كل اختراع جديد ما هو إلا دعم لحرية الإنسان، الحلم الذى يكلل كل جهد بشري، ليصل إلى الحرية، وامتلاك الإرادة، وكانت الدولة من أهم تلك الاختراعات الإنسانية، لتمكن الفرد من قدر من الحرية، لا يستطيع أن يفوز به بدونها، وذلك بتقييد حرية الآخرين التى تسطو على حريته، فالهدف الأسمى للدولة الحفاظ على حرية مواطنيها، بتنظيم العلاقات الفردية والخروج من النظام الأبوى والانتماءات الطائفية والقبلية والمحلية، المحاصرة لشخصية الفرد ليتماهى معها، فى علاقة هرمية تلغى السياسة والمعارضة، فتلغى الدولة، وبالتالى تهدد حرية الفرد. من الحقائق العلمية أن كل فوضى هى لا نظام، بينما ليس كل لا نظام فوضى، فظواهر الطبيعة العشوائية، لا نصفها بالعشوائية إلا لقصور أدوات البحث والتحليل، كذلك ليست كل دولة تعنى الحرية، بينما كل «لا دولة» هى بالتأكيد لا حرية، وهو ما رأيناه بأم الأعين، فى تجربة الثورات العربية، التى نعيش تداعياتها، والعجيب أن يزن شباب من هذه الأمة على خراب دولته بإيده، فينساق وراء مقولات عامة مقصودة، لتزييف متعمد لمعنى الحرية، فأصبحت الحرية هى الاحتجاج الدائم، حتى فى الجنازات وراء النعوش الطائرة، وشعارات الجدران البراقة على فراغتها، ليرقصوا على أنغام العدو، الذى يلعب على صناعة الديمقراطية كمظهر لا كجوهر، ولم ينفك عن خلق قنوات سرية وعلنية وطرق واضحة وأخرى ملتوية، لتمويل جماعات سياسية تقبل بأهدافه السياسية، وتسمح بنفوذه السياسي، فتعمل على إضعاف الدولة، لضعضعة المقاومة للنفوذ الأجنبي، ما يعتبر سلبا لحرية كل مواطن، وقناة الجزيرة وشمطاواتها خير نموذج للقذرة التى تفرح فى الأحزان! واختراع شبكة التواصل الاجتماعى لا شك أنه فى صالح حرية الإنسان، لكنه كشف عن خواء فكرى ونفسى وضحالة، لم أتوقعها فى شباب توفرت له أسباب النجاح والحياة المرفهة بلا حروب، فيتبنى احتجاجات وتمردا على الدولة، بالشبهات والأقوال المرسلة، كأنه يهوى غواية بلا تكلفة، ولا يتنازل عن إحساس وهمى بأنه مناضل من منازلهم، وأحيانا من سرايرهم، ليسب هذا، ويشمت فى ذاك، ويقهقه للسخرية العميلة، المدربة لتسفيه أى قيمة حقيقية فى بلادنا، احترت فى تقييم طوائف من الشباب فمنهم من يعانى (الإكسينو فوبيا) فيكره الأجانب، ومنهم من يقع تحت وطأة (الزينو فيليا) فتتملكه عقدة الخواجة، ضد كل ما هو وطني، ومنهم من يجمع بين عقدتى الدونية والاستعلاء معا، من التناقضات المخلة التى يتبناها! أحس بالتشاؤم كلما تجولت على صفحات التواصل الاجتماعي، وتشاركنى هذا الشعور الأستاذة العالمة د. (عزة أغا)، التى أفصحت لى أنها ألغت صفحتها على مواقع التواصل الاجتماعي، التى أهدرت لها وقتا ثمينا فى محاولة تصحيح المفاهيم والمواقف، ولا تستطيع أن ترى ثمرة لهذا الجهد، مما يجعلنا نلجأ لقول الله عز وجل: «وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفهمْ ذُرِّيَّة ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّه وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا» صدق الله العظيم. بدد كل هذه المخاوف الظلماء قمر سطع فى أشد الأيام الليالى سوادا فى الهجوم القرو وسطى المدعوم خارجيا على الجيش المصرى، من دول الشر الإقليمية والدولية التى بات أصغر طفل فى العالم العربى يعرف أهدافها وعملاءها - هذا القمر الساطع يسمى (أدهم) ياللمفارقة الأدهم بمعنى شديد السواد يطلق على كل هذا الضياء والأمل، بل إنه الأدهم بمعنى (آدم) أبو البشرية رمز الإنسان الخالد فهو أدهم الذى يدافع عن الوجود الإنسانى ضد الفناء والاندثار ضد القيم البدائية التى تعرف كيف تموت ولا تملك أدوات وقيم الحياة، إنه (الأدهم) بمعنى الصلابة والقوة ووضوح الرؤيا والشهامة والإيثار والكبرياء فخير الخيل أدهمها أى أشدها سوادا وقوة، إنه «أدهم الشوباشي» الملازم الذى جاء اسمه ضمن ضحايا العدوان الغاشم ولكن الله أراد له الحياة لينجو وننجو معه من الإحباط والتشاؤم ليتكلم كلاما ليس كأى كلام، إنه كلام من قلب الرجولة الصافية، التى نتمناها فى أبنائنا لنطمئن عليهم، ويحكى لنا قصص البطولة لرجاله، ويشيد بهم وينسب للشهداء فضل الانتصار فنسب لنفسه نبل الفرسان، الذى كشفته أم أحد شهدائنا الأبرار من الجنود الذين راحوا وهم يدافعون عنا بكل رجولة، فقالت إن ابنها الشهيد رفض أن ينقل من سيناء حبا فى الضابط الذى يعمل معه وهى شهادة تكشف الجوانب الإنسانية إضافة للجوانب البطولية لأدهم مصر! جعلنى (أدهم) أؤمن بالمثل الشعبى المعبر (اللى يحبى يقطعها جبال) وها هو رفيع المقام صاحب السمو الوطنى أثبت أن مصر ولادة وبها من الرجال من يحمى حضارتها وأعطانا الفرصة لنمشى وراءه لحماية مكتسباتنا الحضارية لنشق البحر ونقطع الجبال ضد هجمة القرون الوسطى المتخلفة الموجهة من الأعداء والتجاوز الحقيقي لها، ببناء المجتمع على أسس الحريات الإنسانية، أما العملاء الذين يتاجرون بالدم والحرية، فليس لهم إلا السلاح الأمريكى (الباتريوت آكت) فنحن أحوج وأحق به منهم! لمزيد من مقالات وفاء محمود