لم تدم فرحة عدد كبير من المتفوقين فى شهادة الثانوية العامة طويلا، فبعد أيام من إعلان النتيجة ، وانطلاق المرحلة الأولى من تنسيق القبول بالجامعات، أصيبوا بالألم والحسرة، بسبب ارتفاع المجاميع، وإغلاق أبواب الأمل أمامهم فى الحصول على مكان فى كليات القمة بالقطاع الطبي، التى يصل الحد الأدنى للقبول بها إلى 97% وفقا للمؤشرات الأولية للمرحلة الأولى، ومن ثم تحطمت أحلامهم على صخرة الواقع! الثانوية العامة على حد قول الدكتور أشرف حاتم أمين عام المجلس الأعلى للجامعات- تمثل مسابقة بين الطلاب وبعضهم، ويفوز فيها أصحاب المجاميع الأعلى بالكليات التى يرغبون فى القبول بها، بعكس النظم المعمول بها فى مختلف دول العالم، ففى دول كثيرة لا يكون امتحان الثانوية العامة هو المعيار الوحيد للقبول بالجامعات، مثل ال «آى جي، الامريكان دبلومة، الباك الفرنسي، والأبيتور الألماني، فكل هذه الامتحانات تمثل شهادة نهائية تمثل نهاية مرحلة تعليمية، ويتقدم بها الطالب للجامعة، لكن نتائجها ليست المعيار الوحيد للقبول، إذ يخضع المتقدمون من الحاصلين عليها لامتحانات للقبول (تحريرية، شفهية، اختبارات لقياس مستوى الطالب ومهاراته، والتخصص العلمى المناسب له)، كما هو معمول به فى الجامعة الأمريكيةبالقاهرة التى مضى على تأسيسها أكثر من 80 عاما، وتشمل معايير القبول بها المجموع والاختبارات، والحال كذلك فى جامعة زويل، والجامعة الألمانية، فهناك حد أدنى من المجموع للقبول، وكذلك هناك اختبارات لا بد أن يجتازها المتقدمون للدراسة بها . مكتب التنسيق المشكلة الحقيقية أن نظام مكتب التنسيق والثانوية العامة قد بدأ العمل به فى الخمسينيات والستينيات، وكان نظام مكتب التنسيق وقتها هو الأكثر عدالة وشفافية، لكن الدنيا تغيرت، وهناك عوامل تؤثر فى نتيجة الامتحان، كالتسريبات، والغش ، والحافز الرياضي، والشهادات المعادلة، كما أن مكتب التنسيق لا يعدو كونه مكانا لتنفيذ سياسات القبول بحسب الأماكن المتاحة فى كل كلية، ووفقا لهذا النظام ، فمن الطبيعى أن تقبل كلية ما الطلاب الأعلى من حيث المجموع، حسب الأماكن المتاحة بها، وهذا يحقق العدل ، بدليل أن الكلية لا تقبل طالبا أقل من المجموع المقرر للقبول بها، أما أن يحصل نصف الطلاب تقريبا على أكثر من 95% ، فذلك لا تفسير له سوى أن الاختبار كان سهلا وفى متناول قدرات نسبة كبيرة من الطلاب، أو أنه كانت هناك حالة من التسيب فى المراقبة أو التصحيح، حلول مطلوبة ولتلافى تلك الازمة المتكررة سنويا، والتى ترفع معدلات القبول فى كليات القمة، وتحرم طلابا آخرين من القبول برغم تفوقهم لعدم حصولهم على المجموع المقرر للقبول ، فإنه ينبغى خلال السنوات المقبلة أن يكون امتحان الثانوية العامة شهادة منتهية، وبعده يكون هناك اختبار للقبول بالكليات المختلفة، بحيث لا تكون نتيجة الاختبار هى المعيار الوحيد للقبول، بل يجب أن تكون هناك معايير أخرى. ** سألناه: ألم يطرح المجلس الأعلى للجامعات حلولا لتلك الأزمة المتكررة كل عام؟ - أمين عام المجلس الأعلى للجامعات: المجلس قدم دراسة إلى وزير التعليم العالى منذ عام واقترح فيها إجراء اختبارات للقبول بالجامعات، بحيث يتم اعتماد ذلك النظام خلال 5 سنوات من تاريخ إعدادها العام الماضي، وتم تقديم تلك الدراسة إلى وزير التعليم العالى فى أكتوبر 2014، والوزارة فى طريقها لطرح أفكارنا أمام مجلس الوزراء، لكن ربما يكون التمويل هو العائق الذى أدى إلى عدم تنفيذها حتى الآن، مؤكدا أن مكتب التنسيق برئ، ولا علاقة له بتحديد أعداد المقبولين بالجامعات، بل يتم استطلاع رأى كل جامعة لتحديد احتياجاتها من الطلاب الناجحين فى الثانوية العامة، والراغبين فى الالتحاق بالكليات المختلفة، ولذلك يقتصر دور مكتب التنسيق على توزيع الطلاب على الكليات وفقا للأماكن المتاحة بكل