هنيئاً لكل من عقد العزم على أن يحج بيت الله الحرام، ويعظم شعائره وأعماله، فسوف يدرك أن الحج عبادة وتربية ومغفرة وسعادة وبهاء، وسوف يظفر برضوان الله، إذا صنع مثل هؤلاء الذين جعلوا رضا الله هدفهم، وطاعته مقصدهم، وهم يتجهون إلى مولاهم، جلت قدرته، وعظمت إرادته، بصفاء النفس والروح والقلب، لأداء مناسك الحج، تاركين الأهل والمال والوطن، وكل عزيز وغال، ولم يحملوا إلا صدق إيمانهم، وطهر أرواحهم، وشدة شوقهم. فقد أثروا أجل الطاعات، وأسمى القربات، وأعظم الأعمال، وأكرم العبادات المذيبة للذنوب، المكفرة للمعاصى، وتعلقوا بالله، مستجيبين لغافر الذنب، وقابل التوب الذى يقول : »ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً« ويقول أيضا »وأتموا الحج والعمرة لله«. إن هؤلاء الحجاج المخلصين كانوا دائما يتضرعون إلى رب العزة، راجين أن يقبل حجهم، ويمنحهم نعمة الرحمة والمغفرة، ويبارك لهم فى الأولاد والأرزاق، ولا تراهم مع تنوع أشكالهم واختلاف ألوانهم، وتباين لغاتهم إلا وهم ينشدون »لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك«. وماأروع هذه الفريضة التى لا تطلب دنيا أو متاعاًَ، وإنما تسعى إلى رضوان الخالق، ترجو ثوابه، وتود رحمته وجنته التى أعدت للمتقين ! والحج لدى من استضاء بنور الإيمان، وتفاعل مع تعاليم الاسلام، وحسنت صلته بربه، وفضل مايبقى على مايفنى خير نعمة، وأفضل مثوبة. سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : »أى العمل أفضل قال : إيمان بالله ورسوله قيل : ثم ماذا : قال : الجهاد فى سبيل الله قيل : ثم ماذا : قال : حج مبرور »والحج المبرور بستانه حافل بخير كثير طابت ثماره وأينعت أزهاره، وامتدت ظلاله، وطاب فيه المقام، وزادت المتعة، أما أيامه المعدودات فهى تشهد أكرم صور الخشوع والوقار والجمال والجلال، وتحتفل بالامتثال والطاعة، وتوحيد الكبير المتعال، وفى الاحتفال تذوب الفوارق، وتتحد المظاهر، ويتم التمتع بدروس غالية من مكارم الأخلاق، يقول سبحانه : »فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج« والكل يعيش فى مؤتمر المسلمين الجامع، معتصمين بزاد التقوى، محاطين بمساواة رائعة، وأخوة متراحمة، وهم يلبون ويطوفون ويسعون ويصلون ويدعون ويرمون الجمرات، إنهم أتوا من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم، ويذكروا الله، وهل هناك أحسن من ذكر الله ؟ إنه مصدر الخيرات ومع ذكر الله دعوة قوية إلى كل مايحفظ وحدتهم، ويدعم تماسكهم، ويقودهم إلى الفوز المبين. وعلى كل من يريد أن يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه أن يعلم أن الثواب المضاعف والمغفرة الواسعة للحج المبرور، وهوالذى يؤدى بنفقة من مال لا شبهة فيه : يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : »إن الحاج حين يخرج من بيته لم يخط خطوة إلا كتب الله بها حسنة وحط عنه بها خطيئة«، فإذا وقف الحجاج بعرفات باهى الله تعالى بهم ملائكته. يقول: «أنظروا إلى عبادى، أتونى شعثاً غبراً أشهدكم أنى غفرت ذنوبهم، وإن كانت عدد قطر السماء ورمال عالج». لمزيد من مقالات د. حامد شعبان