«الزراعة» : منتجات مبادرة «خير مزارعنا لأهالينا» الغذائية داخل كاتدرائية العباسية    بعد إنقاذها من الغرق الكامل بقناة السويس.. ارتفاع نسب ميل سفينة البضائع "لاباتروس" في بورسعيد- صور    المصري يفوز على الطيران بهدفين نظيفين استعدادًا لمباراة الداخلية بالدوري    حفل ختام برنامج «دوى» و«نتشارك» بمجمع إعلام الغردقة    أزمة الضمير الرياضى    مونفيس يودع بطولة مدريد للتنس مبكرا    هاني شاكر يحيي حفل عيد الربيع في دار الأوبرا (تفاصيل)    «سعيد بوجودى في هذا الصرح العظيم».. الملك السابق أحمد فؤاد يزور مكتبة الإسكندرية صور    منى الحسيني ل البوابة نيوز : نعمة الافوكاتو وحق عرب عشرة على عشرة وسر إلهي مبالغ فيه    وزارة التخطيط وهيئة النيابة الإدارية يطلقان برنامج تنمية مهارات الحاسب الآلي    المرصد الأورومتوسطي: إسرائيل منعت دخول المساعدات لغزة منذ بدء العدوان    خبير سياسات دولية: اللوبي الإسرائيلي ما زال يضغط على الولايات المتحدة (فيديو)    جمعة فى مؤتمر رابطة العالم الإسلامى بالرياض: نرفض أى محاولة لتهجير الشعب الفلسطينى وتصفية قضيته    سيناء من التحرير للتعمير    تنمية شاملة بعد عقود من الإهمال| مشروعات زراعية وصناعية وبنى تحتية فى كل شبر من أرض الفيروز    تحرير سيناء.. «قصة كفاح نحو البناء والتنمية» ندوة بمجمع إعلام قنا    البورصة المصرية.. أسعار الأسهم الأكثر ارتفاعًا وانخفاضًا اليوم الأربعاء 24-4-2024    مباراة حسم لقب الدوري الفرنسي.. مبابي يقود باريس سان جيرمان أمام لوريان    إخماد حريق نشب داخل مصنع بالوراق    ارتفع صادرات الصناعات الهندسية ل1.2 مليار دولار بالربع الأول من 2024    البورصة تقرر قيد «أكت فاينانشال» تمهيداً للطرح برأسمال 765 مليون جنيه    عاجل.. تنبيه مهم من البنوك لملايين العملاء بشأن الخدمات المصرفية    تعرف على إجمالي إيرادات فيلم "شقو"    عناوين مكاتب تطعيمات الحج والعمرة بمحافظة كفر الشيخ ومواعيد العمل    عاجل من الصحة بشأن منع هذه الفئات من الخروج في الموجة الحارة (فيديو)    فوز مصر بعضوية مجلس إدارة وكالة الدواء الأفريقية    العروسة في العناية بفستان الفرح وصاحبتها ماتت.. ماذا جرى في زفة ديبي بكفر الشيخ؟    طلاب كولومبيا: لن ندخل في مفاوضات مع إدارة الجامعة    هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية: تلقينا بلاغ عن وقوع انفجار جنوب شرق جيبوتي    أوراسكوم للتنمية تطلق تقرير الاستدامة البيئية والمجتمعية وحوكمة الشركات    قريبا.. مباريات الدوري الإسباني ستقام في أمريكا    عيد الربيع .. هاني شاكر يحيى حفلا غنائيا في الأوبرا    حكم الاحتفال بشم النسيم.. الإفتاء تجيب    هل هناك أذكار وأدعية تقال في الحر الشديد؟.. رد واضح من الإفتاء    أدعية التوفيق والتيسير في الدراسة.. الأخذ بالأسباب مفتاح النجاح    إجازة شم النسيم 2024.. موعدها وعدد أيامها بعد قرار مجلس الوزراء بترحيل الإجازات    10 توصيات لأول مؤتمر عن الذكاء الاصطناعي وانتهاك الملكية الفكرية لوزارة العدل    بلطجة وترويع الناس.. تأجيل محاكمة 4 تجار مخدرات بتهمة قتل الشاب أيمن في كفر الشيخ - صور    تضامن الغربية: الكشف على 146 مريضا من غير القادرين بقرية بمركز بسيون    خدماتها مجانية.. تدشين عيادات تحضيرية لزراعة الكبد ب«المستشفيات التعليمية»    حزب الحركة الوطنية يناقش خطة عمل المرحلة المقبلة والاستعداد لانتخابات المحليات    مديريات تعليمية تعلن ضوابط تأمين امتحانات نهاية العام    نصيحة