على مساحة 68 فدانًا تقع مدينة العمال المعروفة باسم "المستعمرة"، فى مدخل مدينة المحلة الكبرى قلعة صناعة الغزل والنسيج، يسكنها نحو 1000 أسرة من أصحاب المعاشات بشركة «مصر للغزل والنسيج»، والعاملين بها معظمهم من المسنين والمرضى والأرامل، الذين يرفعون استغاثاتهم إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، والمهندس إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء لمراعاة ظروفهم الصحية، حيث أنهم أفنوا حياتهم فى العمل والإنتاج بأكبر صرح للغزل والنسيج بالشرق الأوسط، بعد أن قامت "شركة مصر للغزل والنسيج" برفع دعاوى قضائية ضدهم؛ لطردهم وتشريدهم من مساكن "المستعمرة". قرارات طرد أرباب المعاشات تأتى رغم صدور القرار الجمهورى رقم 2095 لسنة 1989، وكذلك صدور أحكام قضائية من مجلس الدولة فى أعوام 1996 و2001 و2004 و2005 بعدم طرد أى عامل من مسكنه, عند انتهاء خدمته, إلا بعد توفير السكن البديل, مع أحقية ورثة العامل المتوفى فى استمرار الانتفاع بالسكن الإداري, وسريان القوانين المنظمة للعلاقة بين المؤجِّر والمستأجِر، بالإضافة إلى خطاب رسمى من وزارة الاستثمار إلى المهندس محسن الجيلاني، رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للغزل والنسيج الأسبق, والذى يحمل رقم 10555 بعدم طرد معاشات غزل المحلة إلا بعد توفير البديل، وكذلك ما جاء بالكتاب الدورى لوزارة الحكم المحلى رقم 63 لسنة1977 بموافقة رئيس مجلس الوزراء على عدم إخلاء العاملين قبل توفير السكن البديل بمعرفة المحافظة. التقى «الأهرام» عددًا من معاشات وأرامل “غزل المحلة”، والعاملين بها؛ للوقوف على حقيقة معاناتهم، وموقف إدارة الشركة منها، ولرفع مطالبهم إلى المسئولين، حيث يؤكد محمد أبو نار (أحد ورثة المعاشات) أن مأساتهم بدأت منذ عدة سنوات، عندما قضت محكمة بندر ثان المحلة، فى القضايا التى رفعتها الشركة ضد “معاشات غزل المحلة” بإلزام المعلن إليه “شاغل العين” بسداد مبلغ 1000 جنيه كريع شهري؛ ووصلت هذه التعويضات والغرامات إلى أكثر من 350 ألف جنيه لكل وحدة سكنية؛ تعويضًا عن حرمان الشركة من الاستغلال والانتفاع بالعين التى يغتصبها المعلن إليه, والمقضى بطرده منها، ثم توالى تعنت الشركة ضد هؤلاء المسنين والأرامل، حتى حصلتْ على أحكام لا تقتصر على الطرد فقط، وإنما الاتهام بالتبديد والحبس، ثم الحجز على السكن بما فيه، إذا لم يتم سداد الريع والغرامات المالية التى قضت بها المحكمة، عملا بمبدأ “الطرد أو الدفع أو الحجز”؛ بحجة أننا غاصبون للسكن، رغم أننا نسدد بإيصالات شهرية مصاريف الإنارة ومياه الشرب والحراسة والنظافة والتجميل والإيجار, فى انتظار دورنا فى السكن البديل. وأشار إلى أن عددًا ممن خرجوا على المعاش حصلوا، قبل ذلك، على مساكن بديلة فى “منشية مبارك” بالمحلة, إلا أن هذا الأمر توقف منذ عام 1995. وأكد أنه سبق أن تقدَّم اللواء عبد الحميد الشناوي، محافظ الغربية الأسبق، بمخطط إستراتيجى لتطوير منطقة “المستعمرة” بالمحلة, لاستغلال مساحة 68 فدانًا فى إقامة 5448 وحدة سكنية علي3 مراحل, بحيث يتم تخصيص جزء من هذه الوحدات لمعاشات شركة مصر للغزل والنسيج المقيمين بنفس المنطقة, وجزء آخر للعمال الحاليين, والجزء المتبقى يتم بيعه لأبناء المحلة الكبري. وأشار إلى أننا مستعدون لتنفيذ أى حل يراه المسئولون مناسبًا سواء كان ذلك بتوفير السكن البديل أو تمليك هذه المساكن أو إيجارها لهم, وذلك أسوة بزملائهم العمال فى شركات: الحديد والصلب، وكفر الدوار، وشبين الكوم، وغزل دمياط، والسكة الحديد, حيث تم توفير السكن البديل لبعضهم وتمليك عدد آخر منهم وتأجير المساكن للآخرين. وتضيف نبيلة حسين خطاب (80 سنة - أرملة) أن زوجها قضى عمره كله فى العمل ب”غزل المحلة”، ورحل عن الدنيا، وليس لنا أى دخل آخر سوى معاشه الذى لا يتجاوز 700 جنيه، ونحن أسرة كبيرة العدد، “وأنا سيدة مريضة، وادفع علاج شهرى بحوالى 300 جنيه.. أروح فين، وأنا فى السن ده؟”.. من جانبه، أكد المهندس إبراهيم بدير، المفوض العام لشركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبري، أنه يتم رفع قضايا الطرد لمن عنده سكن بديل، لأن السكن الإدارى حق من حقوق العاملين بالشركة، وهو ملك الشركة وليس ملك الساكن. وأضاف أن الشركة غير ملزَمة بتوفير السكن البديل لمن يخرج على المعاش، وأن كل عامل يعرف جيدًا أنه سكن إدارى طوال فترة الخدمة بالشركة فقط، وأنه سيتركه فور خروجه على المعاش، لأن زميله الذى لا يزال بالخدمة “نعمل فيه أيه”؟ وقال: هذا نظام الشركة. وأشار إلى أنه بالنسبة لموضوع الريع الشهري، فيوجد حالات طلبت رفع الريع الشهري، مقابل تركها السكن، كما أننا اكتشفنا أن بعض الناس من المعاشات عندهم “عمارات”، ولا يريدون ترك سكن الشركة، بل إن البعض قام ببيع السكن، وهو ليس ملكه!! وحول تطوير منطقة “المستعمرة” وإقامة مساكن عليها، قال “بدير”: “ليس لدى أى علم بمخطط بناء منطقة المستعمرة”. يُذْكَر أن تاريخ بناء “المستعمرة” بمدينة المحلة الكبري، يرجع لعام 1906 أثناء الاحتلال الإنجليزى لمصر، حيث بناها الإنجليز لتكون معسكرات لجنود الاحتلال، ومن هنا جاءت كلمة “مستعمرة”، وبعد جلاء الاحتلال عن مصر عادت “المستعمرة” ملكًا للدولة، وفى عام 1956 “العدوان الثلاثى على مصر” كانت مساكن إيواء لسكان محافظتيْ: السويس وبورسعيد.. وفى أواخر الخمسينيات، قامت شركة “غزل المحلة” بتوقيع عقد شراكة مع الدولة بنظام حق الانتفاع، بحيث تكون مبانى “المستعمرة” سكنًا للعاملين بالشركة، على أن تبقى الأرض ملكًا للدولة، مقابل مبلغ 211 ألف جنيه، تكلفة المبانى آنذاك.. ومن وقتها تحولت المستعمرة إلى مساكن عمالية.