رئيس ضمان جودة التعليم: الجامعات التكنولوجية ركيزة جديدة فى تنمية المجتمع    إتاحة الاستعلام عن نتيجة امتحان المتقدمين لوظيفة عامل بالأوقاف لعام 2023    قطع المياه عن نجع حمادي.. وشركة المياه توجه رسالة هامة للمواطنين    الحكومة: نرصد ردود فعل المواطنين على رفع سعر الخبز.. ولامسنا تفهما من البعض    «حماس» تصدر بيانًا رسميًا ترد به على خطاب بايدن.. «ننظر بإيجابية»    محامي الشحات: هذه هي الخطوة المقبلة.. ولا صحة لإيقاف اللاعب عن المشاركة مع الأهلي    رونالدو يدخل في نوبة بكاء عقب خسارة كأس الملك| فيديو    أحمد فتوح: تمنيت فوز الاهلي بدوري أبطال أفريقيا من للثأر في السوبر الأفريقي"    هل يصمد نجم برشلونة أمام عروض الدوري السعودي ؟    حسام عبدالمجيد: فرجانى ساسى سبب اسم "ماتيب" وفيريرا الأب الروحى لى    هل الحكم على الشحات في قضية الشيبي ينهي مسيرته الكروية؟.. ناقد رياضي يوضح    محامي الشحات: الاستئناف على الحكم الأسبوع المقبل.. وما يحدث في المستقبل سنفعله أولًا    مصارعة - كيشو غاضبا: لم أحصل على مستحقات الأولمبياد الماضي.. من يرضى بذلك؟    اليوم.. بدء التقديم لرياض الأطفال والصف الأول الابتدائي على مستوى الجمهورية    32 لجنة بكفر الشيخ تستقبل 9 آلاف و948 طالبا وطالبة بالشهادة الثانوية الأزهرية    استمرار الموجة الحارة.. تعرف على درجة الحرارة المتوقعة اليوم السبت    اعرف ترتيب المواد.. جدول امتحانات الشهادة الثانوية الأزهرية    صحة قنا تحذر من تناول سمكة الأرنب السامة    أحمد عبد الوهاب وأحمد غزي يفوزان بجائزة أفضل ممثل مساعد وصاعد عن الحشاشين من إنرجي    دانا حلبي تكشف عن حقيقة زواجها من محمد رجب    الرئيس الأمريكي: إسرائيل تريد ضمان عدم قدرة حماس على تنفيذ أى هجوم آخر    "هالة" تطلب خلع زوجها المدرس: "الكراسة كشفت خيانته مع الجاره"    حدث بالفن| طلاق نيللي كريم وهشام عاشور وبكاء محمود الليثي وحقيقة انفصال وفاء الكيلاني    أبرزهم «إياد نصار وهدى الإتربي».. نجوم الفن يتوافدون على حفل كأس إنرجي للدراما    مراسل القاهرة الإخبارية من خان يونس: الشارع الفلسطينى يراهن على موقف الفصائل    عباس أبو الحسن يرد على رفضه سداد فواتير المستشفى لعلاج مصابة بحادث سيارته    "صحة الإسماعيلية" تختتم دورة تدريبية للتعريف بعلم اقتصاديات الدواء    ثواب عشر ذي الحجة.. صيام وزكاة وأعمال صالحة وأجر من الله    أسعار شرائح الكهرباء 2024.. وموعد وقف العمل بخطة تخفيف الأحمال في مصر    العثور على جثة سائق ببورسعيد    الأمين العام لحلف الناتو: بوتين يهدد فقط    سر تفقد وزير الرى ومحافظ السويس كوبرى السنوسي بعد إزالته    نقيب الإعلاميين: الإعلام المصري شكل فكر ووجدان إمتد تأثيره للبلاد العربية والإفريقية    كيف رفع سفاح التجمع تأثير "الآيس" في أجساد ضحاياه؟    "حجية السنة النبوية" ندوة تثقيفية بنادى النيابة الإدارية    ضبط متهمين اثنين بالتنقيب عن الآثار في سوهاج    «الصحة»: المبادرات الرئاسية قدمت خدماتها ل39 مليون سيدة وفتاة ضمن «100 مليون صحة»    وكيل الصحة بمطروح يتفقد ختام المعسكر الثقافى الرياضى لتلاميذ المدارس    وصايا مهمة من خطيب المسجد النبوي للحجاج والمعتمرين: لا تتبركوا بجدار أو باب ولا منبر ولا محراب    الكنيسة تحتفل بعيد دخول العائلة المقدسة أرض مصر    للحصول على معاش المتوفي.. المفتي: عدم توثيق الأرملة لزواجها الجديد أكل للأموال بالباطل    القاهرة الإخبارية: قوات الاحتلال تقتحم عددا من المدن في الضفة الغربية    «القاهرة الإخبارية»: أصابع الاتهام تشير إلى عرقلة نتنياهو صفقة تبادل المحتجزين    «ديك أو بط أو أرانب».. أحد علماء الأزهر: الأضحية من بهمية الأنعام ولا يمكن أن تكون طيور    الداخلية توجه قافلة مساعدات إنسانية وطبية للأكثر احتياجًا بسوهاج    ارتفاع الطلب على السفر الجوي بنسبة 11% في أبريل    «صحة الشرقية»: رفع درجة الاستعداد القصوى لاستقبال عيد الأضحى    وزير الصحة يستقبل السفير الكوبي لتعزيز سبل التعاون بين البلدين في المجال الصحي    مفتي الجمهورية ينعى والدة وزيرة الثقافة    الأونروا: منع تنفيذ برامج الوكالة الإغاثية يعنى الحكم بالإعدام على الفلسطينيين    الماء والبطاطا.. أبرز الأطعمة التي تساعد على صحة وتقوية النظر    «الهجرة» تعلن توفير صكوك الأضاحي للجاليات المصرية في الخارج    رئيس الوزراء الهنغاري: أوروبا دخلت مرحلة التحضير للحرب مع روسيا    «حق الله في المال» موضوع خطبة الجمعة اليوم    بمناسبة عيد الأضحى.. رئيس جامعة المنوفية يعلن صرف مكافأة 1500 جنيه للعاملين    السيسي من الصين: حريصون على توطين الصناعات والتكنولوجيا وتوفير فرص عمل جديدة    الحوثيون: مقتل 14 في ضربات أمريكية بريطانية على اليمن    أسعار الفراخ اليوم 31 مايو "تاريخية".. وارتفاع قياسي للبانيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كفاح المصريين من أجل التمصير
الزعيم الوطني محمد فريد حصل علي نسخة من عقد الاحتكار الجديد فأشعل نار النضال وأفشل محاولة مد العقد حتى عام 2008
نشر في الأهرام اليومي يوم 04 - 08 - 2015

كانت الحيلة دائما حاضرة وكان المرابون الأوربيون أيضا حاضرون بأموالهم وكان الهدف دائما واضحا هذا المجري الملاحي الذي تم شقه بدماء المصريين واختلطت حبات عرقهم بمياهه الواصلة بين البحرين الأحمر والمتوسط .
وإذا كانت سنوات ما قبل القرن العشرين هي سنوات العمل علي تأسيس القناة بشكلها الاستعماري وتأكيد وضعها الخاص قانونيا وفعليا وتمتع ديليسبس ورجاله بمعاملة خاصة لم يكن الشعب المصري يعي فيها شيئا عما يحدث فإن سنوات القرن العشرين وحتي منتصفه كانت فعلا هي سنوات الوعي والنضال والصراع الحقيقي بين دولة القناة بدسائس أصحابها وسطوتهم واستغلالهم وبين وعي شعبي وسياسي بدأ بصوت وحيد رفعه محمد فريد رافضا أن يمتد الاحتكار للقرن الواحد والعشرين ومنوها أن القناة هي جزء من مصر .
ومنذ عام 1909 ولأكثر من أربعين عاما نمت الوطنية المصرية من صوت وحيد لأصوات وأحزاب وكتل وتظاهرات مهدت جميعها طريقا واحدا لاستعادة القناة .