الفلك لمواليد 24 إبريل 2024 من برج الثور    الصين تعلن انضمام شركاء جدد لبناء وتشغيل محطة أبحاث القمر الدولية    تفاصيل مؤتمر بصيرة حول الأعراف الاجتماعية المؤثرة على التمكين الاقتصادي للمرأة (صور)    تأجيل محاكمة 4 متهمين بقتل طبيب التجمع الخامس لسرقته    حقيقة حديث "الجنة تحت أقدام الأمهات" في الإسلام    مهرجان الإسكندرية السينمائي يكرم العراقي مهدي عباس    دماء على «فرشة خضار».. طعنة في القلب تطيح بعشرة السنين في شبين القناطر    نقيب «أسنان القاهرة» : تقديم خدمات نوعية لأعضاء النقابة تيسيرا لهم    تقديرات إسرائيلية: واشنطن لن تفرض عقوبات على كتيبة "نيتسح يهودا"    أيمن الشريعى: لم أحدد مبلغ بيع "اوفا".. وفريق أنبى بطل دورى 2003    هل يجوز أداء صلاة الحاجة لقضاء أكثر من مصلحة؟ تعرف على الدعاء الصحيح    الاتحاد الأوروبي يطالب بتحقيق مستقل بشأن المقابر الجماعية في غزة    القبض على 5 عصابات سرقة في القاهرة    للقضاء على كثافة الفصول.. طلب برلماني بزيادة مخصصات "الأبنية التعليمية" في الموازنة الجديدة    الحج في الإسلام: شروطه وحكمه ومقاصده    بشير التابعي: أتوقع تواجد شيكابالا وزيزو في التشكيل الأساسي للزمالك أمام دريمز    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد حسن شبريه
نشر في الأهرام اليومي يوم 13 - 04 - 2012

جلس الجميع في مقاعدهم‏.‏ ربطوا الأحزمة‏.‏ قلوبهم مضطربة ونظراتهم مشتتة صوب زجاج كابينة الطائرة الهليوكوبتر‏.‏ نظر قائد الطائرة لمن خلفه وابتسم. الجميع بادله الابتسامة وهم يدارون ما بهم من وجل ويستنشقون هواء الشاطئ المظلم.. أغلق الباب بهدوء, وبدأ تشغيل المحرك والمروحية العلوية للطائرة.
لم يصله بعد الإذن بالتحليق. نظر لتابلوه العدادات راجع الضغط والحرارة وخارطة السير والهدف المراد الوصول اليه, والساعة التي لم يتم تحديدها بعد.
حاول ان يشعل سيجارة ولكن وجود من خلفه منع يده من الوصول لعلبة سجائره الذهبية الرابضة داخل الجاكت الازرق ذي الشارات الصفراء.
الجميع في ترقب وانتظار.
الرجل والمرأة وولداه وباقي أفراد الاسرتين. وسبقتهم حراستهم الخاصة.
ازيز المروحة واهتزاز الطائرة ساعد الجميع في اعادة التفكير بهدوء وتركيز لما هو قادم.
..
..
- في شقته بالدور الحادي عشر من مبني الفورسيزون المطل علي النيل. جلس فريد نضر في الفراندة الفسيحة ذي الاعمدة الرخامية وامامه الترابيزة المستديرة وعليها الفاكهة والشراب ممدا ساقاه علي حافة الكرسي الهزاز المقابل له ناظرا لتلك البانوراما الممتعة والمتمازجة من الاضواء والالوان علي امتداد بصره لقاهرة المعز لدين الله.
المكالمات الهاتفية من قبل من دبي ولندن وفرنسا مهدت لوصول الرسالة. المضمون واضح. والتنفيذ سيتم كما سابقا. جذب نفسا عميقا من البايب ثم ابتسم متذكرا بانه الوحيد الذي يستطيع عمل كل شئ. حتي امن الدولة لا تقدر علي فعل ما كان يخطط له وينفذه. الوزارة تركها منذ سنوات ثلاث برتبة عميد لمشاغباته وتفضيله العمل الاجرامي الحر. حاول جاهدا وبذكاء تخريب المؤسسات وتجريفها من قيادتها الادارية كي تتعرض البلاد الي فراغ اداري وأمني. اهداف اتفقوا جميعا علي تنفيذها اثناء مقابلاتهم هنا او في مركب البكوات السياحي او في الشقة الفسيحة في عمارة اللؤلؤة بشارع حسن صبري بالزمالك كان هدفهم بعد الرحيل هو اثارة الفتنة الطائفية والتركيز علي الوقفات الاحتجاجية والفئوية والحرائق من خلال خريطة ادارية لكل المحافظات من رفع سقف المطالبات والالتجاء الي العنف والتهديد به.
