مع كل ورقة ووثيقة من الأوراق القديمة تنكشف لنا الكثير من الأسرار عن عالم ذهب برجاله وأسراره ولم يتبق منه الإ بعض الحكايات خطها المؤرخون بما توفر لديهم من مخطوطات ووثائق وملفات عن الماضى ، ولكن الوثائق لا تكذب ولا تجمل الماضى أو حتى تقبحه ، فقط هى تكشف أسراره ، ومنها هذه الوثيقة التى تحمل بُعدا إقتصاديا وتاريخيا مهما فهى تحكى جزءا من تاريخ السكة الحديد فى مصر وبالتحديد الجزء الذى امتد من القاهرة الى السويس والتى تؤكد الكتب وتاريخ السكة الحديد الذى يجري على القضبان إنه تم إفتتاحه فى عام 1858 ، أما كيف تم الإعداد لهذا المشروع الخطير فهذا ما سوف تكشفه وثيقة هذا الاسبوع التى تقع فى ثلاثة مخطوطات زرقاء أنيقة مكتوبة باللغة الإيطالية ومصحوبة بترجمة عربية رسمية باعتبار أنها موجهة الى جهات ومسئولين حكوميين مصريين هم ناظر المالية المصرى وناظر ترسانة الاسكندرية ونوبار بك الذى كان يشغل منصب مدير لمصلحة السكك الحديدية من عام 1857 إلى عام 1859. وجميعها بتاريخ واحد هو 21 يناير 1858 ، وتقول الوثيقة الأولى ؛ إفادة من الخواجات جلوى ربلن وشركاه لسعادة ناظر المالية ... انه فى هذا اليوم ورد بمينا اسكندرية السفينة المسماه «شيتفاير» قبطان ويليام ومشحون بها الفانوس بعاموده المعُد نصبه بالسويس وعربيات لزوم السكة الحديد من المحروسة الى السويس ، وبموجب كونتراتو النولون مقتضى أن يكون تفريغ هذه الأصناف بمعرفة الحكومة وفى الترسانة ، وحيث أنه مقدر للتفريغ ستة عشر يوما متوالية ابتداء من اليوم بدون استثناء ايام المواسم والأعياد ، نؤمل صدور الأمر لمن يلزم بإجراء التفريغ مع الهمة حتى لا يترتب على الحكومة أن تدفع للسفينة المذكورة «سوراستاريه» اى غرامة عشرة ليرات يوميا ولأجل عدم ضياع الوقت قد أشعرنا حضرة نوبار بك وحضرة ناظر الترسانة ...وبالطبع لأن هذه الحمولة سوف يتم تفريغها فى الترسانة البحرية بالاسكندرية فقد كان لزاماً مخاطبة ناظر الترسانة فكان هذا الخطاب « نعرف حضرتكم أنه اليوم ورد بمينا اسكندرية السفينة المسماه « شيتفاير « قبطان ويليام ومشحون بها الفانوس بعاموده المعد نصبه بالسويس وستة عربيات من الدرجة الاولى وستة عربيات من الدرجة التانية وخمسين عربية بضاعة لزوم السكة الحديد من المحروسة الى السويس، وليكن معلوم حضرتكم انه بمقتضى كونتراتو النولون ينبغى أن يكون تفريغ السفينة بمعرفة الحكومة وبمصلحة الترسانة، وأنه مقدر للتفريغ ستة عشر يوما متوالية ابتداء من اليوم بدون إستثناء ايام المواسم والأعياد وبعد مضى هذه ال 16 يوماً تبتدى ايام «السورستارية» أو الغرامة والتى يدفع فيها للسفينة المذكورة عشرة ليرات إسترلينية يومياً « الإمضاء محمد حسين . أما الوثيقة الثالثة فهى موجهة لنوبار بك مدير مصلحة السكك الحديدية وتحمل نفس المعنى وهى للتأكيد ولضمان سرعة ودقة العمل وكنوع من المتابعة بين الجهات المعنية.
ومن هذه الوثائق نتبين أن العمل فى انشاء سكة حديد السويس لأهميته للتجارة العالمية كان قد أوشك على الانتهاء فى مطلع عام 1858 وبقى وصول عربات السكة الحديدية التى كان قد تم التعاقد عليها مع المصانع فى انجلترا ، وبالفعل وصلت العربات بالباخرة التى وصلت الاسكندرية فى 21 يناير 1858 وعددها 6 للدرجة الأولى ومثلهم للدرجة الثانية و50 عربية بضاعة ، وقامت الشركة الموردة بإخطار الحكومة المصرية لتتولى تفريغ الحمولة المهمة بمعرفتها بدءا من نفس يوم الوصول حسب العقد المتفق عليه ، ولكن ما يلفت النظر هو كمية عربات البضاعة التى وصلت مقارنة بعربات الركاب وهو ما يعنى أهمية هذا الخط للتجار والتجارة ، بقى أن أقول إن سكك حديد مصر هي أول خطوط سكك حديد يتم إنشاؤها في أفريقيا و الشرق الأوسط، و الثانية على مستوى العالم بعد المملكة المتحدة، حيث بدأ إنشاؤها في 1834 إذ مدت قضبان خطوط السكة الحديد فعلا وقتها في خط السويسالإسكندرية إلا أن العمل ما لبث أن توقف بسبب اعتراض فرنسا لأسباب سياسية ثم تم إحياء الفكرة مرة أخرى بعد 17 عاما في 1851 ، وبدأ إنشاء أول خط حديدي في مصر يوم 12 يوليو عام 1851، و بدأ التشغيل في 1854 ومما يذكر أن المشرف على مشروع بناء السكك الحديدية المصرية آنذاك كان المهندس الانجليزي روبرت ستيفنسون وهو ابن مخترع القاطرة الشهير جورج ستيفنسون . عقب ذلك تم انشاء الخط الثاني بين القاهرةوالسويس مفردا بطول 144 كيلومترا وتم إفتتاحه في اكتوبر 1858 وكانت مدينة السويس أول مدينة في منطقة القناة، ترتبط بالقاهرة بخط حديدي ، وكان الزمن المقرر لقطْع هذه المسافة سبع ساعات. ولكن، كثيراً ما كانت القاطرات تتعطل وسط الصحراء، ويمتد التأخير يوماً أو بعض يوم. وقد أُوقف تشغيل خط القاهرةالسويس، سنة 1869، بعد أن أكملت الحكومة خط القاهرةالإسماعيليةالسويس. أما نوبار بك الذى كان يشغل منصب مدير السكك الحديدية فهو نفسه نوبار باشا أول رئيس لوزراء مصر. شغل هذا المنصب 3 مرات، الأولى كانت فى أغسطس 1878 . وكانت ثاني وزاراته من 10 يناير 1884 . وآخر وزاراته كانت من 15 أبريل 1894 حتى 12 نوفمبر 1895... وكانت بداية عمله فى الحكومة المصرية حينما عمل سكرتيراً لخاله بوغوص باشا ناظر (وزير) الأمور الخارجية. وقد قام بأول عمل له في باريس عام 1842 بناء على تكليف من الحكومة المصرية وقد تدرج بعدها فى المناصب حتى أصبح رئيساً للنظار . والله على مصر وناسها وسكك حديدها زمان .