في نوفمبر من عام 1875 وبعد حوالي 6 سنوات فقط من افتتاح قناة السويس كانت انجلترا قد أحكمت قبضتها للسيطرة علي القناة بعد أن نجحت في شراء حصة مصر والبالغة 44% من أسهم الشركة ... وقائع عملية البيع السريعة تبدو اقرب لأفلام الأكشن والإثارة وربما تنبئ بأطماع انجلترا الحقيقية ليس في السيطرة علي القناة فقط بل في احتلال مصر نفسها بعد سبع سنوات , يحكي دكتور مصطفي الحفناوي في كتابه القيم (قناة السويس وأزماتها المعاصر )القصة فيقول :" كانت مصر علي شفا الإفلاس بعد أن رهنت كل مواردها مقابل القروض المتلاحقة والتي ذهب جزء كبير منها لتسديد نفقات حفر قناة السويس , وكان عليها أن تسدد في ديسمبر من عام 1975 مبالغ طائلة قيمة بونات علي الخزانة وإلا سيكون البديل هو إشهار إفلاس الدولة المصرية, ولم يكن أمام إسماعيل وقتها سوي التفكير في رهن أسهم مصر في قناة السويس والتي كانت تبلغ (176٫602) سهم وحاول إسماعيل أن يرهنها في فرنسا ضمانا لقرض جديد مقداره أربعة ملايين من الجنيهات وقتها طلب المرابون الفرنسيون فائدة قدرها 18% من قيمة القرض علي ألا يزيد عن 50 مليونا من الفرنكات وهو اقل من المبلغ الذي يحتاجه بالفعل لإنقاذ البلاد من الخراب .
وبينما كان الخديو يفكر في العرض البخس علم السفير البريطاني بالأمر وقررت انجلترا أن تكون هي المشتري للأسهم بأي طريقة كانت وأدار تلك الصفقة وقتها السفير البريطاني بالقاهرة بمعاونة نوبار باشا صديق انجلترا في مصر . ورغم أن الخديو رفض في البداية مبدأ البيع مؤكدا انه يرغب فقط أن تستخدم أسهم القناة كضمان للديون إلا أن الأعيب المرابين الفرنسيين وضغط السفير الانجليزي ونوبار جعلت إسماعيل يستسلم في النهاية وقبل البيع وتحركت انجلترا سريعا جدا لتستغل اللحظة وخلال ثلاثة أيام فقط من يوم 23 نوفمبر وحتي 25 كانت الصفقة قد تمت وقدمت عبر بنك روتشفيلد 4 ملايين من الجنيهات أو ما يوازي وقتها 100 مليون فرنك وتمت الصفقة التي وقعها إسماعيل صدقي باشا نائبا عن الحكومة المصرية والجنرال ستانتون القنصل البريطاني نائبا عن حكومة انجلترا ومن الأمور المثيرة في تلك الصفقة السريعة جدا أنها ما كان يجب أن تتم دون العرض علي مجلس العموم البريطاني والذي كان بالفعل في عطلة بل إن الصفقة تمت دون الرجوع إلي مجلس الوزراء البريطاني لكن الرغبة السريعة في استغلال الموقف كانت اقوي من كل تلك التفاصيل وقدم بنك روتشفيلد المال بدون ضمانات قانونية لأن القائمين عليه يعلمون تماما مدي رغبة انجلترا في إتمام تلك الصفقة قبل أن تنتبه الحكومة الفرنسية لها وتم البيع بالفعل أما المفارقة الصادمة في تلك الصفقة وكما يقول دكتور مصطفي الحفناوي نصا " ولما كانت الحكومة المصرية قد تنازلت في اتفاقية سنة 1869 عن فوائد أسهمها في القناة لمدة خمس وعشرين سنة تنتهي في سنة 1894 فقد قبلت أن تدفع للحكومة البريطانية عن كل سنة ابتداء من سنة 1875 إلي سنة 1894 فوائد بنسبة 5% من قيمة الثمن مقابل حرمان الحكومة الانجليزية من أرباح الأسهم طوال هذه المدة " وهو ما يعني كما يقول دكتور الحفناوي أن الحكومة البريطانية استردت بالفعل ما دفعته من ثمن للأسهم بنهاية عام 1894 !!!!!
هذه التفصيلة التاريخية المهمة ربما تبدو مقدمة مناسبة لتظهر سلوك بريطانيا الحقيقي تجاه القناة ونواياها خلال السنوات التالية خاصة مع بداية القرن العشرين وبعد أن أحكمت قبضتها سياسيا وعسكريا علي مصر عقب الاحتلال عام 1882 .