.. بعيدا عن المخبرين ومجندي الامن المركزي والامن العام فإن له جهازه السري الخاص به هو وحده دون سواه الذي يقدر بكلمة من فمه او باشارة من اصبعه ان يقيم الدنيا ولا يقعدها. تنظيم لا احد يدري بوجوده رغم وجود افراده في طول البلاد وعرضها في ارض المحروسة. تنظيم نجح وقت ان كان في السلطة ان يلملم معالمه وينظمه ويسلحه ويدعمه بكل شئ ولأي مهمه كانت. تنظيم من المجرمين والبلطجية والمسجلين خطر. هم من اصبحوا وقود الانتخابات والتظاهرات والاعتصامات والاحتجاجات اصحاب الاسلحة البيضاء وزجاجات المولوتوف والطبنجات المسروقة من هنا وهناك ومحترفي القنص. كل ذلك كان بتوجيه ومباركة من فكره وتدبير عقله. نفذ وخطط من قبل بواسطة اولاد الشوارع المنتشرون في الازقة والحواري واشارات مصر المحروسة واسفل الكباري. الالاف المؤلفة قام بتجنيدها بواسطة معاونيه الاشداء المفصولين لسوء سلوكهم من جهاز الشرطة استقطب الجميع بالمال واصبحوا هم شرارة الوقود لاي تخريب او هدم او قتل. ابتسم وهو يتذكر ما تم هدمه من سجون في توقيت موحد وما تم حرقه من مقار الشرطة في لحظة واحدة وايضا مباني امن الدولة.
نظر للرسالة. قرأها ثانية وثالثة حرك رأسه يمينا ويسارا ببطء حتي سمع طقطقه فقرات عنقه. نهض من كرسيه وقد قرر البدء في العمل.
لأن المكافآت مجزية مقابل النهب والتظاهر والسرقة وذلك من اصحاب السعادة واصحاب المعالي وفوق كل ذلك اصحاب السلطة فهو لا يقدر علي رفضها. بل يباركها.
.. بواسطة الريموت أدار محرك السيارة الرابضة في اسفل المبني الفخيم. تلك السيارة والتي تم استيرادها في بداية العام والتي تم صنعها بمواصفات خاصة لفريد نضر صاحب الحظوة والجاه والتي دخلت البلاد دون ان يتم دفع جمارك لها نظير خدمات متبادلة بينه وبين الوزير الهارب خارج ارض المحروسة.
..
..
..اسفل اسد كوبري قصر النيل وقف ثلاثة من شباب ثورة25 يناير وفي الخلفية مبني الحزب الوطني المحترق. يتجاذبون الاحداث والذكريات الجميلة والمؤلمة. سخونة الحديث انساهم برودة تلك النسمات القادمة من نهر النيل الخالد.
بدهشة وتعجب تساءلت بسمة علوان:
- ماذا يعني وجود مسئولين كبار طلقاء والكل يعلم انهم سبب إفساد الحياة السياسية وذلك دون محاسبة؟!
بتهكم اضاف ابراهيم عطيه:
- وماذا يعني وجود مشبوهين علي رأس هيئات اعلامية كبيرة لها تأثير علي الرأي العام رغم الاحتجاجات المتواصلة علي وجودهم.
- موضحا قال سعد حنا:
- الثورة تعني اجراءات قوية وحاسمة وعادلة وفوق كل ذلك فورية.
واضاف ناظرا لظلمة نهر النيل:
- كل ما نراه يزيد القلق والتوتر والخوف
ثم واصل بمرارة في حلقه:
-هل المنطق يبيح اغفال اصوات ثمانية ملايين مصري من المشاركة في الاستفتاء بحجة انهم يعملون خارج مصر.
اضافت بسمة علوان بتأكيد:
- اصدقك القول يا سعد هي كارثة بكل المقاييس, ولكن من يضمن عدم التلاعب في نتيجتهم.
معترضا ومتسائلا قال ابراهيم عطيه: تلاعب لصالح من.
ثم بإصرار اضاف:
- من قال نعم قالها لصالح مصر ومن قال لا
مقاطعة قالت بسمة علوان:
- ما تقوله يا ابراهيم بعيد عن الحقيقة
موضحا قال سعد حنا:
- بسمة تريد القول بان الجماعات الدينية خاصة السلفية والتي تطالب باستماتة بدولة اسلامية. حورت الاستفتاء الي مسلك ديني والكل يعلم ذلك.
