لدى المهندس أحمد عز أمين التنظيم بالحزب الوطنى المنحل، المقومات الكافية لمنحه رغد العيش، والهدوء، وراحة البال، وتوجيه جل تركيزه لرعاية شئونه التجارية والمالية والخاصة، أيضا لديه ما يكفى من الأسباب الوجيهة المقبولة التى تجعله يمعن التفكير قبل الانخراط فى العمل السياسى، والانغماس فى بحوره الآسنة مجددا، بعد تجربة سجنه، عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير. عمليا يضرب الرجل عرض الحائط بكل المقومات والأسباب والتوقعات المراهنة على أنه سيختار الانزواء والبعد عن الأضواء، مثلما فعلت قيادات نظام مبارك، ويصر بعزيمة لا تلين ولا تفتر على رفع راية التحدى فى وجه الجميع بترشحه للفوز بمقعد فى مجلس النواب القادم دون أن يكترث بانطباق شروط الترشح من عدمه عليه واحتمال استبعاده، أو مستوى القبول العام لعودته للعمل السياسى. فنحن أمام لغز معقد ومحير، فالمنطق يفرض على المرء النظر فى دفاتره القديمة، واستخلاص العبر والفوائد مما خاضه من تجارب بحلوها ومرها، حتى يخرج برأى وموقف سديد فى خطواته القادمة، وفى حالة المهندس عز فإنها ليست واجبة فقط لكنها حتمية لأبعد حد يمكننا تصوره. غير أن الظاهر أمامنا أنه غير مرحب ولا مستعد للالتزام بتلك القاعدة، وبما أن الحال كذلك فقد وضع عز نفسه اختياريا فى امتحان صعب وعليه الاجابة عن الأسئلة الاجبارية الآتية: أولا: مَنْ تتحدى بالضبط؟ إن كنت تتحدى نفسك فأنت حر فافعل ما تشاء وقتما تشاء وحيثما تشاء، لكنك فى الواقع تتحدى وتقف فى وجه غالبية المجتمع المصرى الرافض عودة عقارب الساعة للخلف إلى عهد عانى وقاسى فيه المصريون الذين يحصدون حتى الآن الثمار المرة لزمن حسنى مبارك ورفاقه من السياسيين ورجال الأعمال الذين تعاملوا مع البلد وكأنه ابعدية خاصة يحق لهم التصرف فيها بالطريقة التى يحددونها، وتتوافق مع تصوراتهم ومخططاتهم وخرج الشعب ومعاناته من حساباتهم وتفكيرهم إلى أن ثار الناس وخرجوا للميادين والشوارع وعلت أصواتهم وهتافاتهم الرافضة لبقاء نظام مبارك وحاشيته والفساد الذى استشرى وغطى الجسد المصرى بكامله. أنت إذن تتحدى المجتمع ياسيدى ففى ظنك لمَن ستكون الغلبة فى نهاية الجولة؟ ثانيا: هدفك من الترشح ، وماذا ستضيف عضويتك بالبرلمان؟ فالغرض لا يقتصر على مقعد تحت قبة البرلمان لخدمة أهالى الدائرة الكرام، فقد سبق لك تمثيل دائرتك الانتخابية لفترة لا بأس بها فى السابق، ومن ثم لن يكون هناك جديد مقدم من جهتك، اللهم إلا إذا كانت المسألة تتصل ببعد أكبر يخص تشكيل كتلة برلمانية تتحكم فى اختيار رئيس وزراء البلاد المرتقب بعد اجراء الانتخابات البرلمانية، والبرهنة على قدرتك على تسيير الدفة فى اتجاهات بعينها، واستعادة المجد السياسى القديم. ثم الا تستحق أخطاء الماضى السياسية المحاسبة والمراجعة؟ فبحكم منصبك القيادى فى الحزب الوطنى تتحمل ولا ريب مسئولية عظمى فيما آلت إليه أحوال البلاد والعباد من تدهور وسوء على الأصعدة الاقتصادية، والمالية، والاجتماعية، والصحية والمعيشية، فهل تم اغلاق هذه الصفحة؟ كلا لأننا حتى هذه اللحظة لم نر مراجعة ولا ندما من جانب اقطاب الحزب، ولم نر ما يؤكد ويفيد باستيعابه وهضمه لدروس ثورة 25 يناير واستعداده للدخول فى مراجعات حقيقية يفند فيها الأخطاء والمسارات الخاطئة التى سلكها وكانت سببا فى تدهور أوضاع المحروسة، فالأحزاب المهزومة فى الانتخابات بالدول المتقدمة تحرص على المراجعة وبيان الأخطاء حتى تتجنبها فى مقتبل الأيام، فما بالك بحزب ثار الشعب على حكمه وخلع رئيسه. فمما نتابعه حاليا نرى العكس تماما فأعضاء الوطنى يتصرفون وكأنهم استردوا عرشهم المختطف من قبل الجماهير، ويسعون حثيثا للعودة للبرلمان واستئناف سيرتهم، واتباع نفس الأساليب للاستحواذ على عقول وأصوات الناخبين بوعود توظيف الأبناء، والتصالح فى مخالفات البناء والتعدى على الأراضى الزراعية، وحضور الأفراح والمآتم، وتوزيع الشاى والسكر والسلع التموينية الأخرى .. الخ. فالمحرك هو المنفعة والمصلحة وليس الوطن، وبالتالى ندور فى ذات الدائرة بدون نتيجة ايجابية مرجوة، بناء عليه لا يجوز منح بقايا الحزب الوطنى فرصة ثانية للظهور فى الكادر بعد ثورتين على الفساد والمحسوبية، وإساءة استغلال السلطة، وإعطاء صلاحيات غير محدودة لرجال الأعمال. وإن سمحنا بظهورهم مرة أخرى فرد الفعل سيكون سيئا للغاية، فالإحباط سوف يتسرب لجموع غفيرة من المواطنين، وسيقودهم احباطهم وغضبهم إلى الامتناع عن مغادرة منازلهم للاقتراع، لأنهم سيقولون ما الفائدة من نزولنا وارهاق أنفسنا إن كنا سنعود لعصر الانتهازية، والنفعية، فالمصريون ثاروا على الظلم، والفساد، والافساد، وخلط الدين بالسياسية ولا يجب اجهاض أحلامهم فى مهدها بالسماح لمَن ساعدوا وساهموا فى استشراء الظواهر السالفة بالجلوس تحت قبة البرلمان. ثالثا: ما هو مشروعك السياسى؟ دعونا من الخطب والتصريحات الانشائية الرنانة التى امتلأت بها الصحف والبرامج وقت أن كان الحزب الوطنى قابضا على السلطة، فكلها كانت للاستهلاك المحلى ولإظهار أن هناك حركة تأخذ بيد البلاد صوب التقدم والتحضر، بينما الحقيقة أنها رسخت وعززت الوضع القائم بكل ما فيه من سوءات واختلالات وعيوب. فهل يتضمن مشروعك السياسى ما يدعم بناء نظام سياسى قوى عماده التعدد والتنوع الحزبى وليس الحزب الواحد، وتداول السلطة، والتنشئة السياسية الصحيحة والسليمة، أم أنه سيكون نسخة محدثة من نظام الحزب الوطنى؟ إن المواطن أحمد عز مدعو للإجابة عن النقاط السابقة لكى نفهم السر وراء اصراره وتشبثه باسترداد مقعده البرلمانى. لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي