« الصغير يموت ،، والعجوز يحيا» هذا ما كتبه عمرو العسال فى خانة حالته على الفيس بوك. وكتبت المذيعة والصحفية رشا قنديل : الفرق بين حزنك العميق وحزنك على الشخوص والدنيويات والممتلكات، إن حزنك العميق مش مكشوف للشمس.. ولا للمواساة.. حزن خفى تقيل.. قوامه كثيف ومقبض.. وطعمه معدنى وممرر.. لكنه مش للتداول.. مش جرح يقفل مع الزمن وعوامل الجو تلوثه أو تطببه.. كانه حفرة جواك سابها اقتطاع المحزون عليه منك.. وكل ماكان عمقه جواك كل ما الفجوة كانت أعمق... هذا قليل جدا مما يكتبه أصحاب الحالات، وهو يفتح باب الأسئلة: هل هناك نص أدبى جديد، غير ما عهدناه من نصوص أدبية وشعرية سواء فى الرواية أو القصة القصيرة أو المطبوع فى ديوان شعرى ؟! هل يحمل ذلك الفضاء الإلكترونى الواسع عالماً أدبيا وجنسا من الحكى والقصيدة غير المنشور على صفحات كتاب، أو تستطيع أaن تمسكه بيديك لتقرأه فى ورق ملموس ؟! وكيف أصبحت شبكات التواصل الإجتماعي, كالفيسبوك وتويتر وغيرها من المدونات على الإنترنت، بوابة جديدة يمكن أن تقدم نصا أدبيا يتجاوز حدود النشر التقليدي، وحدود مايعرف بالأدب المطبوع فى كتاب ؟! لاشك أننا جميعا، أصبحنا بشكل أو بآخر نتابع ونتعامل مع شبكات التواصل الاجتماعي، من خلال صفحاتنا على الفيس بوك، وحساباتنا على تويتر، بشكل يكاد يكون لحظيا، وعلى مدى الوقت، نتواصل ونتابع، نتحدث ونكتب، نتكلم ونبوح، وعدد غير قليل من المشاركين فى هذا الزخم الجديد، يكتب نصاً، طال أو قصر، قد يحمل فى صفاته ما يحمله النص الأدبى من عوالم الحكاية، وروح القصائد . نحن إذن أمام نوع جديد من الكتابة، ربما لم تتم دراسته بشكل كافٍ على أنه «الأدب الجديد »، أو «أدب العصر»، وفق الأدوات الجديدة المستخدمة لنقله وتوصيله، أو ربما يمكن أن نطلق عليه، أدب الحالة الإنسانية فى العالم، status، وله أثره الواسع على من يقرؤونه . ليس هذا فقط, بل إن الحالة التى يكتبها صاحب الحساب على فيس بوك وتويتر، وإجمالا مايشارك به ومجرى التواصل بينه وبين الأصدقاء والعالم، ربما يعبر عن مكونات شخصية هى الأخرى تستحق أن تكون اهتماما للأدب العالمى الجديد، أدب الفضاء الإلكترونى الواسع، رغم أن ذلك كله يحتاج لدراسة مستفيضة وأبحاث وافية، إلا أننى آثرت أن أفتح الباب هنا حوله . أدب « الحالة » كشف الفيسبوك وتويتر وغيرهما النقاب عن نوع من الكتابة، لاتخضع للقوانين المعتادة فى عالم الأدب، فهى مثلا بنت موقف ما ،أو لحظة, سطور قليلة، عابرة, تعكس موقفا ما تصنعه الأحداث اليومية. ولننقل بعضا من هذه الأدبيات الجديدة، مساهمات مختلفة تحمل ما نعنيه بأدب الحالة الجديد، وليغفر لى هؤلاء نقل بعضها دون استئذان حيث لم تتوافر فرصة التواصل معهم. خذ مثلا ما كتبته رشا قنديل : ياغائبة فى أفق اللا معقول.. لا تذهبى بعيدا جدا.. فمازلتُ معلّقة بيديكِ.. لنقطع طريقا من مدرستي.. وشرفتنا تلوح من بعيد: نقطة.. فمربعا صغيرأ.. فصحناً أنيقا يلطف يوما طويلا بائسا.. فى الطريق تهديننى قصصا خضراء.. وفى ظلك أروى كل شيء ..