ضحك ابراهيم عطيه قائلا:
الم تشاهد الشيخ السلفي المليونير ذي اللحية البيضاء والتي تصل الي منتصف جسده صاحب الفيلا ذات الاربعة ادوار في السادس من اكتوبر- اللهم لاحسد- والذي كبر وهلل ووصف ما حدث بانه غزوة الصناديق.
مقاطعة بحنق قالت بسمة علوان: هذا الشيخ ذو الجلباب الابيض واللحية الطويلة هو الذي قال في بداية الثورة وقبل الرحيل ان الخروج علي مبارك فتنة كبري. ثم تساءلت بتحد: هل يقدر هذا الشيخ السلفي ان ينكر ما قاله.
ران الصمت علي الثلاثة رغم ضجيج السيارات القادمة والغادية واضوائها المتباينة علي كوبري قصر النيل في ليل القاهرة ولكن قسوة اللحظة فرضت عليهم التفكير.
.. بعد لحظة تساءلت بسمة علوان:
- وهل سنسير في ايامنا المقبلة بتفكير غزوة الصناديق.
معترضا وبأداء تمثيلي كما فعل الشيخ السلفي قال ابراهيم عطيه:
هيه دي بلدنا. واللي موش عاجبه يروح امريكا والا كندا.
وانفجر الجميع في الضحك ولكن المغلف بالبكاء المكتوم.
وذلك علي ما وصلت اليه احوال البلاد والعباد.
نظراتهم كانت صوب مبني الحزب المحترق بفعل فاعل وكل منهم يتساءل بينه وبين نفسه.
هل تتم سرقة الثورة.؟
في نفس اللحظة كانت السيارة الحديثة لفريد نضر والمتصلة بالاقمار الصناعية تمرق بجوارهم وهو يقودها بثبات متجها صوب هدفه المحدد ممسكا مقود السيارة بيده اليمني والبايب في فمه وساندا رسغ يده اليسري علي حافة النافذة اليسري للسيارة ذات المليون دولار.
..
..
.. من خلال سهرة تليفزيونية علي الهواء واثناء محاورته لضيوفه حول ثورة الشباب وما يعتريها من الدعوة للتحريض ضدها من الوزراء المسجونين وبقايا الحزب. وصلته الرسالة علي الموبايل الخاص به. وكانت رنة ذات اهتزاز.
.. كان الحضور يناقش ضرورة محاكمة رؤوس الفساد مع حتمية حل الحزب والاستيلاء علي أمواله وتحويل مقاره الي مكتبات ومنع المقبوض عليهم من الاتصال بذويهم.
.. بخفة. أخرج عامر النادي الموبايل الخاص به. ونظر للشاشة. ظهرت الرسالة. قرأها. استوعبها. اصابته رعشة ولكنه تمالك نفسه.
قال لمحدثه متلعثما اضافة علي مابه من مرض نفسي في اللجلجة حاول معالجته مع طبيبه النفسي منذ فترة طويلة دون فائدة:
طبعا لابد من محاكمة. بل سرعة محاكمة رؤوس الفساد. جميع رؤوس الفساد وأعوانهم.
مقاطعا أضاف الدكتور عمرو المتخصص في العلوم السياسية
وعلي رأسهم الثلاثة الكبار
تاهت الرؤيا بين ناظريه. كاميرا2 اقتربت من وجهه وأضاءت لمبتها الحمراء
هل هو مزاح ينه وبين المخرج رفيق دربه.
لقد حذره كثيرا من عدم تركيز اللقطات الزوم ان علي وجهه
نص الرسالة لا تريد أن تفارق ناظريه
(الكل يهديك التحية. انتظرنا)
.......
.......
في الديسك المركزي لجريدة الأنباء القومية جلس الجميع لتجهيز الصفحة الأولي, وكذلك المانشت الرئيسي. الكل منهمك في التحضير, سواء الموضوعات أو الصور أو الأخبار من وكالات الأنباء من خلال الشاشات المنتشرة علي طاولة الديسك: مكالمة تليفونية داخلية من رئيس التحرير لمدير التحرير المتلفح بالثورية اصابت الجميع بالوجوم. ناظرا لمدير التحرير تساءل سكرتير التحرير بقلق:
أي شيء تقصد ؟
ماسمعته!
قال المسئول عن تحرير صفحة شباب الثورة:
ماذا يقصد بالانتظار. لقد أزف الوقت والطبعة الأولي لم تصدر بعد
لم يجد مدير التحرير شيئا يشغل به نفسه سوي النقر الجاف علي حافة الطاولة وهو يحاول لملمة انفعالاته المبعثرة.
ثانية تساءل سكرتير التحرير:
هل حدثت ثورات أخري في أي دولة عربية أو عالمية ونحن في انتظار ماوصلت إليه كي تكون المانشت الرئيسي والخبر الأول للصفحة الأولي.
.. من خلال صمت الجميع كان ترقب رئيس تحرير جريدة الأنباء القومية الجالس في مكتبه الفخيم للحدث الذي وصل له عبر رسالة الموبايل وبدا في كتابة المقال الافتتاحي للجريدة. والذي يبشر بما هو قادم في حديقة ميدان التحرير تم نصب عدة خيام بسرعة لفتت انتباه أفراد الحراسة من الجيش.
تقدم الضابط مستطلعا عن سبب وجودهم
قال الأول: سلمية ومطالبنا مشروعة
وقال الثاني: نطالب الحكومة بحماية الثورة
وقال الثالث: ثورة الشباب يتم سرقتها جهارا نهارا
وقال الرابع والخامس والعاشر
احاط ضابط الجيش بنظراته الحضور في ذلك الليل وقال باقتضاب: لا أريد إثارة المشكلات علي الجميع الرحيل والا سأطبق القانون الجديد.
قال الثاني برجاء: نحن من محافظات مختلفة.
وقال الرابع بتوسل: وأماكن سفرنا بعيدة والليل حل
وقال السابع بتأكد: سيادتك أمهلنا للصباح وسنرحل
قال التاسع بتأكيد: هو وعد وسنقوم بتنفيذه لصالح مصر ولصالح الثورة.
بعد مهلة من التفكير وتقليب نظراته بين الوجوه الشاخصة حوله في شبه نصف دائرة ابتعد الضابط قليلا ناظرا للأضواء المختلفة من غدو السيارات ورواحها في ذلك الميدان الفسيح المترامي الأطراف والذي أصبح قبلة للزيارة من وزراء الخارجية ورؤساء الوزراء من دول العالم.
بهمس تساءل الثاني للأول:
من البداية. ونحن نتظاهر بجوار مسجد مصطفي محمود لم تواجدنا هنا الآن ؟
بأمر وهمس قال الأول: أصمت
ثم أضاف: هي الأوامر
وصل الضابط لمكان جنوده وقال لهم بثبات:
ليكن الجميع في يقظة. مفهوم
أجاب الجميع بتأكيد: تمام ياأفندم
.. تصاعد دخان البايب المتصاعد من نافذة سيارة فريد نصر والتي اقتربت من حديقة ميدان التحرير. تلاقت نظراته الثاقبة بنظرات المتظاهرين في الحديقة. تمهل قليلا. ابتسم لهم. وابتسموا له. وانطلق بسيارته بثبات علي أرض ميدان التحرير التي تشربت بدماء مصابي وشهداء الثورة. وذلك لتنفيذ ماتم التخطيط له سلفا
......
......
في شقة بعمارة اللؤلؤة الشاهقة بشارع حسن باشا صبري بالزمالك. كان الاجتماع حول طاولة مستطيلة مليئة بالأوراق وأكواب الشاي
قام صاحب المكان بتوزيع المهام علي كل فرد من خلال تلك الأوراق المحكمة الترتيب والصياغة والتنسيق.. هواء الغرفة الفسيحة تلبد بدخان السجائر وتكييف الهواء المركزي
تنحنح من كان في صدارة المائدة وقال بتؤده وهو يمسك الأوراق بين يديه السمينتين:
من لديه اقتراحات لعلاج مانحن فيه فليتحدث.
قال الوسيم الجالس في المنتصف:
لابد أن نغير صورتنا أمام الجميع
تساءل أحدهم باهتمام: كيف؟
قالت بتؤده وهو ينظر لوجه محدثه:
ننطوي تحت مسميات أحزاب اخري في ظل القانون الجديد
مستفسرا صاحب المكان وهو يشعل سيجارته بالولاعة الإلكترونية الذهبية قال:
نريد توضيحا اكثر
قال الوسيم المتطلع للقيادة:
طالما ان هناك نية لإلغاء الحزب عن طريق الأحكام القضائية المرفوعة والتي وصلت الي ستمائة وثلاثين دعوي.
فيمكننا انشاء ثلاثة أحزاب بدلا من حزب واحد تستقطب مليونين من اعضائنا.
لحظة من التفكير رانت علي الجميع ثم واصل ما انتهي اليه:
فليكن احدهم حزب الأمل الآخر الوحدة والثالث المستقبل والشروط التي أعلنت لتكوين الأحزاب نحن كفء لها.