بدايات القرن العشرين وكما يذكر دكتور مصطفي الحفناوي في كتابه الذي يعتبر مرجعا قانونيا وسياسيا هاما عن القناة يذكر دكتور الحفناوي هي بحق المحاولة الثانية لإعادة احتلال القناة وإحكام السيطرة عليها من قبل الشركة ففي عام 1909 أعدت الحكومة البريطانية بالاتفاق مع شركة قناة السويس مشروعا لمد اجل امتياز شركة قناة السويس لمدة أربعين عاما أخري ليصل عقد الامتياز حتي عام 2008 بدلا من عام 1968 والتي كان مقررا أن تنتهي فيها التسع وتسعون عاما الأولي وبالفعل قام مستر ( بول هارفي ) المستشار المالي البريطاني في مصر بمفاوضة الحكومة المصرية سرا في هذا الأمر وكاد أن يظفر بما يريد لأنه لم يكن في الدستور المصري وقتها ما يحتم الرجوع إلي الجمعية العمومية (ما يوازي مجلس النواب وقتها )ولكن زعيم وطني يقظ كان يقود الحزب الوطني وقتها وهو الزعيم محمد فريد تيقظ للأمر حيث تمكن من الحصول علي نسخة من مشروع هذا الاتفاق في أكتوبر عام 1909 وبادر إلي نشرها في جريدة اللواء وعلق عليها مبينا إسرار المشروع وبواعثه الخبيثة وكان من أهمها :
مد امتياز شركة قناة السويس إلي 31 ديسمبر عام 2008
في المدة من أول يناير عام 1979 وحتي ديسمبر 2008 يقسم صافي أرباح القناة بين الحكومة المصرية وبين الشركة مناصفة مع التحفظين الآتيين
إذا حدث في سنة من السنين أن كان الربح الصافي اقل من 100 مليون فرانك فإن الشركة تحصل علي خمسين مليونا من الفرنكات ولا تنال الحكومة المصرية إلا ما قد يتبقي .
وإذا كان صافي الربح في سنة من السنين خمسين مليونا فقط أو اقل من ذلك تحصل الشركة عليه بأكمله ولا تحصل الحكومة المصرية علي شيء
تتنازل الحكومة المصرية علي حصتها البالغة 15% من صافي الربح والتي تقررت لها في العقد الأصلي.
في مقابل مد امتياز الشركة لأربعين عاما أخري تدفع الشركة لحكومة المصرية مبلغ أربعة ملايين من الجنيهات علي أربعة أقساط لمدة أربع سنوات.
هذه بعض ملامح المشروع الاحتكاري الذي كانت تريد انجلترا به أن تستكمل سنوات احتلالها لقناة السويس وهي التي دفعت وقتها الزعيم المصري العظيم محمد فريد لبدأ حملة شعواء علي المشروع وقال في مقال له بجريدة اللواء لسان حال الحزب الوطني وقتها :" كيف يجوز لهذه الحكومة أن تتساهل في أمر إطالة أمد الشركة مع علمها أن القناة كانت السبب في ضياع استقلال مصر .... وكل مصري حر يتوق أن يراها ملكا لمصر ,حتي لا يبق لأوروبا وجه للتدخل في شئون مصر .... إن فائدة هذه الإطالة المادية والسياسية تعود علي انجلترا إذا تصبح صاحبة القول في القناة لمدة 100 عام من الآن " ولم يكتف محمد فريد بالكتابة الصحفية بل أرسل لكل قادة الأمة بدءا من الخديو إلي رئاسة مجلس النظار والجمعية العمومية ونتيجة لتلك التحركات النشيطة انعقدت الجمعية العمومية في 9 فبراير من عام 1910 برئاسة الأمير حسين كامل وافتتحها الخديو عباس حلمي الثاني والذي القي خطبة تحدث فيها عن المشروع المقدم للحكومة المصرية من قبل شركة قناة السويس بدا فيه ميله للموافقة عليه وفي نفس الوقت تجاوزه عن القانون الذي لا يلزم الحكومة بعرض المشروع علي الجمعية العمومية, ولكنه وكما قال وقتها " ولكن نظرا لأهميتها الاستثنائية بالنسبة إلي الجيل الحاضر والأجيال الآتية قرر مجلس النظار ألا يبت فيها أمرا إلا بعد أن يعلم أن كانت الجمعية العمومية توافق علي مد الامتياز "
