شهدت ساحة الميدان السماوي «تيانآنمن» بوسط بكين أمس أكبر عرض عسكري تجريه الصين في تاريخها، والأول من نوعه، احتفالا بالذكري ال70 لانتصاراتها في الحرب العالمية الثانية، بمشاركة أكثر من 10 آلاف جندي صيني، وألف جندي ينتمون ل17 دولة أجنبية وجهت لها الصين الدعوة للمشاركة في هذا الحدث الكبير. وقبل بداية وقائع «استعراض النصر»، استقبل الرئيس الصيني شي جينبينج وقرينته في مدخل القصر الإمبراطوري (المدينة المحرمة) 30 زعيما شاركوا في الاحتفالات الصينية، و19 من ممثلي الحكومات، ورؤساء 10 منظمات دولية بينهم بان كي مون، أمين عام منظمة الأممالمتحدة. ثم صعد المدعوون ومعهم الرئيس الصيني إلي الطابق الثاني، حيث المنصة الرئيسية لمتابعة وقائع الاحتفال، التي بدأت بكلمة للرئيس شي جينبينج، قال فيها إن العالم لم يسده الاستقرار بعد، مع أن السلام والتنمية أصبحا من متطلبات العصر، وإنه علينا اتخاذ التاريخ كمرآة، وتثبيت عزمنا علي حفظ السلام. وأضاف أن أكثر من 35 مليون شخص استشهدوا وأصيبوا في الصين، وأكثر من 27 مليونا في الاتحاد السوفيتي، خلال الحرب العالمية الثانية، وقال إن: تلك الحرب التي طالت نيرانها قارات آسيا وأوروبا وإفريقيا خلفت أكثر من 100 مليون قتيل وجريح في صفوف العسكريين والمدنيين. وأكد الرئيس شي جينبينج في كلمته خلال الاحتفال أن الشعب الصيني سيظل إلي الأبد يذكر مساهمة مختلف الأمم في سبيل تحقيق الانتصار في الحرب ضد العدوان الياباني، موضحا أن الاحتفال بالذكري ال70 لانتصار الشعب الصيني ضد العدوان الياباني والحرب العالمية ضد الفاشية يهدف إلي تكريس ذاكرة التاريخ وتخليد الشهداء والحرص علي السلام وفتح آفاق المستقبل. وشدد الرئيس الصيني علي أنه لا يجوز تكرار المأساة التاريخية، باعتبار ذلك أفضل طريقة لتكريم من استشهدوا في سبيل حماية الحرية والعدالة والسلام للبشرية في الحرب ضد الفاشية. وقد كشفت الصين للمرة الأولي خلال العرض العسكري عن عدد كبير من الأسلحة الجديدة المتطورة، والتي تظهر القدرات الكبيرة للتصنيع العسكري الصيني، سواء من ناحية تطوير الأسلحة القديمة أو ابتكار أسلحة ومعدات جديدة بتكنولوجيا صينية، وكانت القوات المسلحة الصينية قد أعلنت أن 100% من العتاد الذي سيظهر في العرض صناعة صينية، وأن 84% من هذه الأسلحة والمعدات تظهر للعلن للمرة الأولي. ومن الأسلحة الجديدة التي ظهرت في «استعراض النصر» خمس مقاتلات من طراز (جيه-15)، حلقت فوق ميدان تيانآنمن، وتسمي هذه المقاتلة ب»القرش الطائر»، وهي الجيل الأول من الطائرات المحمولة علي متن حاملة الطائرات «لياونينج»، أول حاملة طائرات صينية، كما ظهرت الصواريخ الاستراتيجية العابرة للقارات (دونجفنج-5 بي)، وحلقت قاذفات القنابل متوسطة المدي من طراز (اتش-6 كي )، التي طورتها الصين بنسبة 90%. وتميز الاستعراض العسكري الضخم بوسط العاصمة الصينيةبكين بالإبهار، من حيث حجم القوات المشاركة في العرض، والتي تجاوزت أعدادها 10 آلاف جندي من الجيش الصيني، بالإضافة إلي