الإرهاب فى مجمله شر مستطير وفعل شيطانى مؤثم، لا يستحق مرتكبه ومؤيده شفقة ولا رحمة وغير مسموح ولا مقبول التماس اعذار تبرره وتظهره فى صورة الوديع الطيب الحريص على أرواح المساكين المطحونين من أبناء المحروسة، فإن سلمنا بهذا المبدأ فنحن إزاء إرهابى طيب لطيف يمكننا الجلوس معه على مائدة مستديرة لاحتساء فنجان من الشاى، والتفاهم والأخذ والرد معه بشأن التوصل لحلول تنال رضاه وتتوافق مع تصوراته ومشاريعه لمستقبل مصرنا. كلامى ليس محاولة للتهكم والسخرية لكنه جرس انذار ندقه للغافلين والمخدوعين فى داخل بلادنا وخارجها، فبعد الانفجار الذى استهدف مبنى الأمن الوطنى فى شبرا الخيمة الخميس الماضى، خرجت علينا بعض وسائل الإعلام الأجنبية بتقارير وتحليلات أصنفها على أنها داعمة للإرهاب ومشجعة له، وتعطى انطباعات تتعارض كلية مع الحقائق الماثلة أمام أصحاب العقول الواعية المتفتحة والبصيرة الثاقبة. المثال الصارخ المعبر عن ذلك المعنى ورد فى تقرير بثته وكالة «الأسوشيتدبرس» الأمريكية فى العشرين من الشهر الحالى تحت عنوان «استراتيجية داعش تستهدف الدولة المصرية». وفى التفاصيل أن فرع داعش المصرى نفذ 3 تفجيرات فى الآونة الأخيرة أحدثها كان فى القليوبية فى وقت تخلو فيه الشوارع من المدنيين، لتجنب سقوط ضحايا فى صفوفهم، وأن دواعش أرض الكنانة يسيرون على نهج يختلف عن اقرانهم فى سورياوالعراق واليمن، حيث ذبح المدنيين بلا رحمة، وتنفيذ هجمات انتحارية بالأسواق والمساجد يروح ضحيتها المئات. نفهم من مضمون وخلاصة تقييم «الأسوشيتدبرس» أنه يتعين على المصريين الشعور بالامتنان والعرفان لكون أعضاء «تنظيم بيت المقدس» الإرهابي يقصرون مشكورين أنشطتهم الإجرامية على مؤسسات الدولة وجنود وضباط القوات المسلحة والشرطة المدنية، الأكثر أنه يمنح شرعية لاستهداف الإرهابيين لهم للجيش والشرطة مادام المدنيون ليسوا بين الضحايا، فالدولة ومؤسساتها أهداف مشروعة ومستباحة طبقا لهذا التقدير، وفى الوقت نفسه يفتح مساحات للتعاطف مع أرباب الإرهاب، ويوجد بيئة خصبة لتجنيد مزيد من الأعضاء. ألا يعد ذلك عملية تجميل لجماعة إرهابية لا تسعى سوى لإحداث فوضى واضطرابات فى وطننا بهدف تمزيق أوصاله، وتقسيمه لدويلات يرتع فيها الإرهابيون ومحترفو المتاجرة بالدين، مثلما فعلوا فى ليبيا، وسوريا، والعراق، ومن قبلها أفغانستان، ولماذا تحاشت الوكالة العريقة التى يُضرب بها المثل فى المهنية والالتزام بمعايير واصول الموضوعية نعت «أنصار بيت المقدس» بالإرهابيين، أم تحسبهم من المناضلين الأوفياء لقضية عادلة فلا يصح إلصاق صفة الإرهاب بهم وبأفعالهم الدنيئة الخسيسة؟ إن المنضوين تحت لواء «بيت المقدس» ليسوا سوى مجموعات من المرتزقة الأشرار الذين ينفذون ما تطلبه وتحدده الجهات الممولة للتنظيم بما فيها جماعات إرهابية كالإخوان وأجهزة مخابرات تابعة لقطر وتركيا وغيرها من البلدان العاملة ضد مصر، ويؤلمها وتجد غضاضة فى أن تقف على قدميها ويتبدل حالها للأفضل. وما مبايعتهم للمدعو أبو بكر البغدادى ودولة خلافته سوى منفذ تهرب منه بعد التضييق علي تحركات التنظيم ومقتل عناصره، وافتقاره للمال والعتاد والسلاح، فهو يريد أن تهب داعش لإنقاذه وتزويده بما يلزمه على اعتبار أنه من المبايعين والقابلين لحكم الخلافة. ثم لماذا أغفلت الوكالة حوادث ذبح إرهابيى بيت المقدس للعديد من المدنيين فى رفح والقرى المحيطة بها بدعوى تعاونهم مع قوات الأمن، ألم يكن هؤلاء من المدنيين، فضلا عن تهديداتهم ووعيدهم للناس وتلغيم حقولهم، وشحنهم ضد الدولة وتكفيرهم المسئولين، واستباحتهم لأموال الأهالى وأعراضهم، ولماذا تجاهلت وغضت الطرف عما لحق بالقاطنين فى المنازل الواقعة بجوار مبنى الأمن الوطنى فى شبرا الخيمة من خسائر مادية جسيمة، جراء تفجير السيارة الملغومة أليسوا من المدنيين؟ ولن نحدثكم عما لحق بقصر محمد على الأثرى من دمار، فهم يكرهون كل جمال وتراث حضارى، وتحركهم نوازع التدمير والتخريب. الملاحظة الأخطر فيما أوردته «الأسوشيتدبرس» يتعلق باللعب على الوتر الطائفى من طرف خفى، ففى معرض حديثها عن الاختلافات بين داعش مصر ودواعش العراقوسوريا أشارت إلى أن نسبة الشيعة فى مصر تكاد لا تذكر قياسا بالبلدين السابقين، وأن الأقباط يشكلون 10% من تعداد المصريين، وهكذا ففى الظاهر لا يوجد ما يدفع ببيت المقدس لملاحقة المدنيين، لكنها توحى بأنه حينما يُفكر فى استهداف احد بخلاف المسلمين هدفه الثابت فلن يكون مقابله سوى الأقباط، فالتنظيم يُكفر عموم المسلمين ويعاملهم كمرتدين عن الدين ولا يتورع عن الفتك بهم ولن يشعر بذنب ولا خطيئة إذا خطط ونفذ عملياته القذرة ضد الأقباط ومصالحهم. وبالطبع لم تذكر الوكالة عند تناولها هذه الجزئية رسائل التهديد للأقباط فى رفح ومطالبتهم بأن يغادروها فورا. إن وضعنا تقرير «الأسوشيتدبرس» جنبا إلى جنب ما نشرته مجلة «الإيكونوميست» البريطانية الجمعة الماضية، حول عدم قدرة الجيوش العربية على محاربة داعش، فلابد أن نتساءل عن المغزى والرسالة المراد ايصالها لنا فى مصر ولأشقائنا العرب؟ فإن كانت الجيوش العربية لا تستطيع مواجهة داعش والانتصار عليه فالبديل سيكون استسلامنا للأمر الواقع وحكم داعش القادم لا محالة من وجهة النظر الغربية، أو أن نقطع الطريق على هذا السيناريو الأسود بإعطاء تيار الإسلام السياسى حصته ونصيبه المستحق من كعكة السلطة، وذلك انطلاقا من اقتناع الولاياتالمتحدة والغرب بضرورة إشراك الإسلاميين وعدم استبعادهم، ظنا بأن هذه الخطوة ستقود لتوحد «الإسلاميين المعتدلين» لتطويق داعش والقضاء على التنظيم وعلى تمدده عربيا وغربيا. لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي