مثل كل العصافير كانوا يحلقون في ملكوت الجمال والصفاء والبهاء ، وكأغصان الزيتون الطرية يلهون في سلام بين ساحات البراءة الناعمة وآفاق الغد الرحبة ، ويتطلعون في شوق ولهفة إلي أمان المستقبل الوديع . غير أن الإبتسامة الصافية والضحكة الندية لقيت مصرعها علي أسنة الإهمال وبسيوف جنون الطرق ورماح التهور في لحظة طائشة أنشب فيها الموت أظفاره في أجساد نحيلة ضعيفة ، وروت فيها دماء الرصيف المتعطش للموت والدمار. هنا إبراهيم فتحي طفلة صغيرة عمرها أربعة أعوام ، وجمال طفل لم يتجاوز الثالثة من عمره ، الأولي من قرية برمبال القديمة مركز منية النصر ، والثاني من قرية الدراكسة التابعة لنفس المركز جمعهما القدر ليكونا من ركاب ميكروباص به 11 راكبا يضم أسرتيهما وإن إختلفت الأهداف والتوجهات والمرامي، فهنا كانت مع والدتها ووالدها في زيارة لأحد الأقارب في المنصورة إستعدادا للمشاركة في عرس ، وجمال كان مع والديه في رحلة سياحية إلي أحد الشواطئ الشمالية وكان من المفترض أن يذهبوا إلي مدينة المنصورة للحاق بالفوج السياحي . كان الطفلان يداعبان المارة من نوافذ السيارة وتارة يغلبهما النعاس وتارة أخري يأكلان بعض الشيكولاتة ويشربان الماء ويتحدثان مع أسرتيهما في الفسح والرحلات وزيارة الأقارب . وعلي طريق الدراكسة دكرنسالمنصورة وفي منطقة ضيقة تكثر بها الحوادث عند كوبري قرية ميت سودان إختلت عجلة قيادة الميكروباص في يد السائق لتنقلب السيارة في ثوان علي الطريق ثم تهوي إلي قاع البحر الصغير الملاصق للطريق وسط ذهول المارة وسائقي السيارات الأخري . الحصيلةد بعد مساعي الإنقاذ كانت ثلاثة قتلي هم هنا إبراهيم فتحي ووالدتها زينب صبري السيد، 35 عاما والطفل جمال نجل الدكتور محمد جمال أخصائي طب الأسنان بمستشفي منية النصر ، الذي يرقد في العناية المركزة بينما أسعفت زوجته إلي مستشفي منية النصر وكانت إصابتها خفيفة ، لكن مصيبتها في فقد جمال أكبر لأنه طفلها الوحيد ويقول شهود عيان ومصابون في الحادث أن السائق كان يسير بطريقة متهورة والطريق ضيق جدا وتمر منه السيارات ذهابا وعودة ورغم نصائح الركاب له بالتهدئة إلا أنه لم يلتزم بل كان يشق الطريق بسرعة عجيبة وكأنه كان مسافرا إلي القدر . ذهبت حياة هنا وأمها وجمال مثلما راحت من قبل علي نفس الطريق أرواح العشرات بشكل غريب وشبه يومي كما يقول المهندس هشام شادي من أبناء الدراكسة والذي يضيف : بأن هذا الطريق يقتل أسبوعيا ما بين 3 أو أربعة أشخاص في حوادث متكررة وهو الوحيد الذي يربط بين منية النصر والدراكسة ودكرنس وصولا إلي المنصورة ، ويكفي أنه في العام الماضي شهد وفاة 14 مدرسا مع سائقهم في نفس المنطقة تقريبا عندما كانوا متجهين إلي المراقبة في الثانوية الأزهرية بالمنصورة وكانت هذه الحادثة كافية لأن يتحرك المسئولون ويجدوا حلا سريعا لكارثة الطريق . ويتحدث حمد أبو نوفل من أبناء قرية الدراكسة بحزن شديد عن كثرة الحوادث علي طريق منية النصر دكرنس امتدادا إلي المنصورة بمحافظة الدقهلية . ويقول إن الطريق ضيق جدا ما يؤدي إلي مصرع وإصابة أعداد كبيرة من أهالي القري التي يمر بها ، مناشدا محافظ الدقهلية بضرورة النظر إلي الطريق والعمل علي توسعته خوفا علي حياة المواطنين ، ووجه أبونوفل إستغاثة إلي رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ومحافظ الدقهلية فيها ذكر فيها بعبارات باكية : "أغيثونا من طريق الموت كل يوم بيموت حد عزيز علينا، إن كان قريب أو صديق أو أخ أو أخت أو أب، لغاية إمتي هنفضل كده، طيب كل بيت في المركز والمدينة والقرية مات حد فيه علي نفس الطريق، سكتنا بما فيه الكفاية ولازم وقفة للموضوع دا، طفح بنا الكيل ". ويقترح أحمد قشطة حلا للكارثة برصف الطريق الشرقي للبحر الصغير من منية النصر إلي المنصورة بحيث يستخدم القادم من المنصورة الطريق الشرقي للبحر حتي يصل إلي منية النصر ، ويستخدم من يرغب الذهاب إلي المنصورة الطريق الغربي للبحر الصغير وهو الطريق الحالي . وكان اللواء عاصم حمزة منصور مدير أمن الدقهلية، قد تلقي إخطارًا من مأمور مركز شرطة دكرنس يفيد بانقلاب أحد الميكروباصات، حيث تمكنت القوات من إنقاذ 7 أشخاص، فيما لقي 3 بينهم طفلان حتفهم غرقا وتم انتشال جثثهم.