كلية. وإذا كان البعض يرى أن حل أزمة حرمان الطلاب المتفوقين من الالتحاق بكليات القمة، يكمن فى ضرورة زيادة عدد الجامعات الحكومية، والتى يقدر عددها حاليا بنحو 23 جامعة ، بمعدل جامعة فى كل محافظة تقريبا، فإن أمين عام المجلس الأعلى للجامعات، لا يرى فى زيادة عدد الجامعات الحكومية حلا للأزمة، صحيح أنه يجب زيادتها إلى 30 جامعة، لكن يجب أن يعدل الطلاب عن ثقافة الالتحاق فقط بكليات القطاع الطبي، إذ لا يمكن قبول أكثر من 10 آلاف طالب فى كليات الطب على سبيل المثال، فى وقت يحتاج فيه سوق العمل لتخصصات فنية وتكنولوجية، وتمريض، بينما نجد وفرة فى خريجى كليات بعينها، لا يحتاجها سوق العمل، ما يؤدى لضمهم إلى طابور البطالة، ومن ثم ينبغى تطوير التعليم الفني، والجامعات التكنولوجية، لتلبية احتياجات سوق العمل، لا سيما أن 28 ألف خريج حصلوا على أكثر من 95%، وهو ما يفوق الطاقة الاستيعابية للكليات والمعامل، وقاعات الدراسة، وأعضاء هيئات التدريس، كما أن النقابات المهنية لها الحق فى مطالبتها بتقليص أعداد المقبولين، لعدم احتياج سوق العمل إليهم، كما أن هناك جامعات حديثة لكن، أعداد أعضاء هيئة التدريس فيها قليل، ومن ثم لن تكون إمكاناتها قادرة على استيعاب أعداد كبيرة من الناجحين فى الثانوية العامة، فالجامعات الإقليمية تقبل نحو 2٫5مليون طالب، بينما تقبل الجامعات الخاصة نحو 60 ألفا، ولذلك فإن أحد الحلول من وجهة نظري- التوسع فى إنشاء الجامعات الأهلية، لكن تأسيس مثل هذا النوع من الجامعات يواجه عقبات كثيرة، فقد أصبحت «النيل» جامعة أهلية بعد 10 سنوات، وتحولت الفرنسية إلى أهلية بعد 8 سنوات، ولذلك يجب تعديل القانون الذى لا يفرق بين الجامعات الخاصة والأهلية، ولدى المجلس الأعلى للجامعات تصورات بخصوص هذه التعديلات المطلوبة لمواجهة هذه العقبات وإيجاد حلول لها، وتيسير التوسع فى إنشاء الجامعات الأهلية، وسيتم عرضها على مجلس النواب المقبل. « العدالة الاجتماعية » بشكل قاطع، فإن ظاهرة المجاميع الكبيرة- كما يقول الدكتور فاروق إسماعيل رئيس جامعة الأهرام الكندية- ترجع إلى قرارات غير مدروسة من جانب مسئولى وزارة التربية والتعليم، بشأن إلغاء بعض الأسئلة فى الامتحانات، نتيجة شكوى بعض الطلاب من صعوبتها، ومن ثم إعادة توزيع الدرجات على الأسئلة، وهنا لن يستطيع أحد فرز الطالب المتميز من المتوسط، ثم جاء الغش الإلكتروني، ليقضى على أى فوارق بين الطالب المتميز والمتوسط والضعيف أيضا، ولدينا شكوك فى أن وزارة التربية والتعليم قد استطاعت السيطرة على هذه الظاهرة السلبية التى تضرب معايير التفوق فى مقتل، لذلك ان المجموع لا يعكس المستوى الحقيقى للطالب. والمؤسف بحسب الدكتور فاروق إسماعيل- ألا يجد طالب متفوق بمجموع 97٫5% مكانا فى كلية الصيدلة بجامعة حكومية، ولا يمكن قبول تفسير ظاهرة المجاميع الكبيرة على أنها تعكس نجاح وزارة التعليم، ومن ثم فإن هناك حاجة لامتحانات متوازنة تحقق العدالة الاجتماعية التى ننشدها جميعا، وعندما تقرر وزارة التربية والتعليم إلغاء سؤال بدعوى أنه سؤال صعب نتيجة شكوى الطلاب، فذلك يعنى المساواة بين جميع الطلاب على اختلاف مستوياتهم العلمية، وكذلك عدم التمييز بين الطالب المتميز والمتوسط والضعيف، وتلك تمثل ظاهرة فجة، يجب مواجهتها باللجوء لإجراء اختبارات للقبول بالجامعات. وفى اعتقادى والكلام لرئيس جامعة الأهرام الكندية- أننا يجب أن نبدأ من الآن، لمواجهة مأساة المجاميع الكبيرة، والقضاء على ظاهرة الغش الإلكتروني، فمن قبل واجه الدكتور أحمد فتحى سرور وزير التربية والتعليم الأسبق ظاهرة الغش بالميكروفونات أمام لجان امتحانات الثانوية العامة، مستعينا بالشرطة ، ومن ثم يمكن السيطرة على ظاهرة الغش الإلكترونى من خلال عقد الامتحانات فى قاعات معزولة عن الإنترنت والمحمول، ويمكن