ونتيجة لهذا فقد قرر مجلس النواب وقتها ان يشكل لجنة من 15 عضوا لدراسة المسألة وكان رئيسها محمود سليمان باشا وكان باللجنة أسماء هاجمت المشروع بكل شجاعة وعلي رأسهم أمين الشمسي باشا وعبد اللطيف بك الصوفاني ويذكر التاريخ دور إسماعيل باشا أباظة الوطني في إسقاط المشروع بينما اتخذت الحكومة ورئيسها وقتها بطرس غالي موقفا وان بدا غامضا ألا انه كان مؤيدا للمشرع خاصة بعد أن صرح غالي بأنه ليس لديه ما يزيد عن كلام الخديوي والذي بدا مؤيدا للمشروع منذ البداية لكن حادثة وقعت وقتها حسمت القرار وأنقذت القناة من احتكار جديد وهي حادثة اغتيال بطرس غالي علي يد إبراهيم ناصف الورداني الذي لم يقتل غالي وحده بل قتل معه المشروع برمته وأكد هذا تقرير لجنة المشروع التي سبق تشكيلها والتي انتهت في تقريرها في مارس 1910 إلي رفض المشروع معتبرة انه " كانت تتمني ان تقدم الحكومة للجمعية العمومية مشروعا محضرا مبحوثا حق البحث ,مشفوعا بما يشرحه ويؤيده من البيانات والبحوث مضمونا فيه مصلحة البلاد في حاضرها ومستقبلها القريب "

القناة فى خدمة انجلترا

في أثناء الحرب العالمية الأولي ظهر جليا أهمية دور القناة كما تقول دكتورة إيمان عامر أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب بجامعة القاهرة كانت شركة قناة السويس قد وضعت كل إمكانياتها بعد دخول تركيا الحرب العالمية الأولي ومهاجمتها منطقة القناة تحت تصرف البحرية البريطانية فقد أصبحت أرصفة وسفن ومخازن وتليفونات ورجال الشركة تحت إمرة الأسطول البريطاني دون أن تتقاضي من بريطانيا إيجارا أو أموالا حتي عام 1916 حينما انتقلت ساحة الحرب إلي فلسطين ".
لكن سنوات الحرب رغم ذلك لم تطفئ جذوة الوطنية لدي المصريين ولم تنسيهم أن معركة حقيقية يجب أن يخوضوها من اجل إفشال أي محاولات بريطانية لمد امتياز القناة وإحكام السيطرة عليها, بل وتخطي الأمر حدود هذا للمطالبة باستعادة القناة المصرية من أيدي المحتل وكانت اقوي تلك المحاولات في معاهدة عام 1936 كما تشرح دكتورة إيمان عامر فتقول:" مثلت معاهدة 1936 مرحلة من مراحل المفاوضات المصرية البريطانية وكانت القناة محورا هاما من محاور المفاوضات ونصت المادة الثامنة من المعاهدة بأن قناة السويس جزءا لا يتجزأ من مصر وهو في نفس الوقت طريق عالمي للمواصلات للأجزاء المختلفة للإمبراطورية البريطانية ، والي أن يحين الوقت الذي يتفق فيه الطرفان علي أن الجيش المصري أصبح في حالة يستطيع معها أن يكفل بمفرده حرية الملاحة علي القنال يوافق ملك مصر علي وجود قوات بريطانية تتعاون مع القوات المصرية لضمان الدفاع عن القناة .
