بمناسبة مرور تسعين عاما على نشر كتاب الإسلام وأصول الحكم فى عام 1925، والذى ألفه الشيخ الأزهرى على عبدالرازق، كتب الأستاذ أحمد عبدالمعطى حجازى أربعة مقالات ذكرنا فيها بالكتاب وبالرسالة السياسية التى تضمنها ودلالتها بالنسبة لأوضاعنا الراهنة، وأود أن أضيف الى ما قاله الأستاذ حجازى عدة صفحات مهمة، ولكنها مجهولة فى مسيرة على عبدالرازق وكتابه أقترح أن تضاف الى أجندة النقاش، حيث إن مفكرى تيار الاسلام السياسى قد اختطفوا هذا الملف وحددوا أجندته فى سياق اتهامات دائمة لصاحب الكتاب منها نسب آراء اليه لم يقلها والتعتيم على آراء طرحها، وأعتقد أنه من واجب الباحثين المصريين أن يهتموا بتبين حقيقة تلك الصفحات، وذلك لوضع النقاش العام حول الكتاب فى إطار مبنى على المعلومات الدقيقة لعلنا نستفيد شيئا منه فيما يدور من نقاش حول الخطاب الديني. لعل الصفحة الأولى تتعلق بما قاله الشيخ بالفعل فى كتاب الإسلام وأصول الحكم. فقد قال أن الإسلام لم يحدد شكل نظام الحكم، وأنه قد ترك مسألة شكل نظام الحكم للمسلمين يقدرونها طبقا لظروفهم المتغيرة وطبقا لما يتعلمونه من الخبرات الناجحة للأمم الأخري، وأن الخلافة ليست بالضرورة هى نظام الحكم فى الإسلام، بل إن سجل الخلافة طوال أربعة عشر قرنا كان هو سجل الاستبداد بالمسلمين لامتلاك الخليفة كل السلطات. وقد يفاجأ البعض أن عبدالرازق قال إنه لا يمانع أن تكون الحكومة شورية، وأن تكون حكومة الخلافة «بشرط أن يكون هناك إجماع حولها»، ما يهم عبدالرازق هو أن تكون سلطة الحاكم نابعة من الأمة وليست منسوبة الى نصوص دينية تخيلها البعض. معظم تلك الأفكار لم يكن جديدا فى فكر أهل السنة والجماعة تأتى فى شكل قولهم «الخلافة ليست من أصول الدين ولكنها من فروعه»، ومعظم ما قاله عن استبداد الخلفاء وثقه المؤرخون، بل زاد بعض المعتزلة اليها أن الخلافة ليست ضرورية أصلا، ولكن حينما قالها على عبدالرازق ثارت المؤسسة الدينية التقليدية عليه وأخرجته من زمرة علماء الأزهر، وذلك لسبب بسيط وهو أن المعركة ضد الكتاب كانت معركة سياسية حركها القصر الملكى لأن الشيخ كان بنشره الكتاب ينسف مشروع تولى الملك فؤاد الخلافة، ووظف الملك تلك المؤسسة للتنكيل بصاحب الكتاب، ولم تتردد المؤسسة فى أن تلعب الدور المطلوب منها، والدليل على ذلك أنه بعد اصدار هيئة كبار العلماء حكمها على الشيخ سارع الشيخ الجيزاوي، شيخ الأزهر ورئيس الهيئة، بارسال برقية الى الديوان الملكى يزف اليه خبر اتمام مهمة تشريد الرجل، وبمجرد تلقيه البرقية أمر الملك بتنفيذ قرار الهيئة حتى انه أقال الوزير الذى تباطأ فى التنفيذ، ولا نعرف حتى الآن لماذا أرسل الشيخ الجيزاوى تلك البرقية الى الملك، وهل كان قرار الملك برفع رواتب العلماء قبل بدء المحاكمة مؤثرا فى سيرها، نريد أن نعرف هل دخلت الهيئة الى قاعة المحاكمة وهى تحمل نص الحكم؟ وهل كان يجوز لرئيس الهيئة أن يبدأ المحاكمة بمخاطبة عبدالرازق بأن «كتابك كله ضلال» ومع ذلك يستمر فى رئاسة هيئة المحاكمة ولا يتنحى؟ اما الصفحة الثانية فتتعلق بردود بعض كبار العلماء على الشيخ عبدالرازق، فقد نشر ثلاثة من علماء الأزهر هم الخضر حسين، وبخيت المطيعي، والطاهر عاشور ثلاثة كتب فى دحض أفكار على عبدالرازق، وهو أمر طبيعى فى اطار الحوار العقلاني، ولكن لم يكن طبيعيا كمية الاهانات والشتائم التى وجهها الخضر والمطيعى الى على عبدالرازق، فقد رماه المطيعى «بالكفر والإلحاد»، كما حصرت فى كتاب الخضر ثلاث عشرة عبارة نابية لا تليق بمن تولى فيما بعد مشيخة الأزهر لعل أقلها وصفه آراء الشيخ بأنها «الآراء الساقطة»، ورغم ذلك يصف أحد الذين يتكسبون من مهاجمة على عبدالرازق، تلك العبارات بأنها «معالم مشرقة للمنطق الاسلامى المدافع عن حقيقة الإسلام»، وجاءت مقدمة كتاب الخضر تشير الى اهدائه الكتاب الى الملك فؤاد، بل ولتضفى على الملك صفات لم يكن يستحقها، كما حدث تحول كامل فى تعليقات بعض مفكرى تيار الاسلام السياسى على كتاب الخضر من الاستهجان الى الثناء، لو أن هذا الأسلوب تم فضحه فى ذلك الوقت لما حدث لنا ما حدث، بعد تسعين عاما حين هبطت على المصريين عاصفة من الشتائم والاهانات من معظم قادة فكر تيار الاسلام السياسي، وهو ما أفزع المصريين ودفعهم الى خلعهم، فهل لنا أن نعيد فحص كتابى الخضر والمطيعي، ليس لرفض الحجج التى جاءت بهما، ولكن لكى نتعلم دروسا فيما يجب تجنبه فى الحوار الذى يفترض أن يكون عقلانيا، وبالذات من بعض علماء الدين. اما الصفحة الثالثة، فتتعلق بالاتهام الدائم للرجل بأنه قال إن الإسلام هو مجرد رسالة روحية، كما أنه تراجع عن أفكاره الواردة فى الكتاب، نفى الرجل هذا الاتهام أمام الهيئة واستمر ينفيه حتى وفاته، وأكد أنه قال الإسلام لم يأت بنظام للحكم ولكن لم ينف أن به نظاما للمعاملات المدنية واجب التطبيق فى اطار الدولة المدنية، ولكنهم أصروا على أنه قال ذلك، وفيما بعد نسبوا اليه أنه تراجع عما قاله فى الكتاب فى شكل مقال نشره سنة 1951 فى مجلة رسالة الاسلام، وأنه رفض نشر الكتاب حينما طلب منه ذلك الأستاذ محمود أمين العالم، وقد اطلعت على المقال ووجدت العكس حيث أعاد الشيخ تأكيد أفكاره، كما أطلعت على نص مقال الأستاذ العالم المنشور فى 7 اكتوبر سنة 1966، أى بعد وفاة الشيخ مباشرة، ووجدت أن الشيخ لم يرفض نشر الكتاب ولكنه طلب منه ألا يؤدى النشر الى تعرضه مرة أخرى للمحنة التى تعرض لها سنة 1925، وطلب ضمانا بذلك، فهل لنا أن نعيد نشر مقال على عبدالرازق المنشور سنة 1951 ونص مقال الأستاذ العالم ليتبين الجميع حقيقة الافتراءات على صاحب الكتاب بوضع الكلام فى فمه. أما الصفحة الرابعة فهى أن عبدالرازق نشر مقالا سنة 1935 فى مجلة الهلال بعنوان «الديمقراطية والدين» أوضح فيه أن النظام الذى يفضله هو النظام الديمقراطي، وأن الاسلام قد قرر هذا النظام حين أكد حق الأمة فى الحكم، ولكن لا أثر لهذا المقال فى النقاش الدائر، بل ولا ذكر له فى أى سياق عدا قيام مجلة الديمقراطية بإعادة نشره سنة 2002، الشيخ يقول صراحة إنه يفضل النظام الديمقراطى ولكن لأن كلمة الديمقراطية تسبب لهم ألما عقليا فإنهم لم يشيروا الى المقال فى أى حوار لهم، ومن ثم أدعو الى نشر المقال المذكور واعتباره مع المقال المنشور سنة 1951 جزءا ملحقا بالكتاب نظرا للتعتيم الذى لحق بهما، وللحديث بقية. لمزيد من مقالات محمد السيد سليم