قبل أن تصعد روحه البريئة إلي السماء، وفي صوت واهن، يخرج بصعوبة من بين شفتين ضامرتين، نائمتين في وجه نحيل، «مصه» الخوف والجوع والعراء، نطق الطفل السوري بجملته الأخيرة: «سأخبر الله بكل شيء». لا أعلم ماذا سوف يكتب التاريخ عن هذه الحقبة السوداء في حياة الأمة، أمتنا العربية، التي كانت خير أمة، ولا أعلم أيضا من أين سيأتي التاريخ، بكل ما يحتاجه في أنهار وبحار المداد الأسود، حتي يجد ما يكفي، ليسطر فوضي وضياع ووحشية وقسوة، عقود هذه الأمة وسنواتها وأيامها ولياليها السوداء القاتمة، ولكن ما أعلمه تماما أن كل سجل العار لن يكفي هذه الأمة، أمام صمتها وعجزها وتآمر بعضها، في وقوع واستمرار المأساة الإنسانية السورية، أفدح وأبشع المآسي والمجازر المعاصرة، في عدد الضحايا والمخاطر، وفي فقدان الأمل في نهاية، تستر «عورات» وضعف الأمة، وتخفف من السقوط الأخلاقي المزري للأسرة الدولية، التي هي بلا ضمير وبلاإنسانية، ولا تقدم سوي شعارات خاوية، ولا تدافع إلا عن مصالحها، حتي لو دمرت حياة الضعفاء والبائسين، الذين يسقطون قتلي وموتي، ويدفنون في أرض الشتات القاسية، بلا مقابر أو دموع أو وداع. ارقد يا صغيري، وأغمض عينيك وابتسم، أنت الآن في الجنة، حيث لا توجد شبيحة، ولا براميل بارود، ولا وحوش إنسانية تقدم عروضها المثيرة، في الذبح والحرق، وأسر السبايا واغتصابهن، وبيعهن جواري بأسعار ثابتة. ارقد في هدوء وسلام، ولن تضطر إلي أن تخبر الله بشيء، فسوف تجده يعلم كل شيء، عن أمة هانت علي نفسها، وداست علي كرامتها وإنسانيتها، وأضاعت دينها الصحيح، باستبداد سياسي طويل وقاتل، وبالنوم في أحضان أعدائها، وإنجاب أبناء سفاح فرطوا في وجودها. ارقد عليك سلام الله ورحمته، فقد أقمت الحجة كاملة علي أمة مثل غثاء السيل. في الختام.. يقول طفل آخر من جحيم المأساة: «يا الله بدي موت، ليش ما عنا خبز، خذنا علي الجنة حتي نأكل خبز».