باتت مسلسلات رمضان، وقد زاد عددها بلغت الخمسين لغزا يبحث عن حل، وذلك لأن كثرة المسلسلات ليست ميزة ولا مفخرة لأنها لا تؤدى إلا إلى ضعف مستواها واضمحلالها، إذ كيف نجد ثلاثين منتجا ومثلهم مخرجين قادرين على الانتاج الجيد فى وقت واحد، وكيف يوجد الأكفاء منهم فى هذا الوقت المحدود، ناهيك عن الممثلين الذين يصعب تجميع الصالح منهم بين عشية وضحاها، فتعج المسلسلات بأصحاب الوسايط، وبهؤلاء الذين يقومون بأكثر من دور لتسديد الخانات. ولو تذكرنا بما كان يحدث أيام زمان لأدركنا أن المسلسلات كانت خفيفة الظل، قليلة العدد ولكنها عالية الجودة، قوية الهدف مثل فيلم «هارب من الأيام» الشهير إذ لم تكن فيها خلاعة ولا عنف يفتت الأبدان، فكان الناس ينتظرون موعدها بفارغ الصبر، ووصل الأمر إلى أنهم كانوا ينسقون مواعيد أعمالهم بعيدا عن مواعيد الحلقات حتى يتفرغوا للتفرج، ويتمتعوا بالأحداث، فأين هذا مما يحدث الآن، إن المشاهد نجده مضطرا للتنقل بين مسلسل لآخر، وماذا يفعل غير ذلك حين يرى فى أحد المشاهد طالبا «صايع» يضرب أستاذه على «قفاه» وإذا انتقل إلى مسلسل غيره آملا فى شيء من الاحترام، وجد العرى يغزو المشاهد، وبرقع الحياء يزول وتذروه الرياح. حتى إذا داوم الانتقال جابهته الألفاظ الخارجة التى تفوق الخيال والتى كان أدناها وأخفها على السمع «ابن ...». ولقد ظهر أن زحام المسلسلات وحده ليس هو الذى يطوله العيب، بل إن كثرة الأموال المصروفة عليها، والملايين التى بلغت الثلاثين لبعض الأشخاص هى التى أضافت إلى الخزى خزيا، فى وقت يئن فيه نصف المجتمع من الفقر، ويشكو فيه أغلب الباقين من ثقل المعيشة وكثرة أعبائها، ظنا من الصارفين أن أى مسلسل مهما يكن تافها أو مخالفا للطبيعة السوية سوف يأتى بالمال الغزير والمكسب الذى لا يحده حدود، إذا هم أجزلوا العطاء لمن سيتربع عرش التمثيل، ونسى هؤلاء أن هذا ليس هو الواقع، فكثير من الأفلام سواء عندنا أو فى الخارج تدنت مصاريفها ومصاريف القائمين بالعمل فيها، ومع ذلك كسبت مكاسب طائلة، ومثال ذلك فيلم «فهرنهايت» عن أحداث 11 سبتمبر عام 2011 فى أمريكا وفيلم «my big fat greek wedding» الذى كانت بطلته غير معروفة ولا حتى المخرج أيضا، ومع ذلك بلغت مكاسبه 365 مليون دولار مع صرف لا يتجاوز خمسة ملايين، ولا يصل إلى ما تصل إليه مصاريف الروايات فى أمريكا بأى حال من الأحوال، فالمهم إذن لكى ينجح المسلسل أن يبذل فيه الجهد، وأن تخلص النية، وأن تكتمل التضحية. ولو رجعنا إلى الوراء لوجدنا فنانينا القدامى كانوا يفعلون ذلك، ومنهم يوسف وهبى وأمينة رزق وأيضا محمد فوزى رحمه الله الذى سعى إلى نقل السينما نقلة كبري، وأراد أن يرفع أفلامها بالألوان، فلون أول فيلم واسمه «الحب فى خطر» ولكن الألوان لم تعجبه، وأصر على إعادتها، رغم أن التغاضى كان ممكنا لكون الفيلم أول فيلم يتم تلوينه، وخسر فى سبيل ذلك أموالا طائلة كبدته الكثير، وجلبت عليه الصعاب، ولكنه كان سعيدا وفخورا أيما فخر بما يفعل وبما يتم على يديه. د. عادل أبوطالب أستاذ بطب بنها