سمعت لأول مرة بكلمة" المانيفستو" عندما قرأت عن الحركة الشيوعية فى مصر،و لم أهتم يوماً بالكلمة ولا بمعناها ولا بالحركة الشيوعية، تماما كما لم أهتم بالحركة الإسلامية، إذ كان اهتمامي كله منصباً فى هذه المرحلة على البحث عن الذات وعن أهداف المرء فى الحياة! كانت الحياة السياسية بالنسبة لى أمراً غير مثير على الإطلاق، حيث لم أسعي يوماً للانخراط فى حركة من الحركات التى كانت منتشرة بالجامعة وقت أن كنت أدرس فى اواخر الثمانينات وأوائل التسعينات، إذ كانت الفلسفة هى اختيارى العقلى الوحيد الذى قمت به عن قناعة، وكان معناها بالنسبة لى، أن أقبل كل الآراء وأن لا أحاول لا أن أدحضها ولا أن أثبتها، وإنما أن أفهم دوافع كل رأى، و أن أحلل أسباب انجذاب البعض له ونفور البعض الآخر منه، وأحياناً البحث عن منطق ما قد يسمح بدمج الرأيين معا، درءاً للنزاع والصراع وتقريباً لوجهات النظر ووصولاً لأفضل الحلول من أجل الصالح العام. كنت أرغب تماماً فى الابتعاد عن كل أشكال التفكير فى السياسة، وما يحدث من صراع فى بلدى الحبيب مصر أثناء زيارتى الأخيرة للمغرب فى الأسبوع الماضي، وأن استمتع بجمال المغرب وشمسه المشرقة وجباله الخضراء ومياهه الزرقاء، و لاحظت أن المغرب يشهد نهضة كبيرة فى مجال الطرق والاستثمارات والإصلاحات التشريعية، بعد أن قررت المملكة محاربة الفساد، ليس فقط عن طريق التشريعات وتشديد الرقابة، بل إن الحكومة المغربية خصصت رقماً ساخناً يمكن للمواطنين من خلاله الإبلاغ عن طلبات الرشوة واستغلال النفوذ، ليحضر فى الحال مندوب من الرقابة، لتسجيل الواقعة واتخاذ الإجراءات اللازمة حيال الأمر، هذه الخطوة أدت إلى اتجاه العديد من الشركات الأجنبية العملاقة للسعي لبناء مصانع لها فى المملكة المغربية بكل اطمئنان وهو ما نتمنى ان نصل إليه فى مصر بعد تطبيق نظام الشباك الواحد من قبل هيئة الاستثمار. لاحظت أيضاً التزام المواطن المغربي بالحفاظ على البيئة والنظافة، واحترام قواعد المرور، والأدب الجم فى معاملات المغاربة مع ضيوف بلادهم، فضلاً عن تلك القدرة الغريبة على الاختلاف فى وجهات النظر بين الأفراد، مهما اختلفت اتجاهاتهم الأيديولوجية، إنها حقاً بلد الفلاسفة. نعود إلى حكاية "المانيفستو" الذى قمت بالبحث عن معناه لمحاولة فهم هذه الكلمة التى ألحت علي طوال ثلاثة أيام أثناء وجودى فى شمال المملكة المغربية، حيث وجدت معنى المانيفستو "Manifesto" فى الموسوعة الحرة "ويكيبيديا" على أنه البيان الرسمي، وهو إعلان أو منشور يتضمن نوايا أو دوافع أو آراء تخص ناشر البيان، وقد يصدره فرد أو مجموعة او حزب سياسي أو حكومة، ويقبل "المانيفستو" عادة الرأي السابق أو الاجماع العام أو يدعم فكرة جديدة فيها مفاهيم مستحدثة لتحدث تغييرًا يعتقد مُصدر البيان بضرورتها، وعادة ما تكون هذه البيانات سياسية ولكن قد تكون أحيانًا موقف شخصي. فكرت فيما لو قررت الدولة المصرية إصدار بيان "مانيفستو" لإنهاء حالة الانقسام السياسي والفكرى بين اللاعبين السياسيين، على أن ينص البيان صراحة على وجوب نزع المذهبيات الدينية من العمل السياسي، وأن لا يكون الخلاف الأيديولوجى بين الأحزاب السياسية سبباً بأى حال من الأحوال للتناحر بين تلك الأحزاب طمعاً فى كسب ود الرأي العام علي حساب الإصلاح. وأن يتعهد الجميع بضرورة التعاون مهما كانت الخلافات والاختلافات من أجل الوحدة الوطنية، ومن أجل مصلحة الوطن والمواطن، وأن يتم التعهد أيضاً بمنع كافة الشعارات الدينية والأحزاب القائمة على أساس دينى وأن يقر الجميع بفصل الدين عن السياسة، مع الاتفاق على وضع خطة زمنية للإصلاح التشريعى فى اتجاه الديمقراطية، والأهم هو أن يتفق الجميع على ضرورة السماح بتداول الأفكار والخلاف فى الرؤى دون تسفيه أو تحقير، أو دعوات للعنف والاقتتال، وأن يكون الإخلال بذلك محل وقوع تحت طائلة القانون وبمنتهى الحسم، والأهم أن يعتمد الجميع المبادئ اللازمة لحماية حقوق الإنسان فى كل الأوقات. تُرى، هل يُعد هذا حلماً بعيد المنال أم أن "مانيفستو" الدولة المصرية قد يكون هو المخرج لمستقبل جديد... [email protected] لمزيد من مقالات أحمد محمود