استقليت تاكسي بعد إنتهاء يوم من العمل الشاق في صحيفتي الغراء "الأهرام"، كان مظهر وجه سائق التاكسي يبدو لي من الوهلة الأولي أنه ينتمي إلى إحدى التيارات الدينية، حيث اللحية الطويلة والشارب المحلوق، وعندما اقتربنا من ميدان "عبدالمنعم رياض" حدث شلل تام لحركة السيارات بسبب مسيرات المتظاهرين القادمين إلى ميدان "التحرير" تأييدا للشيخ حازم صلاح إبو إسماعيل في انتخابات الرئاسة وآخرين رافضين لتشكيل الجمعية التأسيسية دار بيننا حديث عن الوضع السياسي في الشارع. عند تأملي للحديث مع السائق بدا لي أنه لا ينتمي لأي تيار ديني نهائيا على عكس ما توقعت تماما، وأن إطلاق لحيته هو اقتداء بالنبي محمد "صلي الله عليه وسلم"، الرجل – بلا مغالاة – اثنى على الشيخ الشعراوي الذي يعتبره السلفيين صوفي، وأشاد بالشيخ محمد حسان الذي ينتمي إلى التيار السلفي، وهاجم وجدي غنيم المتهم "على حد قول السائق" في قضية غسيل أموال وهو الآن خارج البلاد، وثمن دور الشيخ عمر عبدالكافي في الدعوة، وانتقد تصريحات الشيخ أبو إسماعيل حول ما سيتخذه من قرارات في حالة فوزه بالرئاسة. المؤكد أن إطلاق اللحية أمر طبيعي وحق مشروع لكل إنسان بل أصبحت ظاهرة لدى الشعب المصري، خاصة بعد زوال الهاجس الأمني وسقوط النظام السابق، الذي كان لا يفرق بين المواطنين، ويعتبر أن كل من أطلق لحيته يعتنق فكر وينتمي للجماعات الإسلامية التي كانت بمثابة شوكة في حلق النظام، فكان يستغلها في تنفيذ مخططاته من خلال تلفيق التهم والعمليات التخريبية لتلك الجماعات الإسلامية. وبالتالي لا يجب الحكم على كل من حلق شاربه واطلق لحيته بأنه سلفي أو إخواني أو ينتمي إلى تيار ديني بعينه، حتى لا يحدث ما نراه الآن في الشارع بسبب صعود التيارات الإسلامية إلى الحكم في مصر. وبالرغم من أن لكل مواطن الحق في إطلاق لحيته من باب الحرية الشخصية أو السنة النبوية، إلا أن هذا المنطلق يتخذ أبعاد أخرى حين نتحدث عن أفراد المؤسسات والأجهزة الأمنية، ومن هنا كان الجدل المثار حول مطالب عدد من ضباط الشرطة بحريتهم في إطلاق لحاهم. هناك أساسيات مطلوبة في رجل الشرطة منها، أن لا يكون لديه أي توجهات أو ميول سياسية أو انتماءات حزبية أو دينية، وبالتالي يصبح إطلاق اللحية لا يتماشي مع الشروط المنظمة للعمل الشرطي، وبالتالي لا تتفق مع منطق الحرية الشخصية لأن العرف جرى في تلك المؤسسات الشرطية أو الجيش أن من قواعد الانضباط الصارمة هي مراعاة النظافة الشخصية والحرص على حلاقة اللحية بشكل يومي. ومن هنا تطفو على السطح عدة تساؤلات مهمة .. هل استطاع ضباط الشرطة القبض على الخارجين عن القانون وحققوا الأمن المطلوب منهم للمواطن والقضاء على مشكلاتهم التي خلفها لهم النظام السابق كي يفكروا في إطلاق اللحية من عدمة؟ .. هل هذا الموضوع يستحق منا كل هذه المناقشات والتصريحات التي يدلي بها الضباط الموقفون عن العمل وبعض مسئولو التيارات الإسلامية حول إطلاق اللحية من عدمه؟ .. هل أصبحت قضية إطلاق اللحية هي القضية الأولى لدي الجهاز الشرطي في مصر؟ .. كيف ينشغل الضباط في مسألة إطلاق اللحية ويتركوا أرواح المواطنين دون أمن حقيقي؟ .. كيف يلجأ ضابط الشرطة إلي إطلاق اللحية وهو أمر يتنافى مع قواعد الانضباط والنظام علاوة على أن جهاز الشرطة يضم أيضا أقباط؟ .. ماذا سيفعل الضابط القبطي أو أمين الشرطة .. وهل ستكون هذه اللحية علامة فرقة أو تفرقة أو تمييز وهو أمر لا يجوز داخل جهاز أمني يحترم المجتمع كله المواطنين والضيوف من العرب والأجانب؟ من هنا نشدد على ضرورة أن يلتزم ضابط الشرطة بالتعليمات والقواعد المنظمة للعمل، والعرف العام السائد داخل مؤسسات الدولة ما دام لا يتصادم مع ثوابت الإسلام المتفق عليها، فإذا كان لا يرغب بالعمل بهذه القواعد عليه أن يترك عمله ويذهب إلى عمل أخر. والأهم ألا ينشغل ضابط الشرطة بتلك المسائل التي تأتي في مؤخرة الأوليات، فإذا تركنا هذا الموضوع سيصبح الضابط المسيحي يضع صليبا على ملابسة ويكون هناك حالة من التميز التي لا ينبغي أن تكون في الجهاز الشرطي. [email protected] المزيد من مقالات عماد الدين صابر