الاستقامة هى طريق الحق الرشيد، وسبيل الدين المستقيم، الذى لاعوج فيه ولاانحراف، وسراج العدل والهدى المبين، وميزان الإنصاف الأمين، الذى لايزيغ ولايضل ولايحيف، ومن نعم الله سبحانه وتعالي، الهداية إلى طريق الحق ودينه المستقيم، واللجوء إليه، لتثبيت المؤمنين على الصراط المستقيم، والتفضل بدوامه واستمراره، وزيادة نعمه وخيراته ولاريب فى الاستقامة طريق الملة الحنيفية السمحة، والاعتدال المحكم، أى دين الإسلام، وحين يقول المسلم: «اهدنا الصراط المستقيم» فإنه يلتمس من ربه أن يهديه إلى سبيل الرشاد، أو يدعوه أن يزيده هداية إليه، أو الثبات عليه، أو حصول المراتب المرتبة عليه، وحين يرشده الى طريق النجاة، يمحو عنه ظلمات أحواله، ويميط عنه غواشى بدنه، ليستضيء بنور قدسه، ويراه بنوره، فيعتصم بالإخلاص وينأى عن الضلال، ولا يذنب، بل يتقن العمل ويحسنه، ويعطى الحق، ويؤدى الفرائض، ويتمسك بالاعتدال، مبتعدا عن الإفراط والتفريط، ويجب أن يعرف كل مؤمن أنها تقوم على القسط والحق، وترتبط بأمر الله وقضائه، وتلتزم بطريقة الإسلام يقول سبحانه: «وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا، والالتزام بطريقة الإسلام يقوم بالتوسعة على المسلمين فى الدنيا، وببسط الرزق والنظر فى قول الله تعالى لنبيه: «فاستقم كما أمرت» يدل على أن الاستقامة تنتظم جميع مكارم الأخلاق، ومحاسن الأحكام الأصلية والفرعية، والكمالات التى ينشدها العارفون والمقربون، وعند بعض المفسرين أنها تشمل العقائد والأعمال والأخلاق، فهى حافلة بخيرات وفضائل كثيرة، تدعو فى العقائد إلى اجتناب التشبيه والتعطيل، وإجلال الإيمان الحق والتوحيد، والظفر بعقيدة مكينة خالصة ثابتة لاشك فيها، ولاظن، وإنما يقين وهدى وحق وإخلاص وسمو، وتحرص فى الأعمال على الاحتراز عن الزيادة والنقصان، والتغيير والتبديل، وتقود وجوهها الصالحة لتصون الحياة، وتحفظ الحق، وأما فى الأخلاق فإنها تحتم التباعد عن طرفى الإفراط والتفريط، وتتمسك بلزوم المنهج المستقيم والمكارم والمحاسن والكمالات من خير ثمرات الاستقامة، ولن يحصل المسلم على هذه الثمرات، إلا إذا آثر الاعتدال، ودعم المحامد وأنار آفاق الكمال، ومنح السكينة، ونبذ الإسراف والغلو، وأصر على أن يحيا بأخلاق صحيحة، مبتعدا عن الرذائل وسوء العمل، منظفا نفسه من أدران النقص والالتواء، ومعولا على العبادات التى تحقق الخير الكثير فى مجال الاستقامة، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، وتسعد بذكر الله، والخشوع له، والطهر والسعى الى معرفته ورضوانه ورحمته، يقول عز وجل «وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر» والزكاة تطهر النفس، وتزكى القلب، وتنشر الرقة، وتحفظ التعاطف والتراحم والتكافل والبر، وتوحد العلاقات، وتزيد الترابط والألفة والخير والتعاون، وترعى الإخاء. أما الصيام فهدفه التقوي، وهى ركن كبير من أركان الاستقامة، يدير شئون الحياة كلها بما يتفق وروح الإسلام، وأما الحج فهو نعمة كبري، من نعم الاستقامة، تزيد الطاعة، وتجلب المغفرة، وتيسر المنافع، وتوحد المسلمين، وتثبت الأخلاق، وتقدس التوحيد وتعظم شعائر الله يقول تعالي: «فلا رفث ولافسوق ولاجدال فى الحج» وكل ذلك يثبت أن الاستقامة قوة دافعة الى المكرمات، عاصمة عن الدنايا، ومن خير ثمرات الاستقامة الحث على رعاية الحقوق، وتأكيد أن مجتمع الاستقامة مجتمع نقى زاخر بأكرم الصفات يبغض الشر، ويحاربه، ويقرر أنه ليس فى الإسلام فحش ولاتفحش، ومن أكرم ماتعنى به الاستقامة الالتزام بحدود الله، والحث على صيانة الواجبات، ورعاية الشريعة، يقول سيد المرسلين: «العامل إذا استعمل فأخذ الحق وأعطى الحق لم يزل كالمجاهد فى سبيل الله حتى يرجع الى بيته». لمزيد من مقالات د. حامد شعبان