سابع سلاطين الدولة العثمانية، يُلقب، إلى جانب «الفاتح»، بأبي الفتوح وأبى الخيرات، وبعد فتح القسطنطينية أضيف لقب «قيصر» إلى ألقابه. حكم ما يقرب من ثلاثين عامًا عرفت توسعًا كبيرًا للخلافة الإسلامية. وهو من قضى نهائيًا على الإمبراطورية البيزنطية بعد أن استمرّت أكثر من أحد عشر قرنًا، ويعتبر الكثير من المؤرخين هذا الحدث خاتمة العصور الوسطى وبداية العصور الحديثة. وُلد محمد الثاني، 1429 م في مدينة أدرنة، عاصمة الدولة العثمانية آنذاك. وعندما بلغ ربيعه الحادي عشر أرسله والده السلطان إلى «أماسيا» ليكون حاكمًا عليها وليكتسب شيئا من الخبرة اللازمة لحكم الدولة.. وخلال الفترة التي قضاها حاكماً على أماسيا، كان والده السلطان مراد الثاني قد أرسل إليه عددًا من المعلمين وأهمهم المولى «أحمد بن إسماعيل الكوراني والشيخ آق شمس الدين» الذى كان له أثر كبير فى تكوين شخصية محمد الفاتح. تربّع السلطان محمد الثاني على عرش الدولة العثمانية بعد وفاة والده، فأخذ يستعد لإتمام فتح ما بقي من بلاد البلقان ومدينة القسطنطينية، فقام بتقوية الجيش العثماني بالقوى البشرية حتى وصل تعداده إلى قرابة ربع مليون جندي، كما عني عناية خاصة بتدريب تلك الجموع على فنون القتال المختلفة وبمختلف أنواع الأسلحة والمدفعية الثقيلة التي تؤهلهم للغزو الكبير المنتظر، وقام بتحصين مضيق البوسفور لمنع المدد لمدينة القسطنطينية، واهتم محمد الفاتح بالأسطول العثماني فعمل على تقويته وتزويده بالسفن المختلفة، وقبل هجومه على القسطنطينية عقد معاهدات مع أعدائه المختلفين ليتفرغ لعدو واحد. قاد الفاتح بنفسه قواته إلى مشارف القسطنطينية في يوم الخميس 6 أبريل 1453 م، وضرب الحصار على المدينة بجنوده من ناحية البر، وبأسطوله من ناحية البحر، وأقام حول المدينة أربع عشرة بطارية مدفعية. وفي هذا الوقت كان البيزنطيون قد قاموا بسد مداخل ميناء القسطنطينية بسلاسل حديدية غليظة حالت بين السفن العثمانية والوصول إلى الميناء، بل دمرت كل سفينة حاولت الاقتراب. بعد هذا الأمر، أخذ السلطان يُفكر في طريقة لدخول مراكبه إلى الميناء لإتمام الحصار برّاً وبحراً، فخطر بباله خطة اقرب إلى الخيال، وهى أن ينقل المراكب على البر ليجتازوا السلاسل الموضوعة لمنعها، وتمّ هذا الأمر بأن مهدت الأرض وسويت في ساعات قليلة وأتي بألواح من الخشب دهنت بالزيت والشحم، ثم وضعت على الطريق الممهد بطريقة يسهل بها انزلاج السفن وجرها، وبهذه الكيفية أمكن نقل نحو سبعين سفينة وإنزالها الى الميناء على حين غفلة من البيزنطيين. استيقظ أهل المدينة صباح يوم 22 أبريل وفوجئوا بالسفن العثمانية وهي تسيطر على الميناء، ولم يعد هناك حاجز مائي بين المدافعين عن القسطنطينية وبين الجنود العثمانيين، وعند الساعة الواحدة صباحاً من يوم الثلاثاء 29 مايو، 1453م بدأ الهجوم العام على المدينة، فهجم مائة وخمسون ألف جندي وتسلقوا الأسوار حتى دخلوا المدينة بعد 53 يومًا من الحصار، ثم دخل السلطان المدينة عند الظهر وتوجه إلى كنيسة آيا صوفيا وقام أحد الرهبان بفتح الأبواب له فطلب من الراهب تهدئة الناس وطمأنتهم والعودة إلى بيوتهم بأمان، وقد أعطى السلطان للنصارى حرية إقامة الشعائر الدينية واختيار رؤسائهم الدينيين، ثم قام بجمع رجال الدين المسيحيين لينتخبوا بطريركًا لهم، وأعطاهم نصف الكنائس الموجودة في المدينة، أما النصف الآخر فجعله جوامع للمسلمين. وبتمام فتح المدينة، نقل السلطان محمد مركز العاصمة إليها، وسُميت «إسلامبول»، أي «مدينة الإسلام». اما عن وفاته، فلقد عرض أهل البندقية على طبيبه الخاص «يعقوب باشا» وهو ايطالى المولد أن يقوم هو باغتياله، عندما علموا ان الفاتح سيقوم بغزو بلادهم، فبدأ يعقوب يدس السم تدريجيا للسلطان. وتوفى السلطان في يوم3 مايو عام 1481م، عن ثلاث وخمسين سنة، ومدة حكمه 31 عاما، وانتشر خبر وفاة السلطان في أوروبا، وراحت الكنائس في أوروبا تدق أجراسها لمدة ثلاثة أيام بأمر من البابا. ودُفن السلطان في أحد الجوامع التي أسسها في الآستانة، وترك وراءه سمعة مهيبة وتاريخا قويا في العالمين الإسلامي والمسيحي. لمزيد من مقالات د. محمد رضا عوض