تناول أ. أحمد البرى النظام الجديد الذى يسعى إلى تطبيقه وزير التربية والتعليم د. محب الرافعى بتخصيص 10 درجات للحضور لطلاب الثانوية العامة، ونوه إلى مثالب هذا النظام المقترح ولاسيما فى مدارس القرى حيث تلعب المجاملات والمحسوبيات والوساطات وأيضا الفساد دورا مهما فى اضافة هذه الدرجات، كما حدث فى الحافز الرياضى، وفى سياق متصل بدأت وزارة التربية والتعليم إجراء تحريات وحصر اعداد وأماكن مراكز الدروس الخصوصية استعدادا لاتخاذ خطوات جادة لمحاربة هذه الظاهرة، وأكد وزير التربية والتعليم أن الوزارة بصدد الحصول على حق الضبطية القضائية للأمن الإدارى للوصول للمعلمين الذين يعطون دروسا خصوصية حتى ولو فى منازلهم «على حد قوله»!!. إن قراءة سريعة فى القرارين سالفى الذكر تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن وزراء التربية والتعليم الذين تعاقبوا على الوزارة أصروا ومازالوا يصرون على مواجهة «العرض» وغض الطرف عن «المرض»، ذلك لأن التعليم فى مصر كارثة صنعناها نحن بأيدينا على حد تعبير د. قدرى حفنى أستاذ علم النفس السياسى فى حديثه للأهرام، بأن عزوف الطلاب عن الذهاب إلى المدارس هو «عرض» كما أن ظاهرة الدروس الخصوصية هى «عرض» لمرض عضال يعانى منه التعليم فى مصر. ونزعم أن العلاج الناجح يتضمن حزمة من الإجراءات أهمها ما يلي: أولا: لابد من إصلاح منظومة التعليم برمتها وتغيير فلسفته من تخريج موظفين إلى تخريج باحثين فى مقدورهم الابداع والابتكار، ولن يتأتى هذا إلا بتفعيل آليات التعلم على حساب التعليم التقليدى الذى تجاوزه الزمن، أضف إلى ذلك أنه من الأهمية بمكان إيجاد تناغم فى منظومة التعليم بمصر والتى تعانى جد معاناة من مردودات هذا «الكوكتيل العجيب» الذى لا يوجد فى أى مكان آخر بالعالم.. ففى مصر تعليم حكومي، أزهري، أجنبي، لغات، تجريبي(!!). ثانيا: لن ينصلح حال التعليم فى مصر إلا إذا عاد التعليم إلى المدارس بعد ان خرج منها إلى مراكز الدروس الخصوصية، وقد اعترف الأوائل على الثانوية العامة بأنهم تعاطوا الدروس الخصوصية، ولن تتحقق هذه العودة إلا بتغيير آليات التعليم لتواكب استخدام الوسائط التعليمية الحديثة عوضا عن الطباشير والسبورة فتدنى جامعاتنا رغم عراقتها وتخليها عن ريادتها لحساب جامعات إقليمية مازالت تحبو يؤكد بلا مراء أن التعليم فى مصر فى تدهور مستمر. ثالثا: يمكن زيادة إقبال الطلاب على المدارس عن طريق تطوير العملية التعليمية كما اسلفنا مع اصدار قرار بحرمان الطالب الذى لا يواظب على حضور 75% من أيام الدراسة من دخول الامتحان، وهو نظام مطبق فى الجامعات الحكومية والخاصة على حد سواء وأثبت فاعليته بشرط أن يتم تطبيقه بأمانة وشفافية وحسم. رابعا: يتعثر نحو 20% من الطلاب الذين يحصلون على أعلى الدرجات فى امتحان الثانوية العامة فى السنة الأولى لهم فيما يسمى بكليات القمة، وهو ما يؤكد أن مجموع الثانوية العامة ينبغى ألا يكون هو المعيار الوحيد للالتحاق بكلية من الكليات، وفى هذا المضمار هناك اقتراح بعقد امتحان تأهيلى فى المواد المرتبطة بكل مجموعة متقاربة من الكليات، بحيث يكون المجموع الاعتبارى للطالب هو حاصل جمع درجاته فى الامتحانين. خامسا: لن نتغلب على فيروس الدروس الخصوصية إلا إذا تولد اقتناع بخطورة هذه الظاهرة على مصر، إذ أن تعاطيها يلغى تماما الدور التربوى للمدرسة وهو دور مطلوب لصناعة أجيال تبنى مصر، ولعل تدنى سلوكيات أبنائنا الآن يعزى فى المقام الأول إلى تغيب هذا الدور التربوى حينما هرب التعليم من المدارس إلى مراكز الدروس الخصوصية. سادسا: إن إصلاح المنظومة التعليمية يتطلب زيادة مرتبات المعلمين بحيث تضمن لهم حياة كريمة تليق بعطائهم ولن يتحقق إلا إذا كانت هناك قناعة راسخة لدى الجميع حكاما ومحكومين على حد سواء بأن التعليم والبحث العلمى قاطرة التقدم وبدونهما فإن مصر لن تستطيع التقدم إلى الأمام ولو خطوة واحدة. د. محمد محمود يوسف أستاذ بجامعة الإسكندرية