كما نصت المعاهدة علي أن قناة السويس البحرية التي هي جزء لا يتجزأ من مصر طريق مائي له أهميته الدولية من النواحي الاقتصادية والإستراتيجية ،ويجب الحفاظ علي احترام اتفاقية القسطنطينية المنعقدة عام 1888 التي تكفل حرية الملاحة في القناة . "
وتضيف:" المعاهدة وما ترتب عليها لم يكن وليد اللحظة بل سبقته حركة وطنية وتنويرية وحتي صحفية مهدت لها ومنها. ما قام به كل من الحزب الشيوعي المصري وجماعة مصر الفتاة ومطالباتهما الدائمة منذ العشرينيات الحزب الشيوعي بتأميم القناة عام 1945 بينما جاءت مطالبة حزب مصر الفتاة الصادرة عام 1948 بتصفية الشركة واعتبار القناة مرفقا عاما مصريا وعندما تغير اسم الحزب إلي الحزب الاشتراكي عام 1949 طالب الحزب في برنامجه بتأميم مصادر الثروة والإنتاج ومنها قناة السويس وكان كتاب الاقتصادي المصري الكبير طلعت حرب " قناة السويس " الذي أصدره عام 1910 لخص فيه محاولات الشركة مد أجل الامتياز ولخص ما سببه مد الامتياز من خسارة مالية جسيمة لمصر موضحا أن دخل الشركة ما بين عامي 1969 و 2008 (أي طوال فترة الامتياز )سيصل الي 10,2 بليون فرنك مما يمثل خسارة كبيرة للاقتصاد المصري .كان له تأثيره العظيم في وهي المصريين والشباب بأهمية أن تكون القناة مصرية " .
ومنذ نشر محمد فريد مقالته الأولي في جريدة اللواء أصبحت الصحافة شريكا أساسيا في النضال المصري ضد احتلال القناة وتشرح دكتورة إيمان قائلة :" قامت الصحافة المصرية بدور رائع عندما أخذت تعرض علي الرأي العام المصري طبيعة وخبايا مشكلات قناة السويس بكل أبعادها السياسية والاقتصادية والإستراتيجية ،وكشفت بشاعة الأطماع الاستعمارية المتمثلة في النهب الاستعماري لأموال القناة ، واحتلال البلاد بسببها وكانت خطوة بطولية من الصحافة المصرية حيث كانت مشكلات شركة القناة يتم بحثها ومناقشتها في سرية كاملة بين الحكومات المصرية المتعاقبة وإدارة الشركة وسلطات الاحتلال . وأدي كشف هذه الخبايا الي تعبئة الرأي العام المصري ضد محاولات مد الامتياز .
واصلت الصحافة المصرية المعارضة لمشروع الاتفاق حملاتها عندما تجددت محاولات مد الامتياز للمرة الثانية عام 1930 وعمدت إلي توجيه النداءات إلي مجلس الوزراء تطالب بضرورة عقد الجمعية العمومية لعرض المشروع واستفتاء الأمة عليه . وفي 7 ابريل 1930 عقدت الجمعية العمومية جلسة تاريخية امتلأت فيها قاعة الجمعية بالجمهور المصري وفي تلك الجلسة رفضت الجمعية بالإجماع المشروع وخرجت مظاهرة من دار الجمعية سار فيها آلاف المصريين منددين بالمشروع ومطالبين بالجلاء . وجاءت الحرب العالمية الثانية لتؤكد بشكل جلي أن وصف المؤرخ الكبير "عبد الرحمن الرافعي " في كتابه "عصر إسماعيل " موضحا أن شركة قناة السويس هي عبارة عن حكومة داخل حكومة هي حقيقة واقعة للأسف ففي خلال الحرب العالمية الثانية وضعت شركة القناة أعمالها في منطقة قناة السويس تحت سيطرة القوات البريطانية ومنعت السفن الألمانية من المرور في القناة وحينما سقطت باريس تحت الاحتلال الألماني ومعها مكاتب الشركة في باريس لم تنقل الشركة مكاتبها الرئيسية إلي القاهرة ،وإنما إلي لندن حيث أقامت جمعية "المديرين البريطانيين "للإشراف علي أعمال الشركة ثم عادت الشركة إلي باريس بعد انتهاء الحرب لكي تظل أعمالها وأموالها بعيدا عن أعين الحكومة المصرية ما حدث كان بالفعل كاشفا لكل المجتمع والتيارات السياسية والنضالية في مصر لتصبح المطالبة باستعادة القناة هو هدف وحيد لا بديل له حيث طالبت لجنة العمال للتحرير القومي في برنامجها الصادر في أكتوبر 1945 باستعادة القناة لتكون ملكيتها وإدارتها في يد مصركما نشر احمد حسين عام 1951 كتاب عنوانه الأرض الطيبة طالب فيه بإزالة تمثال ديليسبس ووضع تمثال الفلاح المصري وهو الفكر الذي سار علي دربه رجال ثورة يوليه وانتهي بالتأميم عام 1956.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.