حين تشرق شمس صباح الخميس المقبل، الموافق السادس من أغسطس، عام 2015، لن يكون صباح هذا اليوم، مثل «صباحات» الأيام الأخرى، التى اعتادت «المحروسة» عليها طويلا، ففيه ستنهض مبكرا من فراشها، بعد ليلة لم تذق فيها النوم، وسوف ترتدى ثوبها السندسى الأخضر القشيب، وتغطى رأسها برايتها الحرة: عفة وعزة وحرية، ثم تخرج، تتهادى على شاطئ القناة الجديدة، على البساط الذهبى، رمال أرض سيناء المقدسة، تتقدمها موسيقى التاريخ، تعزف نشيدها التليد وتصدح بالأمل، وتبشر بالخير: «الخير بيجيب الخير والفرحة دى كانت شوق»، و«افتح صندوق العيد وادى الحلوة مرايا»: كما يقول عاشق مصر الراحل «صلاح جاهين». فى هذا اليوم، سوف تتعطر مصر من مسكها الخاص المعتق، الذى تحتفظ به فى قارورة زمنها الطويل العميق، الممتد إلى فجر الإنسانية، والموغل فى أصل الخلق. مسك هو خليط من رائحة أرضها «المروية» بماء النيل، ورائحة دماء شهدائها، ورائحة عرق حراسها وعمالها وشغاليها، وكل ناسهاالطيبين والغلابة. فى هذا اليوم، تقيم مصر «فرحها» على شاطئ القناة، كما فعلت من قبل، منذ 146 عاما، يوم 15 نوفمبر 1869، حيث كانت الإنسانية على موعد مع افتتاح «القناة الأم»، التى لم تعد مصر بعدها، كما كانت قبلها. الذين يشككون فى قيمة المشروع، وفى عوائده، لا يحبون هذا الوطن، ولا يريدون له أن يذوق الفرحة، فالمشروع بكل المقاييس عمل اعجازى كما وصفته صحيفة التايمز البريطانية، فضرورته تتجاوز قيمته الاقتصادية، بما يحققه من مكاسب وطنية ومعنوية، تتمثل فى أنه كشف عن قدرة المصريين الهائلة فى التحدى والتصميم، وعكس حجم إرادتهم على تحقيق هذا الانجاز الكبير، فى موعده، وبإتقان هائل، نتيجة منظومة عمل عصرية. لقد غابت عن المصريين الأفراح منذ زمن بعيد، ولم يحققوا مشروعا كبيرا على الأرض لسنوات طويلة، والآن يمكن أن يفرحوا، ولكن بقدر معقول، وبلا توقعات عالية، فالمشروع مجرد بداية، وأول مشوار طويل. فى الختام .. يقول سيدنا نوح لابنه عن مصر: «اسكنك أم البلاد وأصلها». لمزيد من مقالات محمد حسين