دخلت المنطقة أخطر جولات الصراع الدائر في كل من سورياوالعراق واليمن وليبيا، وفشلت مباحثات موسكو الأخيرة في ترطيب الأجواء بين الأطراف المتصارعة، قبل أن تصل دوامة الصراع إلي حد انفجار شامل يخرج عن نطاق السيطرة، ويحترق فيه الجميع. عقب جولة المباحثات التي حضرها الرئيس السيسي خلال زيارة موسكو، بدأت روسيا جسرا جويا يحمل أحدث الطائرات والصواريخ إلي سوريا، مع إعلان روسي واضح بتأكيد شرعية الرئيس السوري بشار الأسد، وأن لا أحد له حق التدخل في تقرير مصير حكمه إلا الشعب السوري، في الوقت الذي كان فيه العاهل السعودي في زيارة استثنائية إلي واشنطن، بعدها بدأت أمريكا تشارك في الغارات الجوية علي اليمن، وأصدرت الإدارة الأمريكية بيانا غاضبا من الدعم الروسي لسوريا، وأشارت إلي أن السلاح الروسي يمكن استخدامه ضد القوات الأمريكية، في اشارة صريحة لاحتمال التدخل العسكري الأمريكي في سوريا. وسط هذه الأجواء التي تشتد سخونة، بدأت أوسع عمليات النزوح للاجئين السوريين إلي أوروبا، التي لا يمكن أن تكون تلقائية، ولعب فيها أردوغان الدور الرئيسي، حيث كانت تركيا المعبر الأساسي لتحرك موجات المهاجرين عبر البحر المتوسط أو المنافذ البرية لأوروبا الشرقية، وهو ما أثار المخاوف من احتمال تغييرات سكانية في المنطقة، خاصة مع ورود معلومات عن سعي أردوغان لاستقدام سكان من الأقلية التركستانية «الايجور» من الصين، وتدريب مقاتلين منهم في معسكرات تركية، إلي جانب الأقلية التركمانية في كل من العراقوسوريا، في الوقت الذي يهدد فيه أوروبا بقنبلة الهجرة، إذا ما تراخت في دعم مشروع احتلال الشمال السوري، بذريعة إقامة منطقة آمنة للنازحين. كانت قطر تنظم في نفس الأسبوع مؤتمرا للعراقيين السنة في الدوحة، دون تنسيق مع الحكومة العراقية، لتناقش مستقبل السنة في العراق، وكيفية دعم مخطط انشاء جيش مستقل، يحمل اسم الحرس الوطني، وهو ما أغضب حكومة بغداد التي رأت في التصرف القطري سلوكا عدوانيا، استدعي تدخل الجامعة العربية للحد من توسعه. كانت القوات البرية السعودية تحركت من جنوب السعودية لتدخل اليمن، وتصل إلي محافظة مأرب، لتبدأ حربا برية لا يمكن لأحد أن يتكهن بنتائجها، وكانت أولي ثمارها سقوط ما لا يقل عن 100 قتيل من قوات التحالف الخليجي، بعد إطلاق صاروخ باليستي علي معسكرهم في مأرب، وهو العدد الأضخم لضحايا الحرب اليمنية في صفوف التحالف الخليجي حتي الآن، لترد السعودية بأنها تستهدف دخول العاصمة صنعاء، بما يعني احتمال التوغل عميقا في دروب جبال اليمن الصعبة، ودخلت قطر علي خط الحرب اليمنية، وأرسلت ألف مقاتل، إلي جانب أنصار الرئيس عبدربه منصور هادي، المتحالف مع حزب الإصلاح الإخواني وعناصر من تنظيمي القاعدة وداعش، لتختلط الأوراق في عاصفة هوجاء، تتقلب فيها التحالفات. إيران لم تكن صامتة، فبعد اتفاق تسليم موسكو لطهران أحدث منظومات الدفاع الجوي، كانت القوات الإيرانية تواصل مناوراتها العسكرية التي لا تكاد تتوقف، مع تحركات سياسية نشطة، تحت شعار التوصل إلي حلول سلمية لأزمات المنطقة، في محاولة لكسر العزلة، وكسب التأييد بعد اتفاقها النووي. يدرك الجميع أن إقامة تحالف دولي حقيقي يقضي علي قوات الجماعات الإرهابية في سوريا أو العراق، سوف يصب في مصلحة التحالف الإيراني السوري العراقي، والذي يضم حزب الله اللبناني، وتدعمه روسيا بشكل قوي، ومن خلفها الصين، لأن خروج داعش والنصرة والجماعات الإرهابية الأخري سيترك الأرض لجيشي سورياوالعراق، ولن تكون هناك أى ضغوط يمكن أن تجبر أيا من سورياوالعراق علي منح أي مكسب للمعارضة «المعتدلة»، والتي فشلت أمريكا في دفع بضع مئات من عناصرها إلي شمال سوريا، وجري أسر معظمهم بأيدي الجماعات الإرهابية. توقف القتال في اليمن سيكون من شأنه التسليم بسيطرة الحوثيين وحلفائهم علي الأرض، فلم تفلح 5 آلاف غارة جوية عن تغيير موازين القوي علي الأرض، حتي في عدن عاصمة الجنوب، التي دخلتها قوات برية محمولة بحرا، لكنها لم تتمكن من التقدم إلي تعز، ولم يكن هناك مفر من التورط البري، للحصول علي نصر يكفي لتحقيق مكاسب عند دخول أي مفاوضات. كانت الجبهة الليبية هي الأقل سخونة، وبدأت تحقق الجهود السياسية المدعومة بضغط مصري من تحريك محادثات السلام، وإن لم تصل إلي حل، فإنها خففت كثيرا من حدة المعارك، تحسبا لاختراق سياسي بالتعاون مع تونس والجزائر، أو بالدعم المباشر للقوات الليبية والحكومة الشرعية لفرض أمر واقع جديد، يحرر ليبيا من الجماعات الإرهابية. هكذا بلغت المنطقة أقصي درجات السخونة، التي تكاد تصل إلى حد الاشتعال، فالمعارك في شمال سوريا وغرب العراق علي أشدها، والحرب البرية في اليمن تنذر بمرحلة أشد ضراوة، بينما القوات الجوية الأمريكية تربض في قاعدة انجرليك التي فتحتها تركيا للقوات الأمريكية، التي بدأت غاراتها تنطلق من الحدود التركية المتاخمة لخطوط التماس، في وقت يسعي فيه أردوغان لاستغلال حالة الفوضي، ويرفع من وتيرة الصراع مع الأكراد، ربما يتمكن من تحقيق كسب ما يعوض به بعض خسائره. لم تشهد المنطقة مثل هذه الحالة في تاريخها الحديث، وباتت علي شفا زلزال مدمر، قد يغير من خريطة المنطقة، ويمحو أجزاء منها، وهناك بصيص أمل في أن تدرك جميع أطراف الصراع أن الخسائر ستكون أفدح من خلال توسيع نطاق الحرب، وأن الجلوس علي طاولة التفاوض ستكون خسائره أقل بكثير، لكن يبدو أن «ساعة القضا يعمي البصر»، وقد يتأخر الإدراك إلي ما بعد فوات الأوان. لمزيد من مقالات مصطفى السعيد