كان أحد أهم أهداف سعى واشنطن وعواصم الغرب للاتفاق النووي الايراني الاخير هو قطع الطريق على إيران النووية، ومنعها من حيازة القنبلة الذرية والعمل على وقف انطلاق سباق نووي في الشرق الأوسط ... هل هذا الهدف قابل للتحقق بشكل شاف واف أم أن الاتفاقية الأخيرة ربما تأتي بنتائج عكسية؟ يخبرنا البروفيسور «مارك فيتز باتريك» الخبير النووي السابق بوزارة الخارجية الأمريكية، والذي يدير الآن برنامج نزع وعدم انتشار السلاح في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن: «أن السعي الآن في الشرق الأوسط خاصة لحيازة الطاقة النووية هو أمر ينظر إليه كخطوة أولى نحو خيار الأسلحة النووية، بل إن هناك أيضاً عامل الهيبة ومواكبة الجيران». يعن لنا ان نتساءل هل من الصواب أن تبقى إسرائيل وإيران على مقربة من بعضها البعض، ويظل العرب بعيدا جدا عن الإطار النووي السلمي في بداية الأمر؟ المؤكد أن الاتفاق يلزم إيران لفترة تمتد من عشر إلى خمس عشرة سنة، وهي فترة زمنية ضئيلة في عمر الدول ، وإيران الآن لديها الخبرة التكنولوجية النووية، وأقرب ما تكون إلى ألمانيا واليابان، ولهذا فإن حيازتها سلاحا نوويا، أمر يحتاج لقرار سياسي ، وربما بعد هذه الفترة تكون إيران قد حصلت على وضعية دولية وشرق أوسطية واقتصادية أقوى تجعلها تقدم على صناعة قنبلتها النووية دون تردد. يذهب ثعلب السياسة الأمريكية هنري كيسنجر في قراءة تحليلية له أخيراً إلى أنه بالنسبة لجيران إيران ، الذين ينظرون إلى ضروراتهم من خلال الكثير من المنافسات ، فإن الأمر مقدمة خطيرة لواقع دائم أكثر خطورة، ومن المحتمل أن ترى بعض الجهات الفاعلة في الشرق الأوسط الولاياتالمتحدة أنها على استعداد للسماح بوجود قدرة عسكرية نووية في البلد الذي يعتبرونه تهديدهم الرئيسى، وسوف يصر العديد منهم على تحقيق ما لا يقل عن قدرة مماثلة، وقد أشارت المملكة العربية السعودية إلى أنها ستدخل القوائم، ومن المرجح أن يتبعها الآخرون وبهذه الطريقة، فإن الآثار المترتبة على التفاوض لا يمكن علاجها .... «ما الذي يفتح حديث كيسنجر عليه العيون والآذان»؟ لعل الحقيقة المؤكدة هي أن الدول العربية السنية ودون مواراة أو مداراة باتت تنظر الآن للاتفاق النووي الإيراني الغربي، على أنه فوز للإيرانيين في سباق التفاوض، وعليه فإنه ما من مفر للسير في مسار سريع لتنفيذ الخطط النووية الخاصة بهم، حتى وأن بدأت سلمية في أول الأمر، وهناك بالفعل حاجة ملحة إليها في ضوء حرق النفط الخام في الدول الخليجية، وضعف مصادر الكهرباء في دول أخرى مثل مصر، وفي كل الأحوال فإن الانتشار النووي سيضحى حقيقة مؤكدة لا جدال في ذلك. ضمن الأسئلة المثارة على مائدة النقاش، وفي ضوء الاتفاقية المثيرة للجدل هذه: «هل النووي الإيراني فقط هو ما يهدد الشرق الأوسط أم أن لدى الإيرانيين مهددات أخرى تبدو بالفعل فاعلة في الحال والاستقبال؟.. بالقطع نحن لا نتحدث عن الجانب السياسي في الأمر، فهذا له قراءة سياسية معمقة لاحقا، لكن ما نحن بصدده هو التهديدات الإيرانية المسلحة سيما لجيرانها من الدول الخليجية والشرق أوسطية فماذا عن ذلك؟ تلفت مجلة «بزنس انسايدر» الأمريكية في عددها الصادر منتصف شهر يونيو الماضي إلى أنه وحتى بعد التوقيع على الصفقة الإيرانية الأخيرة، فإنه لدى إيران إمكانية استخدام أسلحة متطورة جداً، وتشكل تهديدا كبيرا وهي الأسلحة الموجودة في ترسانتها الصاروخية المتطورة بشكل دائم ... هل يعني هذا أن «التهديد الصاروخي الإيراني مستمر ؟». ربما كان البيان الصادر عن «مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية» (CSIS) في واشنطن يميط اللثام عن المشهد، ذلك أنه ووفقاً للتقرير «تستطيع صواريخ المدفعية قصيرة المدى الإيرانية أن تشكل سلاح ترهيب ضد الأهداف في العراق والكويت»، أما صواريخ المدفعية الأبعد مدى لإيران فتستطيع أن تصل بسهولة إلى الدول الواقعة على الجانب الآخر من الخليج. والكارثة الحقيقية في شأن الصواريخ الإيرانية هي أنها غير دقيقة للغاية، فالصواريخ بعيدة المدى محملة برؤوس متفجرة تقليدية كبيرة، ولكنها لا تتبع نظام توجيه موثوق تماما». هل هذا الاتفاق قابل للتطبيق بالفعل؟ بداية يرصد المرء حالة من عدم الثقة المتبادلة بين الأمريكيين والإيرانيين على حد سواء، فباراك أوباما يؤكد أن الاتفاق مع إيران ليس مبنيا على الثقة وإنما قائم على التحقق، ولا يزال يهدد بأنه حال تراجعت إيران عن الالتزام ببنود الاتفاق فانه سيتم فرض العقوبات مجدداً. وعلى الجانب الإيرانى نستمع إلى نائبة الرئيس الإيرانى «معصومة ابتكار» التى لا تتوقع تطبيع علاقات مع واشنطن، بل ستظل العلاقات غير ودية، فيما قائد الحرس الثورى الإيرانى لمدة 16 عاماً (1981-1997) محسن رجائى، يرى أن انعدام الثقة فى الأمريكيين سيبقى عاليا، وبين الرأيين تبقى هناك معركة كبرى فى الكونجرس الأمريكى حيث الأغلبية الجمهورية المعارضة للاتفاق النووى وأمامها 60 يوماً للتصويت على الاتفاق، ويمكن للكونجرس أن يصوت ضدها، وللرئيس حق استخدام الفيتو، لكن حال إصرار الكونجرس بغالبية الثلثين فأنهم بذلك يتجاوزون الفيتو الرئاسى المتوقع فعلا..ماذا يعنى ما تقدم؟ يمكن أن يكون الاتفاق مع إيران حدثا تاريخيا لكن تطبيقه فى واقع الحال يمكن أن يكون بالفعل صعبا للغاية فى ظل العوامل المتقدمة... لمزيد من مقالات إميل أمين