قطع استرساله رنين الموبايل بوصول رسالة لصاحب المكان. امسكه. قرأ الرسالة, تنحنح وقال بهمس وبوجوم واهتمام أربك نظرات الجميع:
الموقف جد وليس بالهزل. وكل ثانية من الآن فصاعدا لا تقدر بمال فهي بالنسبة لنا إما حياة أو موتا.
تساءل المجاور له باهتمام مشوب بالحذر:
هل حانت ساعة الصفر
أومأ رأسه بالإيجاب وتمتم لنفسه:
ربما لن نحتاج الي إنشاء أحزاب اخري ونقنع بما هو قائم.
ثانية جذب نفسا من السيجارة المستوردة خصيصا من الخارج وأسند رأسه للخلف متنهدا بقلق في استراحة ذهنية قصيرة احترمها الحضور, وبدأ دخان السيجارة يتصاعد من فمه ببطء وهدوء.
أومأ رأسه. ثم جذب نفسا عميقا من السيجارة وأخذ ينفثه في حلقات متباعدة ناظرا للنجفة العملاقة المدلاه وسط القاعة بكريستالاتها الحره المتلألئة وأضوائها المبهرة والتي أهداها له أحد المسئولين العاملين في قصر محمد علي بالمنيل. تلك النجفة والتي عاصرت حكم مؤسس الدولة المصرية الحديثة من قام بالنهوض بمصر, والتي كانت قابعة في سقف إحدي قاعات ذلك القصر المنيف.
..........
..........
أصاب فكرها التبلد. فكان نتيجته أن أخذت تسير في حجرتها بالدور الثاني في الفيلا القابعة في التجمع الخامس دون هدي وهي تحادث نفسها كأن شخصا يواجهها.
كرسي الوزارة أوحشني كثيرا... وتقبيل يد سيدة مصر الأولي شرف كبير حرمني منه صبية الثورة وصغارها. لثقتهم اوكلوا الي قيادة ذلك القطاع العريض من جموع العاملين في ربوع الوطن وحدث ما حدث. وها هم اليوم قادمون وأنا في شوق لعودتهم المظفرة ورؤيتهم المحببة لقلبي وعقلي وفؤادي. ساقاي تؤلماني. سأجلس. قلبي يضطرب ورؤياي مشتتة. أجل سأجلس واهدأ قدر استطاعتي. يداي ترتعشان ولكني سأتمالك نفسي مرحي بكم يا أحبابي ولكن اين علاج السكر والضغط كي أقدر علي مواجهة اللحظة الفاصلة.
..........
..........
في مركب الباكوات السياحي الرابض في نهر النيل الخالد في الجيزة جلس الحضور في القاعة المكيفة الهواء تحيطهم الحسناوات وهن يتبادلن النكات الخارجة ويتجرعن الكئوس الصفراء والحمراء والبيضاء.
ضحكت الجميلة ذات الأرداف الممتلئة ومالت برأسها علي صاحب الشارب الكثيف هامسة بمياصة:
كثرة التفكير تولد الهم يا باشا
عبثت بأصابعها في شعره وحاولت اخراجه من شروده قائلة:
ياباشا أنت رجل المهام الصعبة وأضافت:
هل هذا وقت التفكير لا تجعل دمك ثقيلا ياباشا البلد بلدنا واللي موش عاجبه يروح هناك
وضحكت بمياصة واضافت: هه هيؤ. والا هناك
ابتسمت اسارير الرجل وضمها لصدره في قبله عريضة
اقترب السكرتير الخاص من ركنه القصي ممسكا بين يديه الموبايل الخاص بصاحب الشارب الكثيف. بصوت منخفض قال:
عفوا يا باشا الموبايل. أصدر نغمة. رسالة.
بامتعاض وهي تبعد يد السكرتير بما يحمله في يده قالت الجميلة:
هل هذا وقته؟
قال الباشا وهو يمسك الموبايل من يد سكرتيره:
الصبر يا غاليتي
قالت وهي تداعبه: لو كانت رسالة لها قيمة هل سيكون لي الحلاوة
قال وهو يضغط علي زر إظهار الرسائل:
حلاوة اكثر من حلاوتك ماتبقاش حلاوة.
ضحك وضحكت الجميلة وسرعان ما قرأ الرسالة عدة مرات. أصابه القلق وتصبب العرق حتي بلل طرف ياقة قميصه الأصفر. هي لاحظت ذلك. تساءلت من فورها:
خيرا؟
تمتم بكلمات لم تصل لأبعد من شفتيه: خيرا
أضاف متمتما لنفسه: راحت السكرة وجاءت الفكرة.
جبت الجميلة من الوجوم الذي افترس تضاريس وجه الرجل.
سائله بقلق مشوب بالحذر:
هل يعقل ان الرجل الذي قلب ميدان التحرير رأسا علي عقب في موقعة الجمل يصاب هكذا بالفكر والوجوم اي شيء حدث؟
من خلال صمته واصلت ضاحكة كي تسري عنه:
هل تفكر في موقعة اخري يا باشا
ثم توقفت عن الكلام للحظة وتساءلت:
ولكن أي شيء ستطلقها عليها هذه المرة
طويلا نظر لتقاطيع وجهها الفاتن وقال وهو ينهض:
المعركة القادمة. هي. معركة الرسالة
اصابها الوجوم وهو يضع المحمول في الجيب الأيسر لجاكت بدلته الخضراء ورباط عنقه الأحمر المستورد من الخارج بالاف الدولارات وقف وتمشي قليلا بدون هدف وسط نظراتها ونظرات الحضور وضحكاتهم وقفشاتهم. ولهوهم ولغطهم.
اصابه الملل من كثرة النظر للمراجع القانونية القابعة في مواجهته بعرض الحائط وهو جالس هكذا علي كرسي الفوتيه الوثير داخل حجرة مكتبه بشقته الفخيمة بحي جاردن سيتي. تمتم لنفسه مطمئنا محدثا حالة من الونس بينه وبين نفسه:
عملوها الصغار. اقلامنا في الصحف القومية والخاصة تقوم بنجاح بتلميع المراهقين سياسيا من شباب الثورة والذين يتوسمون في أنفسهم الزعامة وذلك ببريق الاعلام. حتي ان الكثير منهم أصابهم الخيلاء والزهو وأصبحوا مثل البالونة المنتفخة وهذا ما نبتغيه.
اعتراضي كان علي وجود مجلس شعب بدون معارضة ولكن اصحاب الصوت الفولاذي قالوا ان المعارضة ستولد من رحم الديمقراطية الوطنية وأن ذلك تمهيد للتوريث وها هما المجلسان ينفضان بقرار من المجلس الاعلي للقوات المسلحة.
الانتخابات قادمه وسيتلهي الناس في حلبتها ما بين فائز وخاسر. اعضاء الحزب يحاولون تجميع صفوفهم لخوض الانتخابات. الساحة خالية سوي من الاخوان. اعضاء الحزب كثر ولهم ارضية في واقع المجتمع خلال ثلاثين عاما في كنف السلطة ومجدها وسطوتها وسيطرتها.
.. لا.. هذا ليس وقت الحديث عن الانتخابات أو الحزب هذا وقت الجد. هل حانت ساعة الوصول للقمة والنيل من الصغار.. نحن اصحاب الجاه والسلطة والثروة. الكلمة العليا لنا. اقتربي يا ساعة الصفر وسنعرف وقتها من هو علي صواب ومن يسير في نهج الخطأ. نحن قوم استلمنا قيادة الوطن منذ نعومة اظفارنا وحتي شابت شعور رءوسنا نحن شرفاء. وطنيون اقوياء ولا توجد بطحة علي رءوسنا كي نتحسسها. اقتربي يا ساعة الصفر اقتربي.
..........
..........
انتهي من الصلاة ومسح ذقنه بكف يده اليمني واصابه الاجهاد من كثرة التفكير الرسالة واضحة ومعروفة سلفا. ولكن هل سيقبل الاخوة تبعاتها؟. فرصة القفز علي الحكم اصبحت قاب قوسين أو ادني لقد اثبتنا وجودنا خلال الاستفتاء الاخير كما شهد لنا الكل وسنضمن ان شاء الله حصد مقاعد مجالس الشعب والشوري المقبلة وسيكون لنا الاغلبية وبذلك سيكون الرئيس القادم من داخل صفوفنا نحن. نحن الذين سنحكم ونتحكم وليس غيرنا. خلال الايام الماضية اثبتنا وجودنا وأصلنا وجذورنا من خلال شاشات التلفاز والجرائد والاذاعة والمظاهرات. ااااه. الايام حبلي بالمفاجآت.
هل ما نلمسه الان ونعايشه افضل.!.
ام القادم وما تخبئه لنا الايام.؟
لابد من استشارة الاخوة جميعا. الوقت ضيق. ولكن لابد من إطلاعهم علي كل شيء ولا خاب من استشار ولله الامر من قبل ومن بعد.
انتهي من صلاة ركعتي الاستخارة نهض طوي سجادة الصلاة. واتجه صوب الموبايل وأدار الرقم السري والخاص بمن بيده الحل والربط في الجماعة.
الوضع اكبر من تفكيره. اجل. اكبر من تفكيره.
..........
..........
حاول مأمور السجن ومن معه الاعتراض ولكن رصاصات الغدر عاجلته في صدره قبل ان تمتد يده لسلاحه الخاص اتجه المقتحمون ناحية الباب المؤدي للداخل وفي يد كل منهم سلاحه الالي.
البلدوزر اكمل مهمته بهدوء في اقتحام السور الخلفي للعنابر الخمسة بينما اصطفت سيارات الدفع الرباعي اليابانية حديثة الصنع السوداء بحراستها أمام السور الذي بدأ ينهار وتتصاعد اتربته في ظلام تلك المنطقة الخالية من البشر والتي اختلطت مع صيحات الحرس الداخلي وطلقاتهم المتفرقة والتي تاهت خلال خروج الافراد ذوي السترات البيضاء وسط الغبار المتصاعد من كشافات السيارات الرابضة. تقدمت السيارات السوداء تستقبل الخارجين من عنابرهم.
الصمت خيم علي الجميع.
افراد الحراسة الخاصة قاموا بأداء التحية لهم. فتحت الابواب وبدأ الجميع في الولوج لداخلها أغلقت الابواب وصعد الحرس برشاشاتهم الالية علي حافة السيارات في أثناء انطلاقها شاهرين اسلحتهم في وجه الظلام. انطلقوا كل يعلم مبتغاه ومقصده. رنين الموبايلات تصاعد من خلال ابتعاد السيارات.. وفي الخلف كانت السيارة الحديثة يقودها فريد تعد وهو ينفث دخان البايب بهدوء في اتجاه مبني الاذاعة والتليفزيون ومد يده اليمني متحسسا المظروف الابيض وبداخله شريط الفيديو ذو اللون الاحمر والموضوع علي الكرسي المجاور له وتنهد بعمق وهو يبتسم.
من خلال شاشة التلفاز وفي نشرة الواحدة صباحا ومن خلال اتفاق مسبق بين عمر النادي ومخرج النشرة علي كل شيء مقابل كل شيء ظهر تيتر مقدمة نشرة الاخبار وبعدها اقتربت الكاميرا في لقطة- لزوم ان لوجه عامر وقد اكتست بابتسامة عريضة تحوطها حمرة الانتصار علي وجهه البض بعد لحظة صمت متذكرا وقفات الاحتجاج والتي كانت تطالب بإقالته ومحاكمته لأنتمائه للنظام السابق علي حد قولهم. تنحنح. ثم قال بهدوء:
نشرة الواحدة صباحا من التليفزيون المصري تقدم للمشاهدين اهم واخر الانباء.
ثم صمت لحظة وواصل وابتسامته تزداد اتساعا وثقة:
نقدم لكم حديثا من قصر العروبة. من القصر الرئاسي بمصر الجديدة.
ازدرد ريقه ثم اضاف: مصر الجديدة النابضه بالحب والاصالة والتسامح
حديثا لانسان غاب عنا كثيرا ولكنه متأصل في قلوب المصريين. صوت غاب عنا اياما خلناها كالدهر. صوت العقل والحكمة. صوت النزاهة والطهارة. صوت العفة والضمير الحي. الصوت الذي غاب عنا ولكنه كان ومازال وسيظل متأصلا في قلوبنا وعقولنا وافئدتنا صوت يجري في دم كل مصري قابع علي تراب ذلك الوطن.
صمت برهة ثم واصل بجرأة ناظرا في اتجاه الكاميرا2:
الكلمات الان تتواري ولكن يبقي القائد والزعيم.
كلمة الزعيم كانت كلمة السر بين عامر النادي ومخرج النشرة والجالس في غرفة الكنترول والذي قام باخراج شريط الفيديو ذي اللون الاحمر من داخل مظروفه الابيض ووضعه داخل جهاز التشغيل.
ظهرت الصورة علي الشاشة واضحة الرئيس واقفا في مواجهة الكاميرا بقميصه الابيض ورباط عنقه الاسود وبدلته الزرقاء المستوردة المطرزة بخيوط ذهبية لاسمه الثلاثي بحروف انجليزية منمنمة, وعلي يساره علم مصر
مبتسما. قال الرئيس بتؤدة:
الأخوة المواطنون.
..........
القصة الفائزة بالمركز الثاني في مسابقة نادي القصة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.