رائحة الورد فى يدك البيضاء تمسح وجهي.. وتهدينى الأمان.. سلام عليكِ . ويكتب أحمد هوارى : 4 سنوات فى تغطية الربيع العربى .. لم يمر يوم دون قتلى وجرحى وإرهاب وداعش وقاعدة ولجوء وتشرد وحروب أهلية ومذهبية وطائفية .. أجهدنى ما رأيت بعينى وما رصدت بقلمى وما أحصيت من جثث .. كل روح ذاهبة تأخذ من عمرى يوما، وحل الإجهاد مكان الخوف .. صرت عجوزا فى الثلاثين . الشاعر والكاتب محمد الهاشمى : لو سقطت أو تعثرت حاول أن تسترق نظرة على من حولك. فأول من يدير لك ظهره هو ألد أعدائك، مهما كنت تظن غير ذلك، الخير والشر يختبئان فى حبل الوريد . ويكتب فى حالته مرة أخرى : كفى العشاق حديثا فى الحب. الأمر ممل أحيانا، يشبه أن يتحدث رسام عن أهمية اللوحات، بينما هو فى وضع لا يسمح بالرسم. تلك بعض نماذج من حالات لها سمات الكتابة الأدبية على الفيسبوك، قصرت آو طالت، فهى تترك آثر النص الأدبى عند قراءته من غير شك، لكنها عابرة للشكل التقليدي, فلاهى مطبوعة ومجموعة على ورق لتمسكها بين يديك، ولاهى محصورة فى إجراءات معروفة وتقليدية عرفناها سابقا: من عقد للنشر، وطباعة ثم توزيع وحسابات للربح والخسارة. إنها هنا من غير حدود أو محددات، لكن مازلنا نحاول التعرف عليها أكثر، وأنا معكم ! « أن تتواصل لتحكى » فى تصديره لسيرته الذاتية أن تعيش لتحكي، يقول الآديب العا لمى الراحل, منذ شهور قليلة, جارثيا ماركيز الحياة ليست ماعشناه، بل ما نتذكره وكيف نتذكره،, حيث الإنسان هو ذلك الكائن الذى يستطيع آن يحكى ذاكرته وينقلها للناس والحياة، وهنا لا تهم الوسيلة, فقد كانت شفاهية ثم ظهرت الكتابة فدوّنها الإنسان، والآن ونحن أمام وسيلة جديدة هى ذلك الفضاء الالكترونى الواسع، فلم لايكون هو الآخر وسيطا أدبيا حديثا، ولما لا نقف أمامه بعين مختلفة أو نقوم بالنظر إليه ودراسته بشكل لا يخضع لمعايير سابقة وتقليدية ؟! ونختم بحالة كتبتها القاصة المصرية رباب كساب، استأذنت منها فى الاستعانة بها، فوافقت رغم قولها إنها ليست أدبا، لكن لننقلها ونر هل تمثل نصا أدبيا آم لا ! تقول رباب كساب : بابا الله يرحمه، كان بيخاف علينا بشكل فيه مبالغة، وانا بالذات أكتر من اخواتي، يمكن عشان البكرية . ومن ضمن الممنوعات انى اروح المولد. جيراننا كانوا بيروحوا مولد-على ما أذكر- أبوعمار ، دا غير سيدى ابراهيم الدسوقى فى كفر الشيخ، ويرجعوا بفرحة غريبة ماعرفتش استوعبها ولاافهمها، وكل مرة يروحوا يهادونا بكيس حلاوة شعر. كان نفسى آشوف المولد، وكل ماكنت انزل طنطا فى وقت قريب من المولد كنت اشوف شوادر الخدمة، واستغرب الناس دى بتعمل إيه. فى القطر المجاذيب: سبح من كل الأشكال والألوان، لكن مارحتش يوم المولد كل العمر دا، قريبة من سيدى أحمد البدوى ولا احضرش المولد، وأيام الكلية ماكانش ينوبنا غير تقفيل الشرطة لكل طنطا وتفتيش العربيات. بس مرة شفت التشريفة، ومن سنتين تلاتة سمعت التهامى فى الليلة الكبيرة بتاعة سيدنا الحسين، بس ماشفتش المولد برضه، وبالليل يوصلنى صوت المديح ولا اشوفش حاجة، لحد امبارح خدتنى رجلى أنا وسعاد سليمان لحد هناك، وحالة من الانبهار والدهشة وحركة داخلية مع كل دبة من رجلين الراقصين الصعايدة، ودقات طبول وأصوات المداحين والمغنين.. سعاد كملت فرحتها بالمراجيح، لكن أنا فرحتى كانت حاجة تانية خالص، عشرين تلاتين صورة اترسموا جوايا، وأجملهم صورة صاحبة النشان اللى هيئتها ادتنى نبذة عنها، فلما سعاد قالت لى صوريها ماقدرتش اصورها من غير مااستأذنها، ولقيتنى باقرب منها، وباطلب منها توافق اصورها، وجاء رد فعلها زى ماتوقعت ..رفضت، حيتها ومشينا، وصورة تانية, محتاجة قصة مش كلمتين رد فعل وخلاص .. المولد حلو قوى .. ليه يابابا كنت بترفض نروح ؟!!! كثيرة هى الأمثلة على نصوص يكتبها أصحاب الحسابات على الفيس بوك ولاينشرونها، تفتح الباب للحديث عن أدب من نوع جديد، عن نص أدبى يطير فى الفضاء، وهو متاح للجميع أو للأصدقاء، مجانا, ولاتضمه مكتبة أو دار نشر تروجه وتبيعه . فهل نفتح الباب للحديث عن هذا النوع الجديد ؟