أن تقوم كل كلية فى نطاق تخصصها بإجراء اختبارات للقبول بها، بحيث يكون القبول بنسبة 50% من مجموع الطالب فى الشهادة الثانوية، وتعتمد ال 50% الأخرى على نتيجة اختبارات القبول بالكلية نفسها، وعلى المسئولين التفكير فى آليات ووسائل أخرى، كالانتهاء من اختبارات الثانوية العامة فى شهر فبراير ، وإجراء الاختبارات بين شهرى مارس وإبريل، على أن تعقد الكليات اختبارات القبول بها فى شهر مايو، وبذلك نواجه ظاهرة المجاميع الكبيرة، التى صارت تحرم الطالب المتفوق من الحصول على مكان فى كلية القمة التى يرغب فى الالتحاق بها. أزمة ارتفاع المجاميع المجاميع الكبيرة كما يقول الدكتور عادل عبد الغفار عميد كلية الإعلام بجامعة بنى سويف المتحدث الرسمى لجامعة القاهرة مستشار وزير التربية والتعليم الأسبق- تمثل مشكلة حقيقية وأزمة متكررة كل عام، إذا يرتفع الحد الأدنى للقبول بكليات القمة إلى نسب مرتفعة، بسبب محدودية الأماكن الشاغرة بالكليات، والسبب هو نظام الامتحانات، فإذا جاء الاختبار فى مستوى الطالب المتفوق، تخرج وسائل الإعلام على الرأى العام لتصف الامتحانات فى مانشيتاتها ب «مذبحة الثانوية العامة»، ويضطر الوزير لتوجيه واضعى الامتحان بتسهيل الأسئلة، لتجنب الهجوم الإعلامي، ولذلك يوجه الوزير بمراعاة الهجوم الإعلامى الذى يمثل وسيلة ضغط قوية، توجد غضبا شعبيا عارما لدى الأسرة المصرية، فى حالة صعوبة الامتحانات، ومن ثم تأتى الاختبارات فى متناول أعداد كبيرة من الطلاب، فتأتى النتائج فوق احتياجات كليات القمة، وإذا كانت معايير الامتحان قد أدت إلى هذه النتيجة، فذلك معناه أن هناك خللا فى النظام، ذلك أنه من المتعارف عليه عالميا، ان نسبة المتفوقين يجب ألا تتجاوز 10% من الطلاب، كما يجب ألا تزيد نسبة الراسبين على 10%، و50% يحصلون على مجموع يتراوح بين 55% و65%، والنسبة الكبرى من الناجحين يجب أن تتراوح بين 65% و75%، تلك هى النسب المقبولة، ولكن أن تصل نسبة الحاصلين على 90% إلى 30% من أعداد الناجحين، فذلك يعنى أن هناك مشكلة، وأن كليات القمة لن تستطيع استيعاب كل هذه الاعداد الكبيرة من المتفوقين، فيتم رفع الحد الأدنى للقبول إلى نسب خيالية، تؤدى إلى استبعاد أعداد كبيرة من الحاصلين على مجاميع كبيرة من الالتحاق بكليات القمة، ذلك أنه ليس من المعقول التوسع فى أعداد المقبولين بالكليات، فتتكدس أعداد خريجى الكليات ممن لا تحتاجهم سوق العمل، كما أنه كلما زاد عدد الطلاب بالكليات عن الحد المطلوب والمناسب، كلما انخفضت جودة وكفاءة العملية التعليمية. الجامعات الأهلية والحقيقة كما يقول عميد إعلام بنى سويف- فإننا أمام ظاهرة مجاميع ضخمة، وفروق طفيفة بين الحاصلين على شهادة الثانوية العامة، و30% منهم حصلوا على 90% فأكثر ، ما يعنى أنهم حصلوا على تقدير ممتاز، فهل معنى ذلك أن نظام التعليم فى مصر يؤدى إلى تخريج هذه النسبة الكبيرة من العباقرة؟.. الإجابة بالطبع لا، فعندما تصل نسبة الحاصلين على مجاميع كبيرة إلى هذه النسب، فذلك يعنى أن نظام الامتحانات والمقررات ليس مؤشرا لذلك، ولذلك يجب قياس قدرات الطالب، ومهاراته المعرفية، والتحليلية، وقدرته على ابتكار أساليب وأفكار جديدة، لتحديد المجال التعليمى المناسب لتلك القدرات، بالإضافة إلى حد أدنى من المجموع، كما أنه قد حان الوقت للتوسع فى إنشاء الجامعات الأهلية ، والتى لا تهدف إلى الربح ، ويمكن أن تقبل الطلاب بمصروفات مناسبة فى مرحلة وسطى بين التعليم الجامعى الحكومى المجاني، والتعليم الخاص باهظ التكاليف، بحيث يتم إنشاء جامعات أهلية صغيرة تتولى تدريس التخصصات التى تحتاجها البيئة المحلية التى تنشأ بها، مؤكدا أن مكتب التنسيق يتولى فقط توزيع الطلاب على الجامعات وفقا لمعايير موضوعية، وأن كل كلية هى التى تحدد نسبة الطلاب الذين تحتاجهم للدراسة بها.