدان. فما الذى يُحول إنسانأ لامباليا إلى ثورى فى لحظة هكذا؟ هل هى إمكانية إنسانية عامة، أم خاصية مصرية، نتحمل دهرا ونثور فى برهة؟
الرواية تحاول الإجابة عن هذا السؤال:ما الذى يدفع بشخص غير مشتبك بالواقع إلا فى حدود ملذاته، إلى التورط فى السياسة لدرجة المشاركة فى الثورة فور اندلاعها؟ هل لأنه يحب «جيهان» وتورط مع شِلتها، أم بسبب افتقاده ل «ريم» التى تركته، وأصبحت الحياة أقل أهمية، فأقدم على الانتحار بالتوغل فى الحدث الكبير؟ أم لأنه اكتشف متأخراً أن كل سنواته الفائتة كانت عبثية، وأراد أن يفعل شيئا إيجابياً؟ القارئ وحده يمكنه أن يقرر أسباب تحول «أحمد الضوي».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.