عرض أرتال من الدبابات والمدرعات والصواريخ القصيرة والبعيدة المدي، والتي يمكنها حمل رءوس نووية، وعرض الصواريخ الحاملة للأقمار الصناعية، وتميز أداء القوات، سواء الأجنبية أو الصينية، خلال العرض بالدقة المتناهية والتناغم، حيث تدربت القوات معا لمدة شهر تقريبا استعدادا للعرض، في إحدي القواعد العسكرية بضواحي بكين. ولم تقتصر عناصر الإبهار في الاستعراض العسكري الصيني علي الأسلحة الجديدة وأداء القوات فقط، حيث حرص الصينيون علي أن تكون الأجواء المحيطة بالعرض مبهرة لأقصي درجة، وجري الاستعداد لهذا اليوم منذ عدة أشهر، حيث تم تزيين الميدان السماوي بملايين الزهور، لتكون نموذجا كبيرا لسور الصين العظيم، أحد أهم معالم الحضارة الصينية، ورمز قوة الصين. كما حرصت سلطات البيئة الصينية علي أن تكون سماء بكين صافية خلال العرض، حيث أصدرت أمرا بإغلاق المصانع ذات الانبعاثات الكثيفة قبل أسبوع من العرض، ومنعت دخول الشاحنات الكبيرة للعاصمة الصينية. وشهد الاستعراض تنظيما دقيقا وتأمينا غير مسبوق، حيث تم نقل مشاهدي العرض من الصحفيين والإعلاميين الصينيين والأجانب إلي المركز الصحفي منذ الساعة الثالثة والنصف فجرا، وذلك بمعرفة القوات المسلحة الصينية، كما حضر العرض ممثلون عن جميع المجموعات العرقية الصينية، والذين أمكن تمييزهم من خلال ملابسهم التقليدية ذات الألوان المبهرة، وقد اكتمل جمهور العرض قبل ساعتين من بداية وقائعه. وبعد إلقاء كلمته خرج الرئيس الصيني شي جينبينج في سيارة مكشوفة، واستعرض القوات والأسلحة المصطفة للمشاركة في العرض، والتي بلغ طول طابورها أكثر من كيلومترين، ثم عاد الرئيس إلي المنصة الرئيسية مع الزعماء والضيوف المشاركين، ليبدأ العرض بمرور تشكيل من قدامي المحاربين الذين خاضوا الحرب العالمية الثانية، حيث استقل قدامي المحاربين، وهم أكثر من 100 محارب يبلغ متوسط أعمارهم 90 عاما، سيارات مكشوفة في التشكيل. ثم بدأت التشكيلات الصينية في المرور أمام المنصة وجماهير الاستعراض، وتبعتها القوات الأجنبية المشاركة في العرض، ومن بينها سرية حرس الشرف المصرية، التي حظيت بترحيب كبير من مشاهدي العرض. وعقب انتهاء طابور العرض بدأ مرور المدرعات والدبابات والمصفحات، التي تنوعت أشكالها وأحجامها، والعربات الحاملة لمنصات الصواريخ، وصواريخ حمل الأقمار الصناعية. ثم عقب انتهاء طابور عرض الأسلحة بدأت المقاتلات الصينية الصنع في الظهور بسماء الميدان، وشكل السرب الأول الرقم 70، رمزا للذكري السبعين لانتصار الصين في الحرب العالمية الثانية، ثم ظهرت قاذفات القنابل، وطائرات الهليوكوبتر التي حملت الأعلام. وبعد انتهاء استعراض الطائرات تم إطلاق مئات الآلاف من الطيور الصغيرة، في رسالة أرادت الصين أن ترسلها للعالم، مفادها أنها رغم امتلاكها كل هذه الأسلحة المتطورة، فإنها تطمح إلي تحقيق السلام، والحفاظ عليه ونبذ الحروب، وما تسببه من ويلات ودمار، ثم طارت عشرات الآلاف من البالونات الصغيرة مكونة ألوانا براقة مع زرقة السماء.