حظيت زيارة ناريندرا مودى رئيس وزراء الهند الى دولة الإمارات بأهمية كبرى على المستويين الرسمى والشعبى حيث يعتبر مودى اول رئيس وزراء هندى يزور الامارات منذ اكثر من ثلاثة عقود وتحديدا منذ زيارة رئيسة الوزراء الراحلة انديرا غاندى الى أبوظبى عام 1981. ولا شك أن هناك أرضية مشتركة ربطت الدولتين الجارتين وأضفت دينامية جديدة على علاقتهما المتطورة التى تستند إلى ميراث تاريخى من التعاون والتفاهم المشترك. فالأهمية الكبرى التى توليها دولة الامارات لقضية التكنولوجيا فى إطار سعيها نحو تنمية مستديمة واقتصاد قوى قائم على المعرفة، دفع نيودلهى، التى تشهد تقدما هائلا فى صناعة التكنولوجيا والبرمجيات، الى تعميق علاقتها مع أبوظبى. ولم تخفى الهند إهتمامها الكبير بالانفتاح على الإمارات وتوسيع علاقاتها معها، حيث قال رئيس وزراء الهند إن التقدم الاقتصادى الذى حققته الإمارات جدير بكل إعجاب، مؤكدا أن الإمارات تعتبر قصة نجاح اقتصادى عالمى إستطاعت أن تستقطب البشر من دول العالم كافة إضافة إلى صعودها كمركز لوجستى مهم فى المنطقة. ولكن ما الذى دفع ناريندرا مودى الى زيارة دولة الامارات بعد غياب دام 34 عاما؟ فى الواقع أن هذه الزيارة لها أبعاد سياسية هامة وأقتصادية هائلة جعلت كلتا الدولتين تعبران عن إدراكهما بأهمية هذه العلاقات وضرورة تطويرها. وإذا تطرقنا بداية الى الحديث عن الجانب الاقتصادى، نجد أن الإمارات تعتبر من أهم الشركاء التجاريين للهند حيث وصل حجم التبادل التجارى بين البلدين إلى 60 مليار دولار وبلغ عدد الشركات الهندية التى تعمل فى الامارات نحو 50 ألف شركة ويعمل فيها نحو مليون هندي. وتعتبر الجالية الهندية من أكبر الجاليات الأجنبية المقيمة فى الامارات حيث تشكل نحو 30% من سكان البلاد البالغ عددهم 8 مليون نسمة أى ما يقرب من ثلث سكان الدولة. وبذلك تصبح العمالة الهندية هى الأكثر انتشاراً بعد إحتضان الامارات لحوالى 2.6 مليون هندى على أراضيها، مما يشكل مصدرا مهما للدخل القومى الهندى بفضل التحويلات المالية التى تقوم بها هذه الجالية والتى تقدر بنحو 12 مليار دولار سنويا، وهو ما يعكس أيضا حجم العلاقات والمصالح المشتركة الذى يتنامى بشكل كبير يوما بعد يوم. ويرى كثير من المراقبين أنه بالرغم من أن زيارة رئيس وزراء الهند الى الامارات جاءت بعد 34 عاما، إلا أن الدولتين تربطهما علاقات وطيدة منذ سبعينيات القرن الماضى حيث قام الشيخ زايد مؤسس دولة الامارات بزيارة تاريخية للهند فى يناير عام 1975 إلتقى خلالها بأنديرا غاندى رئيسة وزراء الهند فى ذلك الوقت وتم على آثارها توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم تضمنت مجالات عدة أهمها التعاون الثقافى والطيران المدنى وتجنب الازدواج الضريبى والتعاون القانونى والقضائى فى المسائل المدنية والتجارية. وكان آخر هذه الاتفاقيات فى عام 2014 حيث تم توقيع مذكرة تفاهم حول التعاون فى مجال الطاقة المتجددة. ويقول ماجد الغرير رئيس غرفة تجارة وصناعة دبي: إن الهند تعتبر من أهم الشركاء التجاريين لإمارة دبى حيث وصل حجم التبادل التجارى غير النفطى مع الهند إلى 104 مليار درهم. كما أن عدد الشركات التجارية الهندية التى تزاول أنشطتها فى دبى قد ارتفع بنسبة 500 فى المائة منذ عام 1981. وإلى جانب العلاقات الاقتصادية المتميزة بين البلدين، يأتى الجانب السياسى خلال تلك الزيارة ليرسخ بدورة هذه العلاقة القوية التى أكدت على التعاون فى مجال الأمن ومكافحة الإرهاب، خاصة فيما يتعلق بتنظيم داعش الارهابى باعتباره يمثل تهديدا مشتركا للأمن والاستقرار فى البلدين. وقد شدد وزير خارجية الامارات عبد الله بن زايد على أن هناك فرصا للتعاون الثنائى الأمنى فى مجال مكافحة الإرهاب الذى تدينه حكومتا البلدين بكل أشكاله ومظاهره خصوصا الإرهاب فى المجال البحرى. فالإمارات تشعر بحاجة ملحة إلى مكافحة الإرهاب، حيث أصدرت أخيرا قانون مكافحة ونبذ الخطاب الداعى إلى الكراهية والتحريض على العنف. وفى هذا الصدد يقول محمد بن زايد ولى عهد أبوظبى إن للهند دورها الأساسى وفاعليتها الدائمة على مجمل القضايا الدولية، وعلى الهند مواصلة دورها مع المجتمع الدولى لحل العديد من القضايا ذات الأهمية لأمن واستقرار وتنمية المنطقة. ويرى بعض الباحثين أن دول مجلس التعاون الخليجى تنظر إلى الهند حاليا ليس باعتبارها قوة اقتصادية هائلة فحسب، وإنما أيضا تعتبر قوة توفيقية قادرة على أن تقوم بدور إيجابى وحيوى فى دعم عملية السلام والاستقرار بمنطقة الخليج. وربما تأتى زيارة ناريندرا مودى الى الامارات فى ذلك التوقيت بعد إتفاق إيران النووى مع الدول الغربية لتؤكد دور الهند السياسى والاقتصادى الذى يمكن أن تلعبه فى منطقة الخليج وتغير ميزان القوى لصالح تلك الدول. وأخيرا كان لهذه الزياة بعد إجتماعى أظهر فيه رئيس وزراء الهند بادرة تصالح مع الأقلية المسلمة فى بلاده عندما زار مسجد الشيخ زايد فى أبوظبي، حيث تنتاب هذه الاقلية مخاوف من ماضيه وعضويته فى الحزب الهندوسى القومى. وقال محللون أن زيارته الى مسجد الشيخ زايد مؤشر واضح على أنه يريد أن يعزز سمعة الهند التعددية وأن يبرز دور الإسلام فى تاريخ الهند. فى حقيقة الأمر أن زيارة ناريندرا مودى لها أبعاد استراتيجية واقتصادية مهمة حيث تعتبر الهند أن دولة الإمارات من الاقتصادات الرائدة فى العالم العربى والوجهة المفضلة للعمالة الهندية التى تبحث عن فرص عمل فى منطقة الشرق الأوسط، وبدورها ترى الإمارات أن التوجه نحو الهند وتعزيز العلاقات معها يمثل إحدى أولويات سياساتها الخارجية التى يجب تنميتها فى